"بيت الروبي"... عن الهروب من واقع التكنولوجيا الهزلية

  • نقد
  • 06:24 صباحًا - 10 يوليو 2023
  • 1 صورة



"التكنوفوبيا" أو الخوف من التقنيات المتقدمة هو مصطلح ظهر في عام 1985 لغويًا، ولكنه ظهر بمفهومة الواسع قبل ذلك منذ بدايات الثورة الصناعية وسيطرة الآلات على الصناعة وكافة مجالات الحياة وحتى وقتنا هذا، ففقد الإنسان وظيفته، واقتحم منزله المذياع ثم التلفاز وأجهزة عديدة كان الهدف الأساسي منها هو تسهيل حياة الإنسان، ولكنها بمرور الوقت أوقعته في عوالم خفية وسيطرت على حياته بشكل سلبي في الكثير من الأحيان. مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي والهوس الكبير بركوب الموجة والظهور على الساحة تحولت سريعًا حياتنا إلى فيلم هزلي، الأسرار العائلية على المشاع وعديمي الموهبة على القمة، وعلى الرغم من أن السوشيال ميديا كانت ضمن العناصر التي ظهرت خصيصًا لخدمة الإنسان في التواصل والبحث والعمل في جماعات مشتركة لكافة أغراض العمل والعلم والعائلة، إلا أنها أصبحت في وقتنا هذا سلاحًا ذو حدين وفقًا للعديد من الأبحاث العلمية والتقارير الصحفية التي ركزت على التأثير السلبي والنفسي على حياة الإنسان الاجتماعية.

تدور أحداث فيلم "بيت الروبي" حول إبراهيم الروبي والذي يُجسده كريم عبدالعزيز والذي يعيش في عزلة بمنطقة بعيدة عن المدينة رفقة زوجته وطفليه، حيث سعى جاهدًا لبناء حياة هادئة بعيدًا عن سموم الإنترنت والتواصل الاجتماعي في محاولة لتوفير المناخ الآمن لعائلته من جانب، وحماية زوجته من خطأ مهني غير مقصود كان له الانعكاس الكبير من ردود أفعال واسعة على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي فوضع حياة العائلة بأكملها على المحك من جانب آخر، وهي تيمة تُشبه قليلًا فيلم "كوستا برافا، لبنان" ولكنها لا تعتبر نسخًا لأحداثها. تسير الأمور بشكل طبيعي في حياة عائلة إبراهيم حتى يظهر شقيقه إيهاب الروبي والذي لعب دوره كريم محمود عبدالعزيز رفقة زوجته ويصطحب إبراهيم وعائلته في رحلة عبر القاهرة على أمل إنهاء بعد إجراءات ميراث العائلة، وعبر صدفة بسيطة للغاية يتحول إبراهيم الروبي إلى واحد من الوجوه الشهيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويصبح سلعة تلهث خلفها العديد من المؤسسات التي تبحث عن ركوب الموجة وتحقيق الربح الأعلى حتى ولو على سبيل حياة الأشخاص وخصوصيتهم.

قدم العمل معالجة جيدة للغاية في النصف الأول من العمل لفكرة الخوف من المجتمع المكبل والمفتون بالفضائح والأزمات، أشبه بتلك المشاجرات العبثية التي نشاهدها في الشوارع ونرى كيف يصطف المواطنين حولها كالجمهور أمام شاشات السينما في انتظار المزيد من الفوضى وتصوير أكبر كم من المشاهد التي قد تكون سببًا في الشهرة، وهنا كان السبب الرئيسي لهروب إبراهيم بعيدًا عن المدينة والعيش في عالم بدائي يعتمد فقط على الصيد والزراعة. ويبزر السيناريو أيضًا مدى تأثير ذلك على الأبناء الذين يعيشون في عالم افتراضي غير حقيقي بعيدًا عن سموم الواقع، فالابن على سبيل المثال لا يُجيد التعامل مع من حوله في نفس الفئة العمرية ولا يعرف شيئًا عن العلاقات الاجتماعية، بينما الابنة تعيش في عالمها الافتراضي الآخر رفقة حشرة أشبه بالدعسوقة تتخذ منها الصديق، وعلى الرغم من كافة محاولات إبراهيم للسيطرة على زمام الأمور وحماية عائلته من الماضي والناس، يقع سريعًا في الفخ ويصبح أسيرًا في قبضة السوشيال ميديا.

سيناريو العمل امتاز في النصف الأول من الأحداث بتقديم الحبكة والشخصيات بشكل ملائم، بجانب التمهيد للرحلة التي ستخوضها العائلة في عالم أشبه بمدينة الملاهي وما بها من عبث وسرعة وضجيج، كما استطاع السيناريو توظيف بعض المواقف الكوميدية اللطيفة من خلال رحلة العائلة التي تصبح إنعكاسًا لهذا العالم المزعج، وعلى الرغم من أن النصف الثاني كان مقبولًا أيضًا، ولكنه مر سريعًا عبر سلسلة من القفزات في حياة إبراهيم وزوجته والأطفال، فلم يبرز تأثير الشهرة التي اكتسبها إبراهيم على حياته وتصرفاته وعائلته بالشكل الكافي، ويمكن تبرير ذلك على أن عالم التواصل الاجتماعي من صفاته المتأصلة هي السرعة في الأساس، فسريعًا ما يصعد الأشخاص الموهوبين والغير موهوبين إلى القمة فيلمع نجمهم، وسريعًا نجدهم يفقدون كل شيء ويسقطون إلى القاع في لمح البصر، ولكن كان من الممكن إضافة بعض الجوانب الدرامية على تلك الإنعكاسات على حياة إبراهيم وعائلته بدلًا من التناول السريع السطحي في بعض الأحيان، ولكن هذا لا ينكر حقيقة أن سيناريو العمل كًتب بعناية ليجعل المشاهد مستمتعًا بكافة فصوله دون أي ذرة ملل.

الأداءات التمثيلية في العمل كانت جذابة ومميزة خاصة ما قدمه كريم عبدالعزيز خلال أحداث العمل، والذي يبقى الممثل الوحيد في الجيل الحالي القادر على تقديم كافة الشخصيات التي يمكن تخيلها لما يمتلكه من كاريزما كبيرة وتفاني وإخلاص تمثيلي. تميزت أيضًا الأدوار النسائية في العمل من نور والتي جسدت شخصية تمر بالعديد من التحديات الدرامية على أكمل وجه، وتارا عماد والتي تُجسد شخصية موجودة بالفعل في مجتمعنا من مدمني مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضًا الشخصية التي جسدها كريم محمود عبدالعزيز كانت مميزة وهي خطوة جريئة يتخذها الممثل الشاب بالعودة للأدوار الثانية بعد بطولة ثلاثة أفلام سابقة. اختيار شخصيات الأطفال في العمل فتحت مجالًا لمعاذ جاد وأوسيندا سليمان لمستقبل سينمائي مشرق، وحتى شخصيات ضيوف الشرف كانت جيدة فيما يخص محمد عبدالرحمن وحاتم صلاح ومصطفى أبو سريع، ولم تكن الأفضل فيما يخص سارة عبدالرحمن والتي ما زلت أؤمن أنها تمتلك إمكانيات قابلة للتطور بعيدًا عن الأدوار الشرفية والقصيرة.

في تجربة جديدة في عالم الكوميديا والدراما، يعود المخرج بيتر ميمي مجددًا بعد فيلمه العائلي الأخير "شلبي، وإن كنت لا أراهن من الأساس على نجاح العمل بتواجد ميمي خلف الكاميرات لعدة أسباب، إلا أن التجربة الإخراجية للعمل كانت جيدة للغاية واستطاعت القيادة وتوظيف كافة العناصر نحو النجاح، بجانب اختيار مواقع التصوير المميزة بين المناطق النائية البعيدة في الصحراء والشوارع المزدحمة في القاهرة، وهي خطوة قد تبدو عادية ولكنها حملت إخلاصًا لفكرة العمل بعيدًا عن أجواء القصور الفخمة والمناطق والشوارع المصطنعة.

"بيت الروبي" تجربة درامية أكثر منها كوميدية، وربما هي الأفضل في مسيرة المخرج بيتر ميمي على الرغم أنه لم يستغلها بالشكل الكافي، والأفضل في أعمال كريم عبدالعزيز منذ "الفيل الأزرق" و"نادي الرجال السري"، حتى وإن كان العمل فقد بعضًا من بريقه في النصف الثاني إلا أنه تجربة جيدة في المجمل جسدت العديد من الأفكار عن حياتنا في عصر التكنولوجيا وصعوبة تطبيق فكرة اليوتيوبيا والهروب من الواقع في عالم إيقاعه أشبه بأفلام شخصية "Flash" الشهيرة، ويمكن التغاضي عن بعض العيوب الواضحة في المعالجة والنص.




تعليقات