يمثل هذا الفيلم أهمية كبيرة فى تاريخ السينما المصرية ، فبعيدا عن كونه الوحيد تقريبا الذى ألقى ضوءا واضحا على أحداث 18 و 19 يناير و التى جاءت هنا كجزء لا يتجزأ من أحداث الفيلم و تفسير دوافع الشخصيات و تطورها و إظهار جوانب ستؤثر بدرجة كبيرة فى سير الأحداث ، مما مزج قصة إجتماعية بخلفية سياسية صريحة تنتقد أوضاع البلد و تسلط الضوء على فئة من المجتمع لم تظهر بهذا الوضوح و العمق من قبل ... بعيدا عن هذا تجد الفيلم من الناحية الفنية على مستوى عالى من الجودة فأولا تقديمه لنوع سينمائى لم يتواجد كثيرا لدينا و من الممكن إعتبار أن " محمد خان " هو الوحيد تقريبا الذى إهتم بهذا النوع بعد رائعة " يوسف شاهين " فى " باب الحديد " ، و ما أقصده هنا هو سينما الشخصيات و الصعود بها لأن تكون هى الدراما نفسها و حصر الفيلم فى شخصيتين فقط سارت بهما الأحداث طوال الفيلم خالقة تناقضات درامية و إنسانية على مستوى عالى من الخطورة تحتاج إلى تحكم هائل لإظهارها و التعبير عنها فى قالب سينمائى جذاب و مثير .... و هذا ما فعله " محمد خان " هنا.
الشخصية الأولى التى تبدأ بها الأحداث هى " منى " تلك الشابة الرومانسية الحالمة التى تهرب من مدرستها لتشاهد " عبدالحليم حافظ " فى السينما و تسجل كل حفلاته و أغنياته على شرائط كاسيت ملخصة بها ذكرياتها و تسجل بهذه الشرئط مذكراتها - كما جاء على لسانها - ، ليكون عبدالحليم بالنسبة لها مهدأ و مسكن ينسيها ما هى فيه و يحملها إلى عالم جميل فقدته منذ أن تزوجت ....... التعبير بصريا عن مثل هذه الشخصية أعتقد أنه سهلا و لا يحتاج أكثر من أداء متأنى و صورة هادئة تميل إلى الحلم ، لكن المخرج لم يكتفى بهذه التفاصيل الصغيرة بل زاد عليها تعقيدات بصرية و درامية و ساعده السيناريو على ذلك ، و تأتى تلك التعقيدات فى المقام الأول من التناقض الصارخ بين شخصيتها و شخصية زوجها - الشخصية الأخرى الرئيسية فى الأحداث - مما خلق نوعا من المقارنة لدى الجمهور و لكن تزول تلك المقارنة عندما تندمج الشخصيتان معا و تصبح كل شخصية مكملة للأخرى فضعف الأولى و قلة حيلتها كان سببا فى تفحل الشخصية الأخرى و إزدياد هوس السيطرة و القوة و النفوذ لديها
هناك مشاهد بعينها يجب أن أتوقف عندها لأنها توضح أشياء كثيرة و تلخص حالة الفيلم أولا مشهدالحفلة التنكرية و الذى يظهر فيه الجميع مرتدين أقنعة ثم يخلعونها و أخص بالذكر القناع الذى كان يرتديه رجل الأعمال و عضو مجلس الشعب ، كان قناع لمسخ حيوانى يوضح طبيعة هذه الشخصية و التى لم تظهر إلا فى هذا المشهد المهم و كانت ضمن منظومة فساد النظام و سوء استخدام السلطة و تحكم أشخاص جهلاء بمصير الوطن و الجميع حوله " يضحك و يسكت و يجامل " إلا " منى " التى تعترض و تدخل فى نقاش مع هذه الشخصية الجاهلة ما يلبث أن ينتهى هذا النقاش بإهانة لها و تجريح لكرامتها ، و بدون أن يسترد " هشام " كرامتها التى ضاعت أمام عينيه فقط لأنه ضمن هذه المنظومة الفاسدة التى أنتجت فى النهاية مسخ بشرى يعيش فى تمثيلية سخيفة وضعها لنفسه فكان هو البطل و كانت " منى " هى الضحية و المجنى عليها
مواجهته مع ذلك الكاتب الممنوع من الكتابة داخل مصر ، فالمواجهة الأولى أوضحت وجها آخر لرجال المباحث : وجه نظيف و شاب مقبل على الحياة بأفكار نظيفة يلوثها النظام الفاسد المتمثل فى الضابط " هشام " الذى يأخذ دفة الحوار من ذلك الضابط ليوجه اتهامات قذرة لذلك الكاتب و يبدو فى هذا المشهد مسيطرا مزهوا بنفسه ، بينما جاءت المواجهة الأخرى فى نهاية الأحداث و قد فقد قوته و ابتعد عن ملعبه " قسم الشرطة " ليجلس فى قهوة " ملعب ذلك الكاتب " ليواجهه بحقيقته القذرة و التى مازال ينكرها و ينتهى المشهد بأن يعطى ذلك الكاتب ظهره لهشام
شخصية هشام نفسها تستطيع تقسيمها الى ثلاث مشاهد طويلة تتأرجح فيها الشخصية بين القوة و الضعف ، و تتحول فيها الشخصية لتظهر الوجه الفاسد للنظام و تحوله إلى مسخ بشرى فى النهاية أظهره " محمد خان " فى لقطة جميلة عندما كسر المرآة و ظهرت صورته مشوهة منعكسة على الزجاج المكسور
شخصية الجارة " زيزى مصطفى " لم تكن هى و زوجها مختلفين كثيرا عن " هشام " حيث الوساطة و الوصولية و الصعود على أكتاف الناس لكن كان هناك بينهما ذلك النوع من التفاهم بين الشخصيتين و التجدد المستمر على حياتهما - تذكر فى الحوار ما قالته عن عدم تقيدها بالروتين و تغييرها لديكور الشقة من آن لآخر - ذلك التجدد الذى أفقد حياة منى و هشام تلك الرومانسية التى كانت تعيش فيها و أصاب حياتهما بالجمود و الثبات فقدت خلالها منى روحها و أحلى سنوات عمرها
جاء توظيف المخرج لأدواته الفنية هنا فى غاية الروعة بداية من ذلك المزج الجميل بين أغانى " عبدالحليم " و موسيقى " جورج كازازيان " المليئة بنعمات تستطيع أن تقول أنها نغمات عسكرية مؤكدة ذلك التناقض بين الشخصيتين و مشهد النهاية جاء واضحا جدا حيث مزج أغنية " أهواك " مع تلك النغمة و التى ما تلبث أن تسيطر هى و تختفى أغنية " أهواك " و ليس ذلك فقط بل جاءت الأغانى كسلاح فى يد " هشام " يصوبه ناحية " منى " كى يسيطر عليها .... أيضا هناك التصوير و التى تشعر بنعومته و رومانسيته فى مشاهد " منى " كتلك المشاهد بعد الزواج مباشرة عندما تخرج من غرفتها و تقبل هشام ، تجد الكاميرا هادئة و الإضاءة ناعمة توحى بجو من الصفاء و الذى ما يلبث أن تختفى تلك الحالة بمجرد انفراد " هشام " بالصورة ، أيضا إعتمد المخرج كثيرا على لقطات الكلوز أب تركز و توضع انفعالات بعينها و توحى بأكثر مما تصرح مثل مشهد النهاية الذى جاء إيقاعه هادئا ثقيلا ، و المشاهد التى يحاول " هشام " أن يبرر لمنى ما يريدها أن تصدقه و إعتماد المخرج للكلوز أب على أفواههما ليوضح طريقة الأغواء التى اتبعها هشام
تصاعد الأحداث و تسلسلها ، سيكون من الممل حقا الحديث عن روعة السيناريو و طريقة كتابة الشخصيات بمنتهى الدقة و الروعة و خلق حوار رائع و عميق جاء متماشيا مع الصورة الرهيبة التى قدمها " محمد خان " ..... و سيكون من الممل أيضا الحديث عن روعة أداء " أحمد ذكى " و " ميرفت أمين " فتستطيع و بكل سهولة أن تعتبر أداءهما هنا يحمل تقريبا نصف قوة الفيلم و الأداء الأفضل لهما على الإطلاق فكل تفصيلة صغيرة و كبيرة أظهراها بكل وضوح و صدق بدون أى مبالغة أو إدعاء
تقييمى للفيلم 10/10
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
هشام و منى و عبدالحليم ... | أحمد أبوالسعود | 8/9 | 9 يوليو 2010 |
عبقرية الاخراج و التمثيل | هشام مجدي | 7/7 | 12 اغسطس 2009 |
إنسانية زوجة رجل مهم | دعاء أبو الضياء | 1/1 | 26 ديسمبر 2011 |