(أنا حرة) هو نموذج سينمائي نادر يُجسد المرأة القوية التي تؤمن بحريتها، والتي تصمد أمام المجتمع بكل جرأة وثقة، لتطرح أفكارها دون خوف أو خجل. إنه استعادة فنية راقية لمعنى "حرية المرأة المصرية"، التي سُلِبت منها عبر العصور، من خلال إشارات ودلالات واضحة على تطور فكر المجتمع وتغير مواقف الناس. تدور أحداث الفيلم خلال أربعينيات القرن الماضي، حول "أمينة" (لبنى عبدالعزيز)، الفتاة البسيطة التي تسكن مع عمتها، لكنها ترفض كل القيود المفروضة عليها فقط لأنها أنثى. تتمرد أمينة على حياتها، وتبحث عن ذاتها، حتى تلتقي بـ"عباس" (شكري سرحان)، الكاتب السياسي، الذي تتعلم منه المعنى الحقيقي للحرية، وتبدأ رحلة النضج والتطور الفكري والوجداني. القصة كتبها الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس، الذي رسم بشخصية أمينة ملامح المرأة الرومانسية، الحازمة، الطامحة، وهي صفات تناولها مرارًا في معظم مؤلفاته، لكنه هنا يعمقها في شخصية لا تكتفي بالرفض، بل تحلم، وتفهم، وتتمسك بحريتها إلى آخر الطريق. وكأن عبدالقدوس يستكمل من خلال هذه البطلة مسيرة نضال بدأها قاسم أمين، حين طالب بتحرير المرأة وتكريس حقوقها التعليمية والسياسية، ورفعتها هدى شعراوي عبر تظاهراتها ونضالها الاجتماعي. بطلة القصة، "أمينة"، ليست فقط متمردة على القيود، بل تحمل حلمًا حقيقيًا بالانطلاق، رغم كل ما يحيط بها من تضييق، مرددة عبارتها الشهيرة: "أنا حرة"، التي أصبحت بمثابة شعار لكل امرأة تبحث عن صوتها ومكانها في المجتمع. السيناريو والحوار كتبهما نجيب محفوظ والسيد بدير، ومن خلال حوار عميق وثري بالمعاني، وبأسلوب فني مصري خالص، حولا القصة إلى قضية عامة لا تزال تُناقش حتى اليوم، لتطرح تساؤلات متجددة حول مفهوم الحرية ومعناه الحقيقي. الفيلم لا يقتصر على طرح فكرة الحرية بشكلها الظاهري، بل يغوص في جوهرها، ويعرض وجهات نظر متعددة عنها، مقدمًا دروسًا وأفكارًا لا تزال قابلة للتطبيق: الحرية الفردية تقف عند حدود حرية الآخرين. الحرية ليست في السهر أو الخروج مع الأصدقاء، بل هي وعي بالمسؤولية، والتزام تجاه النفس والمجتمع. الأخلاق، لا الفوضى، هي المحرك الأول للحرية. الحرية لا تعني التمرد من أجل التمرد، بل تعني النضج وتحقيق الذات بكرامة. كما يبرز الفيلم مقارنة دقيقة بين الرجل والمرأة من خلال شخصية "علي" (حسن يوسف)، ابن عمة أمينة، الذي على الرغم من كونه شابًا، فإنه يفتقر إلى الشجاعة التي تمتلكها أمينة، ويظل خائفًا، عاجزًا عن إبداء رأيه والدفاع عنه، في حين تتمسك هي بقناعاتها بشجاعة نادرة. ولا يمكن الحديث عن الفيلم دون الإشادة برؤية المخرج الواقعي صلاح أبو سيف، الذي قدم عملًا متكاملًا، لم يكن فقط قصة عن امرأة تبحث عن الحرية، بل مرآة حقيقية للمجتمع في تلك المرحلة، وأداة تحليلية دقيقة لطباعه، وطريقة تفكيره، ونظرته للمرأة. اختار صلاح أبو سيف مجموعة من الفنانين الذين استطاعوا تحت إدارته تقديم أداءٍ عميق، في مقدمتهم لبنى عبدالعزيز، التي قدّمت واحدًا من أفضل أدوارها، بشخصية جريئة ومغامرة، مليئة بالحيوية والحضور. استخدم المخرج أيضًا تفاصيل دقيقة في الملابس والديكور والحوار ليعكس الواقع الاجتماعي والثقافي لتلك الفترة، وكيف تتجلى نظرة الناس لأنفسهم وللحرية من خلال ما يرتدون، وما يتعلمون، وكيف يعيشون. الفيلم يترك للمشاهد فرصة لطرح أسئلة عديدة: ما هي الحرية الحقيقية؟ هل للمرأة الحق الكامل في حريتها؟ أين تنتهي الحرية وتبدأ المسؤولية؟ وهل لا تزال هذه الأسئلة قائمة حتى اليوم؟ أنا حرة هو أحد الأفلام المُدرجة ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، ويُعتبر من الأعمال التي تحتوي على حوار غني ومفاهيم جريئة قد تتطلب شرحًا أو توضيحًا عند مشاهدته من قبل الأطفال دون سن 13 عامًا، لذا يُفضل أن تتم متابعته تحت إشراف شخص بالغ.
| عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
|---|---|---|---|
| رسالة لكل امرأة تبحث عن الحرية |
|
1/2 | 14 فبراير 2016 |