أراء حرة: فيلم - عفوًا أيها القانون - 1985


عفوًا أيها القانون: عندما يُجرم القانون الضحية ويبرئ الجاني

عرفت المخرجة إيناس الدغيدي منذ بداياتها بسعيها الجريء نحو القضايا المسكوت عنها، وخاصة ما يتعلق بالعلاقة بين الرجل والمرأة، والأنوثة، والإغراء، وتأثيرهما في الانحراف المجتمعي. وفيما رآها البعض متمردة على الأعراف، رأى آخرون فيها فنانة تُسلط الضوء على قضايا شائكة تتجنبها الأغلبية، خصوصًا ما يخص حقوق المرأة في مجتمع محافظ. قدمت الدغيدي العديد من الأعمال التي استكشفت تعقيدات العلاقات العاطفية والجنسية مثل: "دانتيلا" – "امرأة واحدة لا تكفي" – "كيدهن عظيم" وغيرها، لكن أجرأ أعمالها وأكثرها صراحة وتمردًا...اقرأ المزيد كان فيلم "عفوًا أيها القانون"، الذي تجاوز الإطار العاطفي إلى صميم التشريع، ليفتح ملفًا حساسًا حول التمييز القانوني في قضايا الشرف والزنا. تدور فكرة الفيلم حول المفارقة الصارخة في قانون العقوبات المصري، الذي يُجرم المرأة بصرامة في قضية الزنا، باعتبارها جناية تصل عقوبتها إلى 15 عامًا مع الأشغال الشاقة، بينما يُعامل الرجل في نفس القضية كمتهم بجنحة يُحكم عليه بالسجن شهرًا مع وقف التنفيذ. ولا تدعو الدغيدي هنا إلى المساواة المطلقة، بل إلى تحقيق العدل الحقيقي المستند إلى الشريعة الإسلامية، التي لا تُفرق في العقوبة بين الزاني والزانية، بل تجلدهما معًا. استند الفيلم إلى قصة نبيل مكاوي، وكتب السيناريو إبراهيم الموجي، وتدور أحداثه حول هدى (نجلاء فتحي)، أستاذة جامعية تتزوج من الدكتور علي الذي يعاني من عجز جنسي نتيجة عقدة نفسية. ومع دعمها له ومساندتها المستمرة، يشفى تدريجيًا، لكن الشفاء لا يُعيد إليه الوفاء، بل يُدخله في دوامة من العلاقات النسائية المتعددة. في لحظة انفجار نفسي، تكتشف هدى خيانته المتكررة، فتُطلق عليه الرصاص وتقتله. ورغم الملابسات والظروف النفسية المحيطة، يُحكم عليها بالسجن 15 عامًا، ليكون القانون – الذي لجأت إليه لتحتمي به – هو الجلاد الذي أنهى حريتها. قدمت نجلاء فتحي في هذا الفيلم واحدًا من أقوى أدوارها، حيث رسمت ملامح المرأة المثقفة، الصبورة، التي لم تكن ضحية ضعف بل ضحية قانون، جردها من إنسانيتها وتعاطفه مع جلادها. وفي المقابل، قدم فريد شوقي شخصية الأب القاسي، الذي لم يرحم حتى حفيده، وانتزع الطفل من أحضان أمه المنهكة، ليضيف وجعًا فوق وجع. لا يُمكن اختزال "عفوًا أيها القانون" في كونه فيلمًا اجتماعيًا فقط، بل هو موقف إنساني جريء من مخرجة آمنت أن دور الفن ليس التسلية فقط، بل إثارة الأسئلة، وفتح الجراح، ومناشدة الضمير العام. وهنا نجحت إيناس الدغيدي في قيادة فريق العمل بحسٍ درامي حاد، وجعلت من الفيلم صرخة احتجاج قوية ضد تشويه المرأة واتهامها الدائم في مجتمع يرى فيها دائمًا المذنبة لا الضحية.