البداية: في ثمانينيات القرن الماضي، ظهرت موجة سينمائية جديدة داخل السينما المصرية وسميت ب"أفلام المقاولات"، وهي مجموعة من الأفلام يتم إنتاجها بميزانية منخفضة وفي وقت وجيز جدا، وبمجموعة ممثلين ومخرجين من الصف الثاني وأحيانا الثالث وبأجور منخفضة، ويتم عرضها في سينمات الدرجة الثانية والثالثة رديئة المستوى ورخيصة الأسعار، ولكن الاعتماد الأكبر في توزيعها كان متمثلا في بيعها على هيئة شرائط "دي في دي" في نوادي الفيديو وبشكل أوسع في دول الخليج؛ وهو السوق الأكبر استهلاكا لتلك النوعية آنذاك، وأحيانا كان يتم توزيع تلك الشرائط قبل –وأحيانا بدون- عرض أفلامها في السينمات، ومن أبرز نجوم هذه الأفلام: سعيد صالح، يونس شلبي، سمير غانم، الشحات مبروك وغيرهم. واتجه العديد من رجال الأعمال من مختلف المجالات للاستثمار في صناعة السينما عبر بوابة أفلام المقاولات؛ طمعا في المكسب السريع منخفض التكاليف. واتسمت هذه النوعية من الأفلام بصفة مشتركة يمكن تمييزها بوضوح، ألا وهي رداءة المستوى، والتي بسببها واجهت انتقادات عنيفة دفعت عدد كبير من الفنانين الذين شاركوا في مثل هذه الأفلام للتبرؤ منها والاعتراف بأن الحوجة إلى المال هي التي دفعتهم للمشاركة فيها!
ظلت موجة هذه الأفلام مستمرة حتى نهاية التسعينات، حيث كانت السينما المصرية تلفظ أنفاسها الأخيرة وفي حالة يرثى لها بسبب قلة الإنتاج ورداءة جودة الأفلام المقدمة، حتى انتهت تلك الحقبة مع بداية ظهور جيل جديد أعاد للسينما المصرية بريقها ورونقها ورواجها من جديد، على رأسهم محمد هنيدي وعلاء ولي الدين وأشرف عبدالباقي وأحمد آدم وغيرهم، وسمي ب"جيل المضحكين الجدد"، بداية من فيلم إسماعيلية رايح جاي، مرورا بصعيدي في الجامعة الأمريكية، ويليهم عدة أفلام مثل عبود على الحدود والناظر وهمام في أمستردام وغيرها، وقدمت هذه الأفلام مجموعة كبيرة من النجوم الشباب الذين حملوا السينما المصرية على أكتافهم فيما بعد، أبرزهم: أحمد السقا، أحمد حلمي، محمد سعد، هاني رمزي، منى زكي، فتحي عبدالوهاب، طارق لطفي، كريم عبدالعزيز، محمود عبدالمغني، أحمد عيد، أحمد رزق وغيرهم.
منذ ذلك الوقت، تفجرت السينما المصرية بعدد كبير من الأفلام المتنوعة، وشهدت مرحلة جديدة وشرسة من التنافس بين هؤلاء النجوم، بداية من مطلع الألفيات حتى عام 2011 الذي شهد مرحلة مفصلية في تاريخ الدولة المصرية بسبب أحداث ثورة 25 يناير، والتي بسببها حدثت تغيرات جذرية في البلاد من جميع النواحي، وتأثر معها الإنتاج السينمائي بشكل سلبي بطبيعة الحال، حيث تراجعت غزارة وجودة الإنتاج وظهر جيل جديد على القمة وينافس نجومه نجوم جيل المضحكين الجدد وما تلاهم، أمثال: ياسمين عبدالعزيز، الثلاثي أحمد فهمي – هشام ماجد – شيكو، أحمد مكي، محمد فراج، محمد رمضان، سامح حسين، هند صبري، تامر حسني، خالد صالح، آسر يس... والقائمة تطول. مما أدى إلى تراجع وجود الجيل الأقدم في الساحة وعدم قدرته على المنافسة كما في السابق.
العودة لصناعة أفلام المقاولات: مؤخرا، مع توسع رقعة العرض في دول الخليج العربي بصورة مستمرة، وبسبب ازدياد أعداد دور العرض والإقبال الشديد عليها؛ اتجه العديد من المنتجين لصناعة أفلام سينمائية بنفس توليفة أفلام المقاولات (ميزانية منخفضة + وقت وجيز + سيناريو ضعيف + مجموعة من نجوم الصف الثاني والثالث) وتصديرها إلى دول الخليج، طمعا في المكسب السريع بسبب الإقبال الشديد عليها وبسبب فارق قيمة العملة الكبير بين عملات دول الخليج العربي والجنيه المصري، وهو أمر يغني المنتج عن الإيرادات التي سوف يحصل عليها فيلمه في السينمات المصرية، حيث أنه بعملية حسابية بسيطة جدا؛ يمكن القول بأن إيرادات 100 ألف تذكرة مباعة في دول الخليج بعملاتها القوية أفضل بكثير من إيرادات 500 ألف تذكرة بالجنيه المصري. والمفارقة الغريبة أن هذه الأفلام تفشل فشلا ذريعا على مستوى الإقبال والإيرادات عند صدورها في السينمات المصرية! على عكس ما يحدث في سينمات دول الخليج، ومن الأمثلة لهذه الأفلام:(الشنطة، رهبة، فارس، مهمة مش مهمة، سكوت شات، إتنين للإيجار، سنة أولى خطف، كارت شحن، مغامرات كوكو، مندوب مبيعات، أسود ملون، شوجر دادي، ماما حامل، خطة مازنجر...) والقائمة تطول وتطول جدا. كما أن لمنصات المشاهدة دور كبير جدا في تشجيع المنتجين لإنتاج مثل هذه الأفلام، حيث أن المنصات تبحث دائما عن محتوى جديد لعرضه بغض النظر عن مستوى جودته، حتى لو أن هذه الأفلام تصلح للمشاهدة لمرة واحدة فقط، أو حتى لا تصلح للاستخدام الآدمي مطلقا، وهو ما دفع بعض المنتجين للتعامل مع عملية الإنتاج السينمائي بمنطق "عبي وبيع"؛ طالما أن "الكلاب تنبح والقافلة تسير" دون توقف.