هناك بعض الأفلام في السينما المصرية كانت العملة هي محور أحداثها، ومن أشهرها فيلم سلفني 3 جنيه للنجم علي الكسار، والذي تم إنتاجه عام 1939، ثم تلاه فيلم الخمسة جنيه، إخراج السيد بدير، الذي انتج عام 1946، ودارت أحداثه حول عملة ورقية فئة الخمسة جنيه، التي أخذت تتنقل من يد شخص لآخر بحسب الطبقة الاجتماعية، واختلفت احتياجها من فئة لأخرى، ومع مرور الأعوام، ومع انخفاض قيمة العملة الورقية أراد المخرج محمد أمين إعادة إنتاج الفكرة، ولكن على نحو أكبر، حينما أصبحت ال 200 جنيه العملة الأعلى قيمة في الوقت الحالي، وجعلها المحرك الرئيسي للأحداث، وما تمثله العملة لكل شريحة من شرائح المجتمع، حيث بدأ أحداث العمل بالفئة الأكثر احتياجا لسيدة في إحدى المناطق الشعبية، والتي تضطرها ظروفها للذهاب لصرف مستحقاتها من هيئة البريد قبل موعدها بيوم نظرا لخوفها من صعوبة وسائل المواصلات، وهي شخصية إسعاد يونس حيث يعد العمل عودة قوية لها، وفضلت الظهور بدون ماكياج أو مظاهر ثراء وجاء أداؤها البسيط السهل الممتنع هو الدينامو المحرك للأحداث، والتي تكتفي بمعاش ألف ومائتي جنيه طوال الشهر، بالرغم من ذلك تجد طمع من ابنها أحمد السعدني سائق التوكتوك والذي قام بسرقة 200 جنيه من المعاش ثم توالت الأحداث بعد ذلك.
تدرجت ال 200 جنيه من الفئة المهمشة ثم الشريحة الأعلى بعض الشيء بشكل متناسق بداية من عامل محطة البنزين، مرورا بسائق الاوبر والمدرس الخصوصي، ثم الخادمة، التي تمثل لها ال 200 جنيه أجر ليوم شاق من العمل في فيلا خالد الصاوي و هو رجل ثري ومن هنا لا بد أن نتوقف بعض الشيء عند بعض التفاصيل لنرى حوار داخلي في غاية الاهمية والابداع بين خالد الصاوي المقيم في إحدى الفيلات في كمبوند لنرى مظاهر الحقد الطبقي بينه وبين الخادمة والتي تعتبر أن أي مبلغ تطلبه لا يمثل شيئا بالنسبة لهؤلاء بل على الجانب الآخر نرى خالد الصاوي يتحاور داخليا مع نفسه حيث يرى أن الخادمة لا تعاني من أية متاعب بل يرى أن الحقيقة هي العكس تماما فاحيانا تكون الطبقة البرجوازية هي الأكثر معاناة وتتحمل أعباء كثيرة مثل مصاريف المدارس والجامعات الدولية والملابس حتى تستطيع المحافظة على مستواها المعيشي بل ينظر إلى الخادمة على أنها الاكثر راحة بال و التي من الممكن أن تكيف حياتها بأي مبلغ بسيط.
و مع تواصل القصص التي تصل لثماني حكايات منفصلة تم توظيفها وسردها بشكل جيد ومتوازن لنرى اهمية المال ليس فقط بالنسبة لكل فئة بل نرى كيف تتحكم النقود في الإنسان وهي بقدر ما تعطي بقدر ما تأخذ فعلى سبيل المثال نرى أحمد رزق المدرس الخصوصي والذي يتخذ من مهنته تجارة مربحة حتي يتحول في النهاية إلى مجرد ماكينة صرف الأمر الذي يمنعه من رؤية زوجته وأولاده معظم الوقت و كذلك طارق عبدالعزيز الكاتب المدعي والذي يستغل شعبيته في برامج التوك شو للمتاجرة و التلاعب بالكلام مقابل مبالغ مالية كبيرة في حين أن طبيعته عكس كل المبادئ التي يدعيها، علي الجانب الأخر نرى أحمد السقا سائق الاوبر والذي اعطي بارقة أمل ان الحياة مازالت بخير و الذي أصر على مساعدة السباك الذي لا يعرفه وإنقاذ حياته بمبلغ القسط الشهري ليقوم بسداد أقساط سيارته.
لو قمنا بتقييم الفيلم على المستوى الفني فهو عمل جيد الصنع متماسك الأحداث لكل حكاية جانب إنساني يمس القلب ساعد على ذلك الموسيقى التصويرية والتي كانت مليئة بالشجن و ساهمت في توصيل إحساس المشاهد بمعاناة البسطاء فالعمل يعتبر عودة جيدة لا بأس بها للمخرج محمد أمين والذي اشتهرت أعماله برسائل هادفة ورؤية درامية بعيدة النظر حيث قدم فيلم ليلة سقوط بغداد والذي ألقى الضوء على أبعاد سياسية هامة وكذلك بنتين من مصر الذي عبر عن مشاعر الإحباط المصاب بها الشباب وزيادة نسبة العنوسة بالإضافة إلى أعمال أخرى مثل فبراير الأسود و لكن فيلم 200 جنيه يعتبر أقل فنيا بعض الشيء من أعماله السابقة نظرا لعدة أسباب مثل التكرار فحكاية غادة عادل الراقصة المغمورة والتي تسعى لكسب رزقها من أجل الإنفاق على أسرتها وهي تيمة تكررت في أعمال السيناريست أحمد عبدالله في كل افلامه مثل كباريه و الفرح الذي ضم كوكبة من النجوم بالإضافة إلى البعد الأخلاقي ومفهوم الحلال والحرام وأن كل من أخطأ ينال عقابه في النهاية مثل أحمد أدم صاحب العقار البخيل معدوم الضمير والانسانية حيث يلقى جزاءه علي يد مجموعة من البلطجية وتلك من سمات أفلام أحمد عبدالله فضلا عن بعض نقاط الضعف في الأداء التمثيلي لبعض النجوم حيث أخفقت منهم بعض المشاهد وعلى الجانب الآخر هناك بعض النجوم ابدعوا و تحدوا أنفسهم في أدوارهم مثل أحمد السعدني وأحمد رزق.