مقطع عرضي من الحياة

للوهلة الأولى أشك في مقدرتي على الكتابة عن هذا الفيلم ، في اللحظة التالية أتأكد أنني أريد الكتابة عنه بشدة لكنه عصيَ عليها جدًا. فقط سأحاول.

تدخل الكاميرا الفيلا...

نشاهد حسين في كادر بديع، يجلس في حديقة منزله ، يولينا ظهره ونسمع صوته فلا نعلم هل يحادثنا أم يحادث نفسه. تتوالى مشاهد ربما تبدو غير مترابطة للوهلة الأولى، لكن مع تتابعها تكشف لنا برفق عن طبيعة علاقة حسين بما حوله، العالم الخارجي/ الأشخاص/ القطط. بنظرة متفحصة قليلاً ندرك أن كل هذه العناصر تتحرك من حوله، أما الشيء الوحيد الثابت والذي لا يتحرك فهو البيت، لذا نجده قد أصبح انتقائيًا للغاية فيمن يدخل ويخرج من هذا البيت.

تتجلى انتقائية حسين عندما يرفض بشدة أن تأتي أخته لتعيش معه ولو ليومين -على حد قولها- لأن الوقت غير مناسب -على حد قوله- ولما سمح لها كان ذلك بشروطه وبتكرار لا يمل لـ"إنتي قاعدة يومين وماشية يا نادرة".

اختار حسين العزلة لأنه مريض. هكذا بكل بساطة، دون أي محاولة للدفاع عن نفسه أو عن الحياة.. هكذا يهيأ لي في البداية، فهو دائمًا ما يتأرجح بين رفض الحياة والسماح لها بالتسلل إليه برفق، ربما لأنه لم يعد يحتمل صخبها وفوراتها. أما عزلته فتتجلي بعد غياب عبد الحميد مباشرة. يرتفع جرس الهاتف في البيت الخاوي - في متتالية من المشاهد الرائعة التي لم أعتدها إلا في السينما الإيرانية وممتنة لرؤيتها في فيلم مصري - فيبدو حسين غير معنيّ بكل هذا، هو فقط يريد إنهاء تسوية البيض.

هل حسين مكتئب؟ لا يبدو هذا واردًا لي طوال الفيلم؛ هو فقط شخص أدرك ما يريد في هذه المرحلة. أدرك أنه يجب أن يتخفف تمامًا من الحياة وكل التزاماتها، والأهم أنه يسعى أن يُخفف من حضوره في حياة الآخرين أيضًا، وكأن ارتباطه بهم سيثقله حتى بعد الموت.

مرة أخرى تتجلى انتقائية حسين وهو يقاوم كل ملامح الحياة البديهية التي تحاول أخته تسريبها إلى البيت المظلم، لكنه يسمح لحفيدها وفرقته بالتدرب على موسيقاهم في الفيلا. هو لم يعد مستعدًا لتقبل أي شيء يُفرض عليه.. يبدو الموت كافيًا في هذا الأمر.. وما تبقى يجب أن يعود إلى قرارٍ منه. فهو مثلاً من بادر بالاتصال بحبيبته السابقة، وهو من بادر بإبعادها من جديد بعد أن عرفت بمرضه دون إرادته.

"سيبي عجلتي".. حسين هنا يتمسك للغاية بكل ما يربطه بالماضي.. تلك الخفة التي تصيب كبار السن عندما يدركون أنهم يعيشون آخر أيامهم، فيزهدون تمامًا في ملامح الحياة الحالية ويجنحون إلى الماضي وكل علاقتهم به، كزوار كل ليلة أيضًا، والذين لا يؤنسونه فقط، لكنهم أيضًا يكشفون لنا جوانب من شخصية حسين التي نبضت بالحياة يومًا. نعرف من خلالهم حسين عازف العود، وحسين الشاب الذي لم يدخن طوال حياته، بالرغم من أنه يعلم جيدًا الحشيش الأصلي من ذلك المغشوش.

يرى حسين أيضًا ماضيه يتجسد من جديد في حياة حفيد أخته، ربما لهذا السبب سمح له بالاقتراب منه أكثر ومشاهدته حتى في أكثر حالاته ضعفًا، وهو يتقيأ بسبب تأثير الأدوية عليه.

"إنتي مقرفة يا نادرة.. حقيقي مقرفة".. طوال الفيلم سنقابل سلاطة لسان حسين، في بعض الأحيان ستكون مُضحكة للغاية -علامة خفية أخرى على الحياة المسموح بها و الحياة السابقة للمرض أيضاً - وفي بعضها الآخر ستكون غاضبة ترفض كل شيء، وبعضها ستكون لاذعة السخرية، فيتداركها ويتأسف كطفل صغير. أما عندما يخبر أخته نادرة بأنها "مقرفة" فهذه المرة ستكون مُرهَقة، وممتنة، سيتبعها حسين بـ"متمشيش"، التي علم أخيرًا أنه يجب أن ينطقها لأنه حقًا لا يُريد أن يموت وحيدًا.

لماذا وُجدت شخصية اللواء إذن؟ ربما فقط للدلالة على كل ما لايمثله حسين في هذة المرحلة من حياته. الصحة ، النشاط ، الاختلاط بالعالم والناس وفرض شخصيته على الآخرين. التضاد يقوي المعنى ويوضحه..اليس كذلك ؟. ايضا ربما لندرك ان عزلة حسين ليست ذات وجه قبيح وانها تعطيه امتياز الرفض وقتما يشاء..

سار الفيلم برتابة تليق بانتظار الموت، لكنها ليست رتابة مملة أبدًا. الحالة كلها لا تحتمل إقحام أي انعطافات درامية أو أداء صاخب، لهذا بالتأكيد لم نرَ مشهدًا في النهاية لوفاة حسين -وأحمد الله على ذلك- بل اعتمد على حوار قليل نسبيًا وجملاً مختصرة لكنها كافية. كانت الأولوية للحظات الصمت المهيبة التي تمنحنا الفرصة للاستيعاب، أما محاولات إدخال النور إلى البيت فكانت تتم على استحياء وبرفق جميل. الحدث الوحيد الذي استحق الاحتفال به كان قرار حسين بالخروج إلى الشارع أخيرًا، فجاء المشهد في "عز الشمس".

الكاميرا تخرج من الفيلا.


نقاط سريعة لا بد من ذكرها: - الفيلم مدته 108 دقيقة، وتم تصويره بالكامل في "لوكيشن" واحد وهو الفيلا، ومع ذلك لن تشعر بلحظة ملل واحدة، بل على العكس، مع انتهاء الفيلم سيتولد لديك إحساس بأن هناك أماكن لم تستكشفها بعد في تلك الفيلا المميزة. - الفيلا للمهندس أحمد نعمان، وعلى الأغلب تقع في المنيل. - السيناريو والإخراج كانا أكثر من رائعين. الإخراج كان لـ"آيتن أمين".. امرأة، مما سيعطيني سببًا كافيًا لأفسر تلك النعومة والانسيابية فى توالي الأحداث والصور داخل الفيلم. - خالد أبو النجا يستحق أوسكار؛ لم يمثل خالد شخصية رجل كبير في السن، بل تلبّس جسد أحدهم وأدى به الدور بكل إتقان. هذا ما يُسمى حقًا قراءة الشخصية .، - لبلبة أدت الدور بشكل عادي وبسيط ،كذلك أروى جودة لكن حجم الدور اعتقد انه لم يسمح لها بالكثير. الوجوه الشابة كان تمثيلها جامد بشكل ما ولم تعجبني و يؤسفني ان دورا بحجم دور الحفيد لم يؤد بشكل مميز . سناء الممرضة او عاملة الصيدلية كانت رائعة و نابضة بالحياة. - التصوير، الديكور، الإضاءة، الملابس، أماكن التصوير داخل الفيلا.. لا يوجد عنصر لم يؤدِ وظيفته بإحكام


تقييمي الشخصي 8.5/10

نقد آخر لفيلم فيلا ٦٩

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
فيلم فيلا 69 – تجربة تستحق كل الإحترام Ahmad Osama Ahmad Osama 4/4 5 يناير 2014
مقطع عرضي من الحياة مى فتحى شمس الدين مى فتحى شمس الدين 3/3 3 فبراير 2014
فيلم محترم Mohamed Salem Obada Mohamed Salem Obada 3/3 2 يناير 2014
السهل الممتنع دائما ممتع فريق العمل فريق العمل 4/4 7 يناير 2014
فيلا 69 الامل سر الحياه Mohamed Ahmed Mohamed Ahmed 0/0 18 يناير 2014
عندما تصبح أعراض المرض شيئاً جميلاً ! احمد فتحي احمد فتحي 3/3 23 يناير 2014