القسوة في المراجعات النقدية على الأفلام أصبحت موضةً قديمة. مِن المعلوم، الآن، مَن هو هذا الشخص الذي قد يذهب لمُشاهدة أفلامًا كـ(الديزل) في دار العرض. انتظار شيء "جيد" أو "مختلف" مِنها أصبح أمرًا حقًا يدعو للسُخف. إنها التجربة التي تُناسب ذوق هذا الشعب المِصري الرائع، ذو ثقافة الضِحك اللاسببي!.. وإن كنت تظن شيئًا غير ذلك، فارحل بعيدًا، ولا تُفسِد علينا -بأفكارِك هذه- مُشاهدة الفيلم الذي استهلك كل ما حصِلنا عليه من عيديّة. دعنا وشأننا، نحن نُحب الخيال الرخيص.. هذا ما تربينا عليه، وهذا ما نعرفه.. هذه سينمانا.. وهذا بَطَلنا.. مَن أنتَ لتجلِس وسطُنا؟!.. أوه!، حسنًا، لكنّك سيتوجبّ عليك أن تضحك معنا.
شرير فيلمُنا شخص هاوٍ للأفلام، يُشاهد الأفلام أكثر من أي شي آخر يمكن فعله بالحياة (كما تقول كلمات الفيلم ذاتها والاهي العظيم!). يستهويه النوع السوداوي، أفلامٌ كـ"Black Swan"، "Apocalypto"، و"Gladiator" تستحوذ على انتباهه. شيء جميل، لكن، منذ متى ومُشاهدة الأفلام السوداوية تنُم على أن مُشاهِدهَا هو الآخر يحمل صبغة قاتمة داخلهُ؟!.. أهذا خيالٌ رخيص؟
أما مخرج حكايتنا، فهو شخص قد تأثر كثيرًا بأعمال المخرج الدنماركي (نيكولاس ويندينج ريڤن).. نرى ذلك التأثُّر متجسد في اهتمامه الزائد بوجود درجات الألوان المتباينة في تكوين كادراته، وفي تصميم البوستر ذاته بالطبع. والأهم، في تصميم الغرفة ذات الألوان الخضراء الفاقِعة الذي سيدخُلها بطل الفيلم قُرب النهاية ومِن قبله إحدى الشخصيات.
أما بالنسبة للقصة، فهي وللأمانة تحمل كل مواطِن العبقرية والإبداع!. أريد فقط القول أني في حوالي الدقيقة الخامسة عشر من بداية الفيلم لم يصلُني فكرةً عما يجري في هذا الفيلم أمامي!، لا أعلم ما الذي كان يُفكّر فيه ثلاثي كُتّاب القصة (أمين جمال، محمود حِمدان، محمد محرز)؛ فنرى بداية مشهدية عجيبة للتترات تُدخلنا في حبكة عن حادثة قتل جرائمية، ثُمَّ.. نرى البطل المغوار "محمد رمضان" يقوم بمشاهد خطيرة لهبوط من أحد المباني، ليُحطّم الزجاج ويقتحم المبنى، وأثناء ذلك المُسدّس في يده لا يتوقف عن ضرب الطلقات (نعلم فيما بعد أنّ كل هذا جزءٌ من فيلم يتم تصويره داخل الفيلم!)، ثمَّ.. يأتي ما يتبيّن أنه لقطتان لـ"محمد رمضان" -ممزوجتان مونتاچيًا بطريقة سيئة للغاية- كي نعلم أخيرًا ماذا يحدُث؛ إنه دوبلير محمد رمضان في فيلم لمحمد رمضان، ويُمثل شخصية محمد رمضان!. لحظةً من فضلِكم: هل سَمعتُ للتو أسخف فكرة يمكن أن تحصل على الإطلاق؟.. يا إلهي!، ما هذا؟!
أيًا كان.. ولن أقول حتى لماذا هي فكرة شديدة الغباء لأنها في الواقع لم تُنفذ أصلًا!. لكن ما أثار اهتمامي بعد هذا المشهد هو بناء عدة مقتطفات كوميدية حول الشخصية الـ"حقيقية/الواقعية" لرمضان. هذه حركةً بفيلم آخر غير هذا، كأنها تُضربُكَ في حنقِك وتقول لكّ كم أنتَ ساذج عزيزي المُشاهد لأنك ستتقبل أي شيءٍ أمامَك.. خيالٌ رخيصٌ فعلًا.
كل ما سردته توًا هو تقريبًا العشرون دقيقة الافتتاحية من الفيلم.. لا أقصِد أن أحطّ من مكانة السذاجة، لا بأس بالسذاجة، سأتقبلها. لكنها هُنا ليست سذاجة بل تقليل من قيمة عقل المُشاهد.. ويا له من مُشاهد خياله فذّ!
القصة حقًا أكثر ما أثارتني لأنها تبدو كأنّها لو كانت تُكتَب أثناء عملية التصوير!، هي لا تملك أدنى فكرة عمّا تريدهُ أن تكون، ولا مانِع مِن إمكانية وضعها تحت قالب «امتحان السنة الأولى لقسم السيناريو». وقد ضحكِتُ كثيرًا في هذا الفيلم، ليس لأن نُكاته كانت موفقة، في الواقع شعرت أنها ثقيلة الظلّ قليلًا، لكني ضحكتُ في الوقت الذي لم يضحك فيه أحدٌ بقاعة العرض: "المشاهد الدرامية".. أو، التي تبدو كذلك.
لكن لا بأس، مَن قال أنّ القصة مهمة أصلًا، وهل هذا فيلم تنتظر مِنه شيئًا كحكايةٌ ما تُحكى عليك؟!.. ما يهم حقًا هو التنوع في الچونرات، وهو في هذه النقطة يأخذ لقب امتياز؛ حيث الكوكتيل الچونري يحوي كل ما يريده مزاجُك العطب: هناك "أكشن"، صحيح قد افتقد للواقعية فقد طريق امتثالُه لنظرية فن السينما هو فن الخِداع.. أتحدّث عن التقطيعات المونتاچية الهائلة في كل المشاهد الحركيّة، لكن لا بأس، فهذا ما أمامنا!. هناك رومانس، هُناك جريمة وقتل، هُناك مسحة غموض.. وهناك رقص ومزيكا لكن لصعوبة إدراجِها بالفيلم، نُشِرت خارجها في مقطع موسيقي بعنوان (هتِولَع). كل هذا في قصةً عن صعود شاب يشبه محمد رمضان ويُصرّ على أنه هو!
وبالحديث عن التمثيل.. تمثيل ايه بقى؟!، نعم هُناك شيئًا أود قوله؛ هناك ممثلة ضمن طاقم العمل، هي "عارفة عبد الرسول"، شاركت هذا العام بفيلم مِصري مستقل رائع للغاية يُدعى (زهرة الصبَّار)، حاوِلوا أن تُشاهِدوه إذا استطعتُم!
الخلطة الرمضانيّة العيديّة هذه ليست سيئة، ربما كانت ينقُصها فقط حركةً ظريفة بعد انتهاء المشهد الختامي، بأن يظهر صاحب الجلالة الشخصية البَطَلة، تُحدّثنا مُباشرةً في عين الكاميرا على غرار المشهد الهيستيري بنهاية الجزء الأول من (Deadpool)، ويقول لنا "عـيدُكم سعيد، أتمنى أن تكونوا قد استمتعتُم بفيلمي، وإن شاء الله يكسّر الدُنيا، وثقة في اللي خلقكُم نجاح".
ولِمَ لا؟، شخصيًا أصابني الذهول عندما رأيتُ على نُسخة الفيلم التي شاهدتها في سينما جالاكسي، وجود كلمة 'استراحة' موجودة على شريط الفيلم ذاته لتسهيل عمليات السيرڤيس..
"الديزل" تجربة لا تفقد معناها رغم سخافتها، لكنها فقط تفقد كل الأسباب المؤديّة لنجاحها (الفني، لا التُجاري بالطبع!).. لا مُخالفات مروريّة هُنا.
يُذكَر أن المخرج "كريم السبكي" قد سبق وأن قدّم منذ خمس سنوات مع النمبَر وان، فيلم (قلب الأسد) الذي حصد إيرادات تُقدَّر بقُرابة الستة عشر ونصف مليون جنيه مصري.
يُذكَر أيضًا، أن فيلم "الديزل" رغم تصنيفُه الرقابي (+12) إلا أنه يحتوي على مشهَدَان قد يكونان مؤذيان لم هُم دون الخامِسة عشر؛ وهو مشهد يُقطَع فيه إصبعًا، ومشهد آخر يُشنَق فيه شخصًا.. (!)