في مقال سابق بعنوان "أفلام خذلها شباك التذاكر" ناقشنا أعمال شكلت عبء على شركات إنتاجها وخسّرتها ملايين الدولارات، واستعرضنا أهم أسباب فشل كل فيلم.
في هذا المقال سوف نناقش أفلام حفرت اسمها بالدولارات وتربّعت على عرش شباك التذاكر، فأفلامنا هذه المرة لم تكسب المال فقط، بل كانت لفترة زمنية معينة، أكثر الأفلام تحقيقًا للإيرادات في تاريخ السينما. هذه المرة قسمنا مقالنا حسب المدة الزمنية بما أن الوقت له تأثير كبير في هذه الحالة، ففيلم جيد بتوقيت زمني خاطئ قد يفشل، كما أن إعادة الإصدار (التي حصلت في معظم الأحيان) قد تساعد أيضًا، فهيا بنا نكتشف أفلامًا دخلت التاريخ بنجاحها.
سيطرة Gone With the Wind لم تتوقف إلى أن جاء فيلم المافيا "The Godfather" (العراب) وقلب المعادلة على شبابيك التذاكر بتحقيقه 142 مليون دولار، ففيلم المخرج فرانسيس فورد كوبولا نال إعجاب الجمهور والنقاد حتى ان البعض اعتبروه أكثر الأفلام تأثيراً على الجمهور، الرواية الأصلية كانت ناجحة لكن تنفيذ الفيلم كان متقن وأعجب الجمهور من كل الفئات العمرية، وحتى الآن وبالرغم من كثرة هذه النوعية، يبقى للعراب نكهة خاصة عند عشاق الأفلام. لطالما كانت مخلوقات البحر إلهاماً كبيراً لصناع الأفلام واستندت عليها أكثر أفلام الرعب على مر التاريخ، فاستطاع المخرج ستيفن سبيلبرج من خلال فيلم "Jaws " أن يقدم عمل "مرعب" وحركي مع شخصيات مرسومة بطريقة جميلة وأداء محترف، قصة القرش العملاق الذي يجتاح أحد الشواطئ السياحية دبت الرعب بكل من شاهده ولمسة "سبيلبرج" جعلت الفيلم ناجح ولا زال حتى الآن يعتبر من أفضل أفلام الرعب. الفيلم استطاع تحقيق نجاح كبير على شباك التذاكر، فغطى تكاليف انتاجه بأسبوعين فقط، ونجاحه حول العالم جعله يأخذ مكان "العرّاب" ويصل للقمة.
نجاح "سبيلبرج" على شباك التذاكر لم يتوقف، فبعد عشر سنوات أي في عام 1993 تمّت دعوتنا كي نزور عالم من الخيال مع فيلم "Jurassic Park"، رحلة عصرية في منتزه مخصص للديناصورات. استطاع "سبيلبرج" نقل صورة جميلة وواقعية وكأننا فعلاً زرنا هذا المنتزه مع العلم أن التقنيات حينها لم تكن متطورة مثل الـCGI المستخدم حالياً، لكن رغم كل هذا بدا الفيلم حقيقياً أكثر من أعمال اليوم التي ترتكز على تقنية الكميبوتر بشكل مبالغ فيه. الفيلم حطم أرقام الافتتاح لشبابيك التذاكر في العديد من الدول الأجنبية وتربع على القمة وأضاف نجاح جديد للمخرج ستيفن سبيلبرج.
عام 1997 قدم لنا المخرج جايمس كاميرون فيلم "Titanic"، المقتبس عن قصة السفينة الضخمة التي غرقت بالمحيط الأطلسي عام 1912، كان الفيلم من بطولة ليوناردو دي كابريو وكايت وينسلت، وقد خرق كل التوقعات وحقق نجاح لا مثيل له. قبل صدور الفيلم توقع الجميع فشله، وحتى "كاميرون" صرح أنه كان يتوقع "كارثة" بسبب ميزانيته الضخمة (كان أكثر الأفلام إنتاجًا حينها). لكن كان للجمور رأي أخر، الفيلم حقق نجاح كبيراً وما لبث أن أصبح الفيلم الأنجح بالتاريخ، وكان أول فيلم يحقق مليار دولار على شبابيك التذاكر العالمية. أسباب نجاح الفيلم كانت عديدة، فليوناردو دي كابريو استطاع جذب الجمهور النسائي، وقصة الحب الجميلة بين (جاك) و(روز) أثّرت بالجميع. البعض يقول أن "Titanic" من الأفلام القليلة التي جعلت الرجاء والنساء يبكون، وهذا "الرابط العاطفي" جعل الناس يشاهدوه أكثر من مرة لأنهم، وبحسب المخرج، عاشوا تجربة جديدة وشيقة وأخذوا أصدقائهم ليشاهدوه كي يختبروا نفس التجربة.
قبل الحديث عن فيلم "Avatar " الذي يحتل المرتبة الأولى حالياً بتاريخ شباك التذاكر، فلنتحدث قليلاً عن ما يسمى "الهبوط" على شباك التذاكر. في معظم الأحيان يحصد الفيلم أكبر نجاحاته بعد أسبوعه الأول في الصالات، ففي الأسبوع الثاني "تهبط" الإيرادات نظراً لتراجع نسبة مشاهدته بما أن معظم جمهوره شاهده في الأسبوع الأول، فنسبة الهبوط بين الأسبوع الأول والثاني أو ما تسمى بالـDrop تحدد مسار الفيلم وتتنبأ بإيراداته في الأسابيع القادمة. في حالة العديد من الأفلام، تبقى نسبة الهبوط مقبولة إلى حد ال50%، فالأفلام التي تهبط بأكثر من هذه النسبة لن تكسب الكثير من المال، وستستمر بالهبوط حتى نهاية عرضها.
بدأ العمل على "Avatar" منذ العام 1994، لكن لم يكتمل ويصدر إلا عام 2009، عندما استطاع جايمس كاميرون استخدام كل التقنيات الجديدة والمناسبة كي يخرج بفيلم كما توقعه بميزانية تتراوح ما بين 280 و310 مليار دولار. قبل صدوره كانت التنبؤات متفاوتة حوله، البعض قال إنه سيفشل والبعض الأخر توقعوا نجاحه، لكن أحدٌ لم يتوقع أنه سيكون "قنبلة" على شباك التذاكر ويدخل التاريخ.
من الأسبوع الأول الى الأسبوع الثاني، هبوط الفيلم كان بنسبة 1.8% فقط، وبعد اربع أسابيع على اصداره حتى وصلت نسبة هبوطه الى ال30%، أي أن "Avatar" لم يسجل رقماً ضخماً من الأسبوع الأول على شباك التذاكر، بل ظل يكسب ويجمع إيرادات بالتروي على مدى أسابيع حتى وصل للقمة وتربع على عرش شباك التذاكر وهو لا يزل حتى الآن. اسباب نجاحه كثيرة، لكن من المؤكد أن الـCGI والتقنيات التي استخدمها كاميرون كان لها الفضل الأكبر. فالفيلم لم يكن مجموعة شخصيات مصنوعة بالكمبيوتر مع استخدام مزعج للـ3D، بل على العكس، أدخلنا "كاميرون" إلى عالم أخر، عالم من الألوان والشخصيات الجديدة، كل من شاهد الفيلم (خصوصاً بالصالات) اعجب به، القصة كانت تشبه إلى حد بعيد رواية "Pocahontas" لكن بعصر جديد، لكن هذا لم يكن عائقاً أمام الجماهير للاستمتاع بزيارة كوكب "باندورا" والغوص في أعماقه. لا يوجد فيلم في المدى القريب يستطيع منافسة "Avatar" على العرش، ففيلم يحقق إيرادات كبيرة من الأسبوع الأول و "يهبط" في أسبوعه الثاني لن يصل الى القمة، وهذا السبب التي عانته الأفلام التي تحظى بإقبال جماهيري كبير أو ما تسمى بالـBlockbusters (أفلام Avengers، Jurassic World وThe Force Awakens) فهذه الأفلام التي كانت لها الفرصة الأكبر لاحتلال مكان "Avatar"، حصدت الأرقام الكبيرة في أسابيعها الأولى والثانية لكن لم تصمد للنهاية.
يدخل الفيلم التاريخ عبر عدة أبواب، من خلال قصته، طريقة صنعه أو من خلال نجاحه أو حتى فشله. في هذا المقال تحدثنا عن أفلام كانت مصدر أموال لشركات إنتاجها، وحققت نجاح تخطى الحدود، فالجمهور هو الحكم، وعندما يطلب الجمهور تنفذ الشركات، فإذا نظرنا للأفلام التي حللناها سنرى أن معظما حصل على أجزاء جديدة (Jurassic Park و Godfatherو Star Wars وقريباً Avatar) أو تمت إعادة إصدارها مرات عديدة (Gone With The Wind وTitanic أخيراً بالأبعاد الثلاثة) والهدف الأول من كل هذا كان تكرار النجاح والاستفادة من الربح. أحد أسباب تراجع مستوى السينما هو التركيز على الربح المادي وغض النظر عن النوعية التي تقدم للجمهور وهذا يجعل الأفلام الممتعة والجميلة قليلة ويا للأسف. في النهاية، أعتقد انه تم تعديل المثل كي يتناسب مع الوضع الهوليوودي الحالي، فأصبح: "حتى لو نجحت، حاول مرة أخرى".