حينما أقرأ اسم وحيد حامد على أي أفيش فيلم أو عمل درامي، أعتبره دعوة لا يمكنني مقاومتها للمشاهدة، فهو كاتب ترك بصمة واضحة في تاريخ السينما المصرية. من بين أعماله العديدة التي تميزت بالعمق والجرأة، يأتي فيلم "سوق المتعة" الذي أُكمل برؤية المخرج المبدع سمير سيف، ليجسد قصة مأساوية عن إذلال النفس البشرية وانتهاك إنسانيتها. تدور أحداث الفيلم حول أحمد، الذي خرج من السجن بعد قضاء فترة عقوبة ظلماً على جرم لم يرتكبه. لكن المفارقة الصادمة في القصة هي أن أحمد، رغم كل ما فقده من حرية وكرامة، أصبح يحب سجنه وسجانيه والعذاب الذي لاقاه خلف القضبان. كل الأموال التي يملكها لم تستطع أن تخرجه من ذلك السجن النفسي الذي استولى عليه. قرر أحمد أن يشتري مكانًا منعزلًا يشبه السجن، جمع فيه زملاءه المساجين السابقين، وكلف مأمور السجن الذي أُحيل على المعاش بإدارة ذلك المكان، ليعيش في هذا العزل كأنه محاصر مرة أخرى، بل ربما أكثر. وفي قلب هذا الصراع النفسي، يأتي دور الفنان الكبير محمود عبدالعزيز الذي جسد شخصية صعبة ، الرجل الذي تحول من رمز البساطة إلى شخصية تحمل عبء شديد وحزن لا نهاية له داخل سجنه الجديد الذي بناه بنفسه. أداء عبدالعزيز كان متقنًا للغاية، حيث نجح في تجسيد الصراع الداخلي بين الواجب والمشاعر الإنسانية، بين السلطة والخضوع، مما أضفى على الشخصية بعدًا إنسانيًا عميقًا. كما كان التفاعل بين أحمد والسجين بمثابة جسر ينقل المشاهد بين عالمين: عالم السجن الفعلي وعالم السجن النفسي، وهو ما ساعد في تعميق فهم المعاناة التي يعيشها البطل. بهذا العمل، يؤكد وحيد حامد من خلال شخصية أحمد أنه مريض بداء كره الحرية، وأن الحرية بالنسبة له ليست أكثر من عبء وألم. وتتجسد تلك الفكرة بقوة عندما يقرر أحمد مقابلة رئيس العصابة الذي تسبب في سجنه، رغم التحذيرات التي تؤكد أن هذه الخطوة قد تعني مقتله. وطرح أحمد السؤال الوحيد الذي يحمل كل معنى الفيلم: "لماذا جعلتني مسخًا إنسانياً بلا معنى، أكره الحرية وأستلذ العذاب والإهانة؟" هذا هو الجوهر الذي أراد وحيد حامد أن يوصله في "سوق المتعة"، فيلم لا يتحدث فقط عن السجن بمعناه المادي، بل عن السجن النفسي والروحي الذي يعانيه الإنسان عندما تُنهك إنسانيته ويُذل كيانه. وأداء النجوم، خاصة محمود عبدالعزيز وفاروق الفيشاوي، كان أحد أهم عناصر نجاح الفيلم في نقل هذه الحالة النفسية المعقدة بشكل مقنع ومؤثر.
| عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
|---|---|---|---|
| وحيد حامد وسوق المتعة: رحلة الإنسان في غياهب فقدان الحرية والإنسانية |
|
5/7 | 23 اغسطس 2011 |