أحمد أبوالسعود |
هشام و منى و عبدالحليم ...
يمثل هذا الفيلم أهمية كبيرة فى تاريخ السينما المصرية ، فبعيدا عن كونه الوحيد تقريبا الذى ألقى ضوءا واضحا على أحداث 18 و 19 يناير و التى جاءت هنا كجزء لا يتجزأ...اقرأ المزيد من أحداث الفيلم و تفسير دوافع الشخصيات و تطورها و إظهار جوانب ستؤثر بدرجة كبيرة فى سير الأحداث ، مما مزج قصة إجتماعية بخلفية سياسية صريحة تنتقد أوضاع البلد و تسلط الضوء على فئة من المجتمع لم تظهر بهذا الوضوح و العمق من قبل ... بعيدا عن هذا تجد الفيلم من الناحية الفنية على مستوى عالى من الجودة فأولا تقديمه لنوع سينمائى لم يتواجد كثيرا لدينا و من الممكن إعتبار أن " محمد خان " هو الوحيد تقريبا الذى إهتم بهذا النوع بعد رائعة " يوسف شاهين " فى " باب الحديد " ، و ما أقصده هنا هو سينما الشخصيات و الصعود بها لأن تكون هى الدراما نفسها و حصر الفيلم فى شخصيتين فقط سارت بهما الأحداث طوال الفيلم خالقة تناقضات درامية و إنسانية على مستوى عالى من الخطورة تحتاج إلى تحكم هائل لإظهارها و التعبير عنها فى قالب سينمائى جذاب و مثير .... و هذا ما فعله " محمد خان " هنا.
الشخصية الأولى التى تبدأ بها الأحداث هى " منى " تلك الشابة الرومانسية الحالمة التى تهرب من مدرستها لتشاهد " عبدالحليم حافظ " فى السينما و تسجل كل حفلاته و أغنياته على شرائط كاسيت ملخصة بها ذكرياتها و تسجل بهذه الشرئط مذكراتها - كما جاء على لسانها - ، ليكون عبدالحليم بالنسبة لها مهدأ و مسكن ينسيها ما هى فيه و يحملها إلى عالم جميل فقدته منذ أن تزوجت ....... التعبير بصريا عن مثل هذه الشخصية أعتقد أنه سهلا و لا يحتاج أكثر من أداء متأنى و صورة هادئة تميل إلى الحلم ، لكن المخرج لم يكتفى بهذه التفاصيل الصغيرة بل زاد عليها تعقيدات بصرية و درامية و ساعده السيناريو على ذلك ، و تأتى تلك التعقيدات فى المقام الأول من التناقض الصارخ بين شخصيتها و شخصية زوجها - الشخصية الأخرى الرئيسية فى الأحداث - مما خلق نوعا من المقارنة لدى الجمهور و لكن تزول تلك المقارنة عندما تندمج الشخصيتان معا و تصبح كل شخصية مكملة للأخرى فضعف الأولى و قلة حيلتها كان سببا فى تفحل الشخصية الأخرى و إزدياد هوس السيطرة و القوة و النفوذ لديها
هناك مشاهد بعينها يجب أن أتوقف عندها لأنها توضح أشياء كثيرة و تلخص حالة الفيلم
أولا مشهدالحفلة التنكرية و الذى يظهر فيه الجميع مرتدين أقنعة ثم يخلعونها و أخص بالذكر القناع الذى كان يرتديه رجل الأعمال و عضو مجلس الشعب ، كان قناع لمسخ حيوانى يوضح طبيعة هذه الشخصية و التى لم تظهر إلا فى هذا المشهد المهم و كانت ضمن منظومة فساد النظام و سوء استخدام السلطة و تحكم أشخاص جهلاء بمصير الوطن و الجميع حوله " يضحك و يسكت و يجامل " إلا " منى " التى تعترض و تدخل فى نقاش مع هذه الشخصية الجاهلة ما يلبث أن ينتهى هذا النقاش بإهانة لها و تجريح لكرامتها ، و بدون أن يسترد " هشام " كرامتها التى ضاعت أمام عينيه فقط لأنه ضمن هذه المنظومة الفاسدة التى أنتجت فى النهاية مسخ بشرى يعيش فى تمثيلية سخيفة وضعها لنفسه فكان هو البطل و كانت " منى " هى الضحية و المجنى عليها
مواجهته مع ذلك الكاتب الممنوع من الكتابة داخل مصر ، فالمواجهة الأولى أوضحت وجها آخر لرجال المباحث : وجه نظيف و شاب مقبل على الحياة بأفكار نظيفة يلوثها النظام الفاسد المتمثل فى الضابط " هشام " الذى يأخذ دفة الحوار من ذلك الضابط ليوجه اتهامات قذرة لذلك الكاتب و يبدو فى هذا المشهد مسيطرا مزهوا بنفسه ، بينما جاءت المواجهة الأخرى فى نهاية الأحداث و قد فقد قوته و ابتعد عن ملعبه " قسم الشرطة " ليجلس فى قهوة " ملعب ذلك الكاتب " ليواجهه بحقيقته القذرة و التى مازال ينكرها و ينتهى المشهد بأن يعطى ذلك الكاتب ظهره لهشام
شخصية هشام نفسها تستطيع تقسيمها الى ثلاث مشاهد طويلة تتأرجح فيها الشخصية بين القوة و الضعف ، و تتحول فيها الشخصية لتظهر الوجه الفاسد للنظام و تحوله إلى مسخ بشرى فى النهاية أظهره " محمد خان " فى لقطة جميلة عندما كسر المرآة و ظهرت صورته مشوهة منعكسة على الزجاج المكسور
شخصية الجارة " زيزى مصطفى " لم تكن هى و زوجها مختلفين كثيرا عن " هشام " حيث الوساطة و الوصولية و الصعود على أكتاف الناس لكن كان هناك بينهما ذلك النوع من التفاهم بين الشخصيتين و التجدد المستمر على حياتهما - تذكر فى الحوار ما قالته عن عدم تقيدها بالروتين و تغييرها لديكور الشقة من آن لآخر - ذلك التجدد الذى أفقد حياة منى و هشام تلك الرومانسية التى كانت تعيش فيها و أصاب حياتهما بالجمود و الثبات فقدت خلالها منى روحها و أحلى سنوات عمرها
جاء توظيف المخرج لأدواته الفنية هنا فى غاية الروعة بداية من ذلك المزج الجميل بين أغانى " عبدالحليم " و موسيقى " جورج كازازيان " المليئة بنعمات تستطيع أن تقول أنها نغمات عسكرية مؤكدة ذلك التناقض بين الشخصيتين و مشهد النهاية جاء واضحا جدا حيث مزج أغنية " أهواك " مع تلك النغمة و التى ما تلبث أن تسيطر هى و تختفى أغنية " أهواك " و ليس ذلك فقط بل جاءت الأغانى كسلاح فى يد " هشام " يصوبه ناحية " منى " كى يسيطر عليها .... أيضا هناك التصوير و التى تشعر بنعومته و رومانسيته فى مشاهد " منى " كتلك المشاهد بعد الزواج مباشرة عندما تخرج من غرفتها و تقبل هشام ، تجد الكاميرا هادئة و الإضاءة ناعمة توحى بجو من الصفاء و الذى ما يلبث أن تختفى تلك الحالة بمجرد انفراد " هشام " بالصورة ، أيضا إعتمد المخرج كثيرا على لقطات الكلوز أب تركز و توضع انفعالات بعينها و توحى بأكثر مما تصرح مثل مشهد النهاية الذى جاء إيقاعه هادئا ثقيلا ، و المشاهد التى يحاول " هشام " أن يبرر لمنى ما يريدها أن تصدقه و إعتماد المخرج للكلوز أب على أفواههما ليوضح طريقة الأغواء التى اتبعها هشام
تصاعد الأحداث و تسلسلها ، سيكون من الممل حقا الحديث عن روعة السيناريو و طريقة كتابة الشخصيات بمنتهى الدقة و الروعة و خلق حوار رائع و عميق جاء متماشيا مع الصورة الرهيبة التى قدمها " محمد خان " ..... و سيكون من الممل أيضا الحديث عن روعة أداء " أحمد ذكى " و " ميرفت أمين " فتستطيع و بكل سهولة أن تعتبر أداءهما هنا يحمل تقريبا نصف قوة الفيلم و الأداء الأفضل لهما على الإطلاق فكل تفصيلة صغيرة و كبيرة أظهراها بكل وضوح و صدق بدون أى مبالغة أو إدعاء
تقييمى للفيلم
10/10
|
|
|
|
هشام مجدي |
عبقرية الاخراج و التمثيل
الفيلم ملحمة سنيمائية بمعنى الكلمة ..... النجم احمد زكي يرتفع من درجة التقمص التمثيلي الى درجة التوحد التمثيلي .... الموهبة الفذة لهذا الممثل تظهر في جميع...اقرأ المزيد المشاهد الهامة في الفيلم من ثورته على جاره و انحباس صوته حين عرض عليه العمل في مزرعته اشارة الى جرح كبرياءه ثم الى نظرة الانكسار داخل فسم الشرطة حين لم يقم مأمور القسم بالأهتمام ببلاغه ضد البائع و فام باستدعاء الشاويش و ذلك عقب معرفته انه ضابط بالمعاش و يختمها بمشهد النهاية ممسكآ بالمسدس وجهه شاحبآ و عينه اليسرى منكسرة ( نصف مغلقة ) اصدق صور التعبير عن الشخصية بالغة التعقيد للضابط المدمر نفسيآ ...... محمد خان يخرج احسن افلامه عرض و تحليل سياسي للحقبة الساداتية بالغة الرقي و الموضوعية متخفية داخل احداث الفيلم .... الموسيقى التصويرية و اغاني عبد الحليم حافظ تزيد الفيلم فخامة ليتحول الي تحفة فنية .... مرفت امين في دور الزوجة المقهورة رغم شخصيتها القوية فلا تغالي في الاداء و تتمكن الامساك بخيوط الشخصية بتميز نظرآ لصعوبة التعاطي مع شخصية الضابط المعقدة فيرتبط بها المشاهد و تتمكن مع نهاية الفيلم من اقناعه ان شخصية الزوجة هي الاقوى و ليس الضابط ..... الفيلم يستحق ان يكون ضمن اهم عشرة افلام في تاريخ السينما و الاهم في الثمانينيات ...... الفيلم سيمفونية يمكن مشاهدته عشرات المرات دون ملل !!!!!ه
|
|
|
|
دعاء أبو الضياء |
إنسانية زوجة رجل مهم
من يشاهد الفيلم يكتشف وجود زوايا كثيرة قد تكون سياسية أو اجتماعية أو إنسانية بحتة ...وهذه الاخيرة هي التي ركزت عليها عند مشاهدتي للفيلم للمرة السابعة تقريبا ،...اقرأ المزيد فلم أشاهد الفيلم من زاوية ضابط البوليس الذي فقد وظيفته وعاش واقع أليم مكسور لم يكن يتصوره في يوم من الأيام ولا من زواية عرض الفيلم ﻷحداث وإسقاطات سياسية وطريقة استخدام ضباط الشرطة للقوة والقمع والقهر أثناء ممارسة عملهم بل رأيته من زاوية أخرى وهي الزاوية الشخصية حيث علاقة الضابط بزوجته سواء قبل أو بعد خروجه على المعاش ، ففيلم زوجة رجل مهم يحكي حياة ضابط الشرطة ( احمد زكي) وهو ضابط في المباحث يتزوج من الفتاة (ميرفت امين) ويصطحبها إلى القاهرة حيث شقته وهناك يحاول جيرانه التقرب إلى زوجته عقب أن يفشلوا معه في ذلك لسوء معاملته لهم, وتتوالى الاحداث بعد أن يتم فصل الضابط عقب وقوع بعض الاحداث السياسية بمصر....هنا نجد تمكن بشير الديك في أن يلفت النظر ﻷبعاد إنسانية بحته حول تلك الشخصية، وكيف لطبيعة عمله أن تكون لها التأثير الكبير على حياته الزوجية فنجد طريقة طلب يد زوجته ومقابلة والدها كأنه يقوم بتحقيقات أثناء عمله عن أحد المجرمين أو المتهمين وكيف أنه وضع خطة لمراقبة سيرها من البيت إلى الجامعة والعكس ومحاولة معرفة اصلها من خلال صحيفة سوابق لأحد من أهلها أو اقاربها وكيفية معاملةزوجته وصديقتها وجيرانها والبحث المستمر عن علاقتهم ثم سرد مجموعة من الحكايات حول علاقة الضابط بجيرانه والبائعين والبواب ....واعتقد أن بشير الديك نجح في رسم تلك العلاقات بواقعية شديدة ، ثم تأتي قوة أحمد زكي وعبقريته في تمثيل تلك الشخصية بكل مافيها من جبروت وتكبر وعجرافة لينجح المخرج محمد خان بسهولة في استغلال شراسة الشخصية ودفع أحمد لتقديم ذلك وتحويله إلى وحش يقرر أن يتخلص من زوجته وأبيها عندما قررت أن تهجره لسوء معاملته ثم ينتحر وهي نهاية منطقية جدا لتلك الشخصية المريضة رافضا الاستسلام أو الهزيمة.
|
|
|
|
محمد يعقوب |
رئيس المخابرات مخاطبا الضابط: الشكوى تتهمك بالقسوة والعنف وتعمد الإهانة والتجريح للحصول على معلومات.
عنوان الفيلم زوجة رجل مهم ولكن الحديث كله عن الرجل المهم، لا تكاد الكاميرا تلحظ غيره وإذا جاء في طريقها أحد سواه ففي سياق تستفيد منه شخصية الرجل المهم، يقدمه...اقرأ المزيد السيناريو كحالة نفسية ومهنية في أطوار متعددة، تولد الشخصية كنموذج قابل للدراسه منذ المشهد الأول للفيلم ولا يخضع الى أي تطور يذكر ثم يضع السيناريو هذا النموذج في مواقف مختلفة لترصد الكاميرا ردود أفعاله ولتنقلها من وجة نظر المخرج الى المشاهد، كل ذلك محاط بغلاف سياسي كثيف لتخفف من أجواء علم النفس المبثوثة في أرجاء الفيلم أو لتحاول أن تلغيها لترفع من قيمة المادة السينمائية المقدمة ولتعطيها مضامين سياسيه حين تشيع أجواءا مخابراتيه وقمعيه مستعرضة مشاهد تحقيقات أو مظاهرات، وسط عبارات عامة يفهم منها أن هناك بعض الإعتراضات السياسية مصحوبة ببعض الشغب.
لا يرد المخرج أن يضيع أي لحظة من لحظات الشريط السينمائي فيستغل مقدمة الفيلم التي تنزل فيها اسماء العاملين فيه بتقديم البطلة الرئيسية كفتاة رومانسية مغرمة بافلام عبد الحليم وأغانيه العاطفيه، وتظهر هذه الرومانسية على وجه البطلة بإبتسامة صغيرة ووجه مشرق توصل ما يريد المخرج بسرعة وبكلفة قليلة.ولكن المخرج يستهلك كل ما يتبقى من وقت الفيلم لصالح البطل المولود بجين عجرفة زائد عن الحدود وبشعور أناني متطرف يريد أن يمسح كل من حولة لصالح البقاء في بؤرة الإهتمام وحيدا، يمكن أن يستخدم كل الأسلحة المتاحة لصالح إشباع هذه الغريزة التي تبدو أصلية في شخصيته متعشقة في جميع خلاياه، هذه الشخصية هي هشام رجل المخابرات الغارق في مهنته حتى ركبتيه، يستخدم أسلوبه المخابراتي بشغف حتى في شؤونه الخاصة كالتحري عن زوجة المستقبل وخلق أجواء لقاءات تبدو عرضية ليتحدث اليها كما يريد، ينجح في "صيد" الزوجة ذات الشخصية الحالمة المناقضة لشخصيته الأنانية المتعالية.
يرسم الفيلم الشخصية الذكر المغرورة المهووسة بفرض هيمنتها والتمتع بوقع هذا الغرور على البيئة المجاورة، يظهر هشام شخصه المتعالي على كل من هم دونه رتبة مع إظهار نوع من الخضوع المزيف لرؤوسائه ، ولديه هدف وحيد هو الوصول الى قمة السلم الوظيفي وخلق مدى أوسع لشخصيته المحبة للسيطرة، ولكن إنهيارا غير محسوب يحدث في طريقه الى الأعلى فتتحطم الشخصية الزجاجية ببطىء وصولا الى لحظة التهشم التام، يطرد الضابط من وظيفته نتيجة أخطاء مهنية ومسلكية فيفقد المنصة التي يمارس من فوقها أمراضه النفسية وتفقد الشخصيه مكانتها ولا يبقى لها إلا الزوجه ليمارس عليها ما يريد بحكم التركيب الإجتماعي للعلاقه الزوجيه، ولكن الشخصية المريضة المحتاجه الى فضاء أوسع من فضاء المنزل تشعر بضيق عالمها وكما هو متوقع لهذا النوع من الحالات يوجه هشام المسدس الى صدره ويطلق النار، حيث يظهره الفلم وهو يتهاوى بالحركة البطيئة على أرض منزل الزوجيه.
يتكىء فيلم زوجة رجل مهم الى أحداث 16 و 17 يناير 1977 دون أن يتبناها أو يعطي رأيا صريحا فيها، كان يريد إستخدامها لتقديم تشريحة الخاص لنفسية رجل أمن، لا يدعي الفيلم أن كل رجال الأمن على هذه الشاكلة، بل يتطوع ليبرىء رجال الأمن من تهمة العنف ليلصقها برجله المهم فقط وكدليل على نظافة هذا الجهاز الحساس يتم إيقاف الضابط المسيء عن العمل، تمر هذه الرسالة التصالحية مع الأنظمة بخفة لا يكاد يشعر بها أحد لصالح تعزيز الحالة النفسية المدروسة، ويمكن التغاضي بحسن نيه عن هذه النقطة لصالح جمال الشخصيات الرئيسية و تفهمها لما تقوم به، ولصالح نظرة إخراجية غير تقليديه لرجل سايكوباتي ومن هذه النقطة بدأ أحمد زكي مشوارا مثيرا للإهتمام، وكان هذا الفيلم نقطة إنعطاف درامية نظر اليها المنتجين قبل المخرجين بإعجاب وقد حقق بعض أهداف النقاد والكثير من تطلعات الجمهور.
|
|
|
|