الكرنك: شهادة فنية على زمن القهر

يُعتبر فيلم "الكرنك" من أكثر الأفلام العربية جرأة في تناول سلبيات مرحلة ما بعد ثورة 23 يوليو، حيث قدم نقدًا مباشرًا لفترة اتسمت بالقمع وتقييد الحريات، خاصة تجاه من يختلف في الفكر والرأي مع النظام الحاكم. ورغم أن الفيلم قوبل بانتقادات شديدة عند عرضه، بدعوى أنه يسيء إلى شخصية الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وثورة يوليو، إلا أنه نجح بالفعل في كشف أسباب غياب الحرية، ونتائج القمع السياسي، مقدمًا قصة إنسانية مؤلمة بعيون جيل كان يحلم بالتغيير. تدور أحداث الفيلم حول ثلاثة أصدقاء من طلاب كلية الطب، قرروا أن يعبروا عن آرائهم السياسية بصراحة، فكان مصيرهم الاعتقال والتعذيب على يد جهاز أمن الدولة، متمثلًا في شخصية الضابط السياسي التي جسدها ببراعة النجم كمال الشناوي. ويُعد من أكثر المشاهد قسوة وتأثيرًا في الفيلم، مشهد اغتصاب "سعاد حسني" داخل المعتقل، أمام خطيبها "نور الشريف"، في محاولة لإجبارها على الاعتراف بانتمائها لتنظيم سياسي. وما يُحسب لفيلم "الكرنك" أيضًا هو الإخراج العبقري لـ علي بدرخان، الذي استطاع أن يصنع من النص الأدبي للكاتب الكبير نجيب محفوظ عملًا سينمائيًا مكثفًا، قويًا، وذو إيقاع مشحون بالتوتر دون مبالغة أو فجاجة. اعتمد بدرخان على حركة الكاميرا البطيئة في لحظات الانكسار، والتكوينات الضيقة في مشاهد المعتقل، ليجعل المشاهد يشعر حرفيًا بالاختناق والعجز. كما أن طريقته في تصوير لحظات الصمت كانت تحمل من الألم أكثر مما يمكن أن تنقله الكلمات. ومشهد الاغتصاب تحديدًا لم يكن مجرد صدمة درامية، بل كان تميمة رمزية لواقع سياسي واجتماعي قاسٍ، أراد المخرج أن يربطها بجملة تتكرر عندما ينادي على "فرج"، أحد رموز السلطة في المعتقل كانت هذه الجملة بمثابة عقيدة الإذلال المنهجي، حيث لم يكن الهدف من الاغتصاب فقط انتزاع الاعتراف، بل كسر الإنسان داخليًا، وسحق إرادته، أمام من يحب. وهنا، تصبح مشاهد الاغتصاب – رغم قسوتها – تعبيرًا عن أقصى درجات القهر والتجريد من الكرامة، وليست فقط استعراضًا للظلم، بل لتجسيد كيف تتحول السلطة المطلقة إلى أداة لانتهاك الروح والجسد معًا. وبعيدًا عن قسوة الأحداث وواقعيتها الصادمة، كان أداء أبطال الفيلم علامة بارزة في نجاح العمل. فسعاد حسني قدمت دورها بانكسار داخلي مؤلم، ونور الشريف عبر عن حالة الرجل الذي يُسحق بصمت، أما كمال الشناوي، فقد أبدع في أداء شخصية الضابط السياسي القاسي المتجرد من المشاعر، لدرجة أن الجمهور أُعجب بقدراته التمثيلية وكره شخصيته في آنٍ واحد. في النهاية خرج الفيلم برسالة فنية وإنسانية واضحة: "لا حرية بدون ثمن، ولا استقرار مع قمع... وأن الإرهاب الفكري والتعذيب والإذلال، مرفوضون في أي زمان ومكان."

نقد آخر لفيلم الكرنك

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
الكرنك: شهادة فنية على زمن القهر دعاء أبو الضياء دعاء أبو الضياء 4/4 26 اغسطس 2011
" الكرنك : الثنائي المحفوظي البدرخاني" Eslam El Nagar Eslam El Nagar 2/3 22 ابريل 2017