بعين فنية شديدة الحساسية، استخدم المخرج هنري بركات أداة الأنثى لتكون محور الحكاية وحاملة العبء والمسؤولية في فيلمه، حيث أسند لها مصير أسرة بأكملها، فكانت فاتن حمامة في دورها البارع بشخصية عزيزة تجسيدًا حقيقيًا للمرأة القوية المنهكة التي قادها القدر لتحمل ما لا يُحتمل. يبدأ الفيلم حين يُفاجأ زوج عزيزة بالمرض، فتضطر إلى التحرك سريعًا والبحث عن لقمة العيش بأي ثمن. ومن هنا تبدأ رحلتها القاسية وسط عالم الترحيلة، حيث العمال الذين يتنقلون بين القرى والمزارع في مواسم العمل. استطاع بركات برؤيته المميزة أن يرسم هذا العالم بواقعية موجعة، مقدمًا عزيزة كإمرأة شابة، نضرة رغم ملامح الفقر التي غطت وجهها، تعاني الغربة، وتكابد المشقة من أجل أسرتها. أحد أقوى مشاهد الفيلم هو مشهد وداعها لزوجها، لحظة قصيرة لكنها مكثفة بالمشاعر، تؤسس لما سيأتي لاحقًا من أحداث أكثر قسوة. ينقلنا بعدها هنري بركات إلى محطة جديدة من محطات الألم، حيث يتجلى المشهد الأكثر صدمة وتأثيرًا في الفيلم: مشهد الاغتصاب، الذي قدمه المخرج ببراعة وبأقل قدر من الابتذال، لكنه ظل عالقًا في ذاكرة السينما، مقرونًا بتيمته الشهيرة: "جزر البطاطا كان السبب..." وتبدأ عزيزة من تلك اللحظة رحلة صمت طويلة، تحاول فيها إخفاء مصيبتها ومواجهة الألم بمفردها، دون أن تشتكي أو تنهار. ومع تصاعد الأحداث، تصل إلى لحظة المخاض، واحدة من أكثر لحظات الفيلم إنسانية، حيث جسدت فاتن حمامة آلام الولادة بانفعالات صادقة، وصلت إلى قلب المشاهد دون حاجة إلى كلمات. ورغم أن الطفل هو ابن سفاح، فإن مشاعر الأمومة تغلبت على كل شيء، وبرز الحنين الطبيعي من الأم لطفلها، في لحظات مؤثرة تؤكد أن الرابط الإنساني أقوى من أي وصمة اجتماعية. من خلال كل تلك المشاهد والرؤى، استطاع هنري بركات أن يُقدم صورة متكاملة عن المرأة — ليس فقط كعنصر درامي أو شخصية محورية، بل كرمز للصبر، والتحمل، والقدرة على مواجهة القهر دون أن تفقد إنسانيتها. وقدم لنا من خلال "عزيزة" نموذجًا للمرأة التي "بمئة رجل" — كما يُقال — بل وأكثر.
| عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
|---|---|---|---|
| تحفه ريفيه للسينما العالميه |
|
6/6 | 25 يناير 2009 |
| الحرام: عندما يتحول الصمت إلى مشهد لا يُنسى |
|
5/5 | 21 اغسطس 2011 |