تقول الأسطورة أن بالإمكان الوصول إلى القمة لكن تكمن الصعوبة في الحفاظ عليها، إذا طبقنا المقولة السابقة على نجوم السينما أن الممثل بضربة حظ قد يصنع فيلمًا يجعله فى يوم و ليلة نجمًا كبيرًا، لكن السؤال كيف يحافظ على المكانة الجديدة التي وصل إليها؟
هناك فنان يشارك فى عمل ناجح فيحاول تكرار النجاح بأن يصنع عمل مشابه تمامًا لما قدمه بغرض الحفاظ على النجاح فيفشل فيقع فى حيرة وتساؤل لماذا فشلت؟ ؛ لقد صنعت ما لاقى إعجاب الجمهور من قبل وبسبب غياب الوعى لن يدرك أنه فشل بسبب التكرار وأن اللعب على تيمة مضمونة لا يضمن بالضرورة استمرار النجاح.
الوعي يعني أشياء كثيرة منها الثقافة والذكاء الفني والإلمام بما يحدث من متغيرات في صناعة السينما وأن يعرف الفنان تمامًا نوع الفن الذي يريد تقديمه وبناءًا عليه يتخذ قرارته بشأن العمل الفني الذي سيشارك فيه، الوعي هو الذي يجعله يختار هذا العمل ويرفض هذا، يعمل مع هذا المخرج ويرفض العمل مع ذاك.
إذا طبقنا الرأي السابق على عادل امام مثلًا، فعادل إمام استطاع البقاء على القمة لمدة 40 عامًا، هل حدث هذا صدفة؟ بالطبع لا، فالبقاء كل هذه المدة يتطلب وعي معين تجعل النجم قادرًا على مجاراة كل التغيرات التي تحدث في صناعة السينما وأن يتمتع بقدر كبير من المرونة تجعله دائمًا في حالة من التجدد والتغيير بحيث يظل محتفظًا بمتابعة الجمهور خاصة أنه بمرور الوقت الجمهور يتغير بظهور أجيال جديدة يجب على الفنان أن يعى جيدًا كيف يخاطبهم ويضمهم لصفوف متابعيه.
المميز في مسيرة عادل إمام والذي ضمن له البقاء طويلًا على القمة هو التنوع، فعندما حقق نجاحًا كبيرًا في أفلام كوميدية مثل رجب فوق صفيح ساخن وشعبان تحت الصفر، سارع للمشاركة في أفلام درامية مثل إحنا بتوع الاتوبيس والمشبوه، وفي حالة المشبوه هو الذي طالب بأن يلعب بطولة الفيلم وقد كان خارجًا وقتها من نجاح كبير وهو الفيلم الكوميدي زوج تحت الطلب، عادل إمام أدرك مبكرًا أنه إذا قيد نفسه في نمط واحد سيكون عمره الفني قصير، لذلك قدم أعمال متنوعة مثل الغول، الهلفوت، حب في الزنزانة، الحريف وفي نفس الوقت يقدم فيلمًا كوميديًا بسيطًا مثل احترس من الخط .
وهذا شيء مثلًا لم يدركه جيل كوميديانات 98 مثل محمد هنيدي ومحمد سعد الذين احترقا سريعًا بسبب إصرارهم على اللعب في منطقة الأمان Comfort zone وتكرار ما نجحا فيه فكانت النتيجة هى انصراف الجمهور عنهم، فمحمد هنيدي رغم تحذيرات الجمهور له عندما فشلت له أفلام مثل صاحب صاحبه، ظل يقدم نفس النوعية، أما محمد سعد الذي ظل يقدم نفس الفيلم بإصرار عجيب مع توالي الإنذارات بأنه يسير في الإتجاه الخاطيء إلى أن انتهت مسيرته نهاية مأساوية لدرجة أن أفلامه أصبحت ترفع من السينمات سريعًا بعد أن كانت تحقق أعلى الايرادات.
إذا المشكلة لدى هنيدي وسعد وغالبية هذا الجيل هى الخوف من التجديد والبقاء داخل منطقة أمانهم السينمائي لأنهم اعتقدوا أن هذا ما سيضمن استمرار إقبال الجمهور عليهم لكن الجمهور بطبيعته يمل سريعًا إذا ما وجد أن النجم يقدم نفس البضاعة مرارًا وتكرارًا.
في هوليوود مثلا لدينا نموذج مثل ليوناردو دي كابريو وهو من النجوم الذين يضرب المثل بهم فى الذكاء الفني، دي كابريو بعد النجاح الساحق لفيلمه الشهير "تيتانيك" لم يركن للإستسهال ويقدم نفس الفيلم خاصة وأن النتيجة كانت ستكون مضمونة، فالجماهير حول العالم يفضلون أن يشاهدوه في هذه النوعية من الأدوار، لكنه أدرك سريعًا أن تكرار الدور هو الفشل بعينه، لذلك اتجه لتقديم أفلام مختلفة تمامًا عن "تيتانيك"، مثل فيلم "الشاطيء" مع داني بويل و"عصابات نيويورك" مع مارتن سكورسيزي وظل دي كابريو بعدها يقدم تجارب سينمائية جريئة ومختلفة جعلته الأهم في جيله قد لا يكون الأكثر موهبة لكن خياراته الفنية ضمنت له التواجد في الصفوف الأولى، فحين أن نجمًا موهوبًا مثل جوني ديب تراجعت نجوميته بشدة لأنه ظل يجسد نفس الأدوار التي يغلب عليها الأجواء القوطية الغريبة فأدى ذلك إلى فشل العديد من أفلامه وتراجع ترتيبه بين نجوم هوليود.
فى هوليود هناك وظيفة تسمى "وكيل الفنانين "AGENT الفكرة ليست مدير أعمال بالمفهوم التقليدى لدينا الذي يرتب جدول عمل النجم وينظم شئونه ولكن "الوكيل" هو الذي يساعد النجم في الاختيارات، يقترح عليه أدوار معينة، يقوم بالتسويق له، يتابع الأعمال الجديدة المزمع تصويرها ويبحث عن دورًا مناسبًا له، الوكيل هو شخص يفهم متطلبات وآليات السوق ويساعد عميله على عمل اختيارات فنية صحيحة، فعلى سبيل المثال عندما فاز آل باتشينو بجائزة الأوسكار عن فيلمه "رائحة النساء" أول من شكر في خطابه كان وكيله لأنه أصر أن يقبل هذا الدور لأنه سيكون السبب فى فوزه بالأوسكار وقد كان وكيله على صواب، الفكرة هنا أن الفنان إذا كان يفتقد لمهارة الاختيار وأساليب التسويق يحتاج شخصًا يساعده فى إدارة شئونه الفنية، وأعتقد أننا بحاجة لهذه الوظيفة في مصر لأن معظم النجوم غير مدركين لمتطلبات وآليات السوق السينمائي، كذلك اختياراتهم الفنية تقود مسيرتهم للجحيم.
الموهبة ليست كل شيء، قد يكون الممثل موهوبًا لكنه يقع في اختيارات خاطئة فيحترق سريعًا، فحين قد يكون هناك شخصًا لا يتمتع بموهبة كبيرة لكنه يمتلك من الذكاء والوعي ما يجعله يطور من نفسه ويعى نقاط الضعف لديه ويعمل على علاجها وهذا ما يضمن الاستمرارية، هناك نجوم تظهر ونجوم تختفى، لا نعرف لماذا ظهر هؤلاء ولماذا اختفى هؤلاء لكن ما نعرفه أن البقاء يكون للأذكى والأكثر اجتهادًا.