"أيوب" بين رهانات التجربة وثقة الكبار: كيف نجح هاني لاشين في أولى خطواته

عند عرض فيلم "أيوب"، لم يخلُ الأمر من استغراب وتساؤل: كيف وافق الكاتب الكبير نجيب محفوظ على إسناد قصة تحمل اسمه وأفكاره إلى مخرج شاب مبتدئ مثل هاني لاشين؟ وكيف باعها لجهاز الاتحاد والتلفزيون – وهو جهة إنتاج تفتقر حينها إلى الإمكانيات الضخمة والخبرات العريقة في صناعة السينما؟ هل كان وجود النجم العالمي عمر الشريف كافيًا لطمأنة محفوظ إلى أن العمل بين أيدٍ خبيرة؟ ربما... لكن الأكيد أن العمل قد أثبت لاحقًا أن الرهان لم يكن على الأسماء فقط، بل على الموهبة والقدرة على الفهم الحقيقي للنص والتعامل معه سينمائيًا بذكاء. فالسيناريست القدير محسن زايد كان أحد أهم مفاتيح نجاح هذا العمل، حيث قدم سيناريو وحوارًا شديد الوعي، استطاع من خلاله أن يُحول أفكار محفوظ المعقدة والعميقة إلى صور درامية حية ومتحركة، تفيض بالمعنى والمغزى. يروي الفيلم قصة عبدالحميد السكري، رجل الأعمال الذي يصاب بالشلل نتيجة خسارة مالية فادحة، ويقترح عليه صديقه جلال كتابة مذكراته التي تفضح فيها كل الطرق الملتوية التي مكنته من جمع ثروته. ومع تصاعد التهديدات من الأشخاص المذكورين في المذكرات، يرفض عبدالحميد التراجع، متحديًا ثورة زوجته وابنه ومحيطه. ورغم كونه مخرجًا حديث العهد، فقد تمكن هاني لاشين من تقديم دراما اجتماعية ناضجة، وأظهر فهمًا دقيقًا للنص الذي بين يديه. استوعب ببراعة خبرة النجم عمر الشريف، ونجح في توظيفها دراميًا داخل شخصية عبدالحميد السكري، ليس فقط عبر الأداء، بل أيضًا من خلال خلق الأجواء النفسية والبصرية المناسبة لكل مشهد. لقد بذل لاشين جهدًا واضحًا في ضبط الإيقاع، وبناء المشاهد، وتحقيق توازن بين أبعاد الشخصيات، ليُخرج عملًا فنيًا راقيًا حمل اسم التلفزيون المصري، واعتُبر أولى نجاحاته الفارقة، بل وأثار ضجة كبيرة عند عرضه، نظرًا لمضمونه الجريء وأسلوبه المختلف. ومن أبرز عناصر العمل أيضًا، تألق الفنانة مديحة يسري، التي جسدت ببراعة شخصية الزوجة المتغطرسة، التي ترفض الاعتراف بواقع إفلاس زوجها وتدهور صحته النفسية والبدنية. وقدمت يسري أداءً متزنًا ومقنعًا، يظهر إخلاصها الشديد لفنها، خاصة في تعبيرها عن معاناة المرأة المتمسكة بمظاهر الوجاهة الاجتماعية، حتى وإن كانت زائفة. وتأتي شخصية الابنة، التي جسدتها آثار الحكيم، لتُكمل مشهد التوتر الأسري، خاصة مع رفض الأم ارتباط ابنتها بشاب فقير في مقتبل حياته، في إسقاط واضح على الطبقية والتناقض بين القيم والمصالح. في النهاية رغم كل الهواجس التي أحاطت بفيلم "أيوب" عند بداية تنفيذه، إلا أن العمل أثبت أن الثقة في الموهبة يمكن أن تُثمر نجاحًا يتجاوز التوقعات. وقد نجح هاني لاشين في أولى تجاربه السينمائية في إثبات أنه مخرج يمتلك أدواته، ويجيد العمل وسط الكبار، بل ويتعلم منهم، ويستفيد من وجودهم لصقل رؤيته. ومع وجود نص من محسن زايد، وأداء تمثيلي من طراز رفيع بقيادة عمر الشريف ومديحة يسري، أصبح "أيوب" عملًا لا يُنسى، يُثبت أن السينما ليست فقط لعبة خبرة، بل أيضًا رهان على الموهبة والجرأة والإيمان الحقيقي بالفن.

نقد آخر لفيلم أيوب

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
"أيوب" بين رهانات التجربة وثقة الكبار: كيف نجح هاني لاشين في أولى خطواته دعاء أبو الضياء دعاء أبو الضياء 2/2 12 سبتمبر 2011