وسط ركام الأفلام التي إما تقول أشياء ردئية أو لا تقول شيئا على اﻹطلاق، وبعد غياب أكثر من سبع سنوات ومنذ أخر أفلامه (في شقة مصر الجديدة) يخرج (محمد خان) علينا ليصور الفتاة المصرية البسيطة بقلبها الصافي وحيويتها الدائمة، وبمجموعة من المشاهد الرائعة التي تتفتح معها العقول وتملأ القلب مع أول لقطة بالحب والدعوة للحياة؛ مؤكدا على أن هناك أمل لتحقيق أبسط الأحلام وسط الفقر والقهر الذي يعيش فيه المجتمع المصري من عشوائيات وسلبيات تنتهك تلك الأحلام، الأحلام البسيطة التي لا تتعدى طموح فتاة أكثر ما تتمناه الزواج برجل تحبه؛ ليشغل الجميع طوال مدة أحداث فيلمه الجديد (فتاة المصنع) ويخطف أنظارهم بصورة واقعية وملموسة لطبقة مهمشة من طبقات المجتمع المصري، لفتاة نالت قدر بسيط من التعليم وتعمل بأحد المصانع كغيرها من فتيات طبقتها الاجتماعية تتعلق بحب الشاب صلاح (هاني عادل) الذي يعمل ملاحظًا على الفتيات بالمصنع إلا أنه يرأها دائما أقل من مستواه الاجتماعي، ونتيجة لذلك تحدث مفارقة تضعها في قفص الاتهام.
بدأت الأحداث كما عودنا خان بمزج الأحداث بأصوات غنائية جميلة تدوب معها، فاختار صوت لم ولن ينساه كل من سمعه، صوت تستعيد معه الذكريات الجميلة، ويأخذك لأجمل اللحظات حيث اﻷمنيات الجميلة والأحلام الوردية التي تحلم بها كل فتاة، إنه صوت السندريلا (سعاد حسني) ليُضيف حس فني راقي لمجموعة مشاهد غاية في الاحساس ليترجم كل ما يدور في وجدان بطلة الفيلم ولا يلبث خان ليبدأ الأحداث بكاميرا تدور وتلف قاهرة المعز مصورة أجمل مافي الحارات الشعبية حيث اللمة وجمال المشاركة، والحكايات الجميلة، متغلغلا في حياة شخوصها ثم الانتقال روايدًا روايدًا وبطريقة سلسلة وبسيطة إلى أجواء أحد المصانع ليتناول قصة بطلته.
وعلى نفس إسلوبه المعتاد ووتيرته التي اتخذها خان في محاولة محاكاة الواقع وتقديم صورة قريبة لحد كبير لما يحدث حولنا حيث صور طريقة حديث الفتيات بالمصنع وتناولهن الطعام ومايحدث داخل غرفة تبديل ملابسهن، خاصة العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين فتيات تلك الطبقة البسيطة وما يشغل بالهن، واستخدم أدواته في إدارة طاقم العمل بدء من الملابس، والأزياء المستخدمة والكادرات الواسعة. وبالرغم من أن خان صور معظم أحداث الفيلم داخل المصنع والبيوت والغرف؛ إلا أنه حاول أن لا يشعر المشاهد بالملل والسآمة فخرج به إلى بعض المناطق والشوارع وخطف لقطة من هنا وهناك
وقد تكون قصة الفيلم غير جديدة ومستهلكة في بعض الأعمال الدرامية الأخرى إلا أن خان استطاع برؤيته وعينه أن يقدم صورة جمالية لا تخلو من أروع التذوقات الفنية ومع أن أحداث الفيلم يغلب عليها الميلودراما الشديدة إلا أن المؤلفة (وسام سليمان) حاولت بطريقة جيدة أن تدفع بحفنة من الكوميديا ببعض المشاهد لتخرج بالجمهور من حالة الكآبة التي قد تسيطر عليه، فزجت بمشاهد تفاعل الفتيات العاملات بالمصنع مع بعضهن البعض وخفة ظلهن، ومشاهد الرحلة وصورت حلمهن الوحيد في الزواج بطريقة فكاهية خفيفة، أيضا توغلت داخل عالم الفتيات وكبتهم العاطفي والجنسي. وصورت العالم الذكوري القبيح، ونظرته للفتاة بصفة عامة وكيف مع أول فرصة سانحة لسحقها لا يفوتها عليه. لتمتد تلك الصورة القبيحة إلى بنات جنسها فأصبحن قاضي وجلاد يجلدن هيام على ذنب لم تقترفه. ومن المعروف أن المؤلفة وسام سليمان قد بدأت على نفس الخط الدرامي منذ فترة واستمرت عليه فقدمت صور مختلفة للفتاة المصرية من مختلف الطبقات وكانت بدايتها بفيلم (بنات وسط البلد) عام 2005 بطولة هند صبري ومنة شلبي، واستكمالا بـ (في شقة مصر الجديدة) عام 2007، وحاولت تقديم صورة صريحة عن تفكير المجتمع المتدني عن شرف الفتاة وعن الرجولة الغائبة الزائفة التي يتخفى ورائها البعض، ولم تحاول وسام أن تقحم ثورة 25 يناير وما يحدث في المجتمع المصري حاليا كما يحدث في جميع الأعمال الفنية التي تقدم بتلك الفترة بل زجت بمشهد واحد من خلال مظاهرة بأحد الشوارع ترفع من شأن المرأة وتضعها وسط الأحداث.
وإذا تحدثنا عن الأداء التمثيلي فأول ما يلفت النظر هو اختيار ياسمين رئيس لدور الفتاة هيام والذي كان من أفضل الاختيارات على الإطلاق حيث ملامحها الأنثوية البسيطة التي إن دلت تدل على الفتاة المصرية الجميلة التي يملأ قلبها بالحيوية والشباب، لتمثل أحلام كل فتاة في مثل عمرها بنفس الشقاوة والرومانسية، فجاءت تعبيرات وجهها وانفعالاتها لترصد تلقائية تلك الفتاة، ونظرات عينها المعبرة عن حالات الحب والانكسار والخوف في بعض الأحيان. وفي أروع المشاهد الختامية بقوة الانتصار، أيضا جاءت الفنانة المبدعة (سلوى خطاب) في أبهى صورها حيث دور الأم المصرية الحنونة التي لا تقف مكتوفة الأيدي أمام حماية ابنتها بالرغم من شكها في لسولكها ووقوع ابنتها بالخطئية، وشاركهم نفس الصورة كلاُ من الفنان هاني عادل وسلوى محمد علي وبعض الوجود الجديدة التي اعتاد خان أن يقدمها في أعماله الفنية.
وجاءت نهاية الفيلم والخاتمة من أكثر المشاهد التأثيرية لتضيف فرحة وسعادة وابتسامة عريضة على وجهوه الجمهور، ومشهد رقص هيام على أنغام أم كلثوم لتفي بندرها، وكيف أنها استطاعت أن تحرر نفسها من يأسها وتعلن انتصارها حتى مع زواج من تحب بأخرى.
حاز فيلم (فتاة المصنع) على جائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما للأفلام العربية الروائية الطويلة بالدورة العاشرة لمهرجان دبي السينمائي الدولي 2013، وفازت بطلته ياسمين بجائزة أفضل ممثلة في مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة بنفس الدورة ، وشارك الفيلم بمهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوربية 2014 ولاقى استحسان جماهيري وفني غير متوقع, ويعتبر فيلم فتاة المصنع أول إنتاج روائي طويل للمنتج (محمد سمير).
قد يؤخذ على الفيلم بعض الأشياء الصغيرة التي أراها لا يعتد بها أمام كم الخطوط الإيجابية العريضة التي قدمها خان فمثلا كيف لفتاة العشوائيات أن تظل صامتة أمام كمية الاتهامات التي لمست شرفها وعذريتها دون أن تتفوه بكلمة واحدة، أيضا سقوطها من أعلى سور بلكون منزلها وكيف تحملتها حبال الغسيل دون أن تسقط بأرض الشارع، بعض المشاهد كان من الممكن الاستغناء عنها وكان الاقتصار فيها أفضل.
الفيلم يستحق أن يشاهد لما فيه من معاني وصور جمالية بسيطة.
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
فتاة المصنع .... فيلم متكامل | Mohamed Salah | 4/5 | 29 مارس 2014 |
على نفس الوتيرة الخانية يأتي فتاة المصنع | دعاء أبو الضياء | 7/8 | 12 مارس 2014 |
عبقريه خان | Amr Elsyoufi | 2/3 | 23 مارس 2014 |
. | Ganem2014 | 0/0 | 20 سبتمبر 2020 |