مجموعة من الثمار الناضجة، وُضعت في طبق واحد، لتقديم "أشهى" وجبة من الإسفاف، والدعارة، والرقص. هكذا قدم السيناريست مصطفى السبكي فيلمه "ركلام"، مزينًا إياه بمجموعة من الأغاني الهابطة، والألفاظ الخارجة، التي لا يُفهم كيف مرت مرور الكرام على أعين جهاز الرقابة، ليخرج الفيلم إلى النور تحت مسمى "سينما واقعية"، بينما هو أقرب ما يكون إلى عرض سوقي مشوه للقضايا الاجتماعية. الفيلم، الذي أخرجه علي رجب، اعتمد على تجميع أربع شخصيات نسائية تحت مظلة واحدة، في محاولة لخلق ما يشبه "الدراما الإنسانية"، لكن النتيجة...اقرأ المزيد النهائية جاءت أشبه بكولاج رديء من مشاهد متفرقة، محشوة بقدر هائل من الابتذال والتصنع والانحدار الدرامي. الفيلم يقدم أربع فتيات: شادية، ودولت، وسوزان، وشكرية — من خلفيات اجتماعية مختلفة، لكن يجمعهن القدر، أو بالأحرى قلم مصطفى السبكي، ليصبحن جميعًا "ركلام"، أي فتيات للدعارة الراقية، كما يُطلق عليهن في بعض المصطلحات السوقية. شادية (غادة عبدالرازق): فتاة عانت من تحرش زوج أمها، فتخرج للعمل، لكنها تتعرض لنظرات تنهش جسدها، وتُصور كضحية ترفض العمل كخادمة لأنها "تخاف على نفسها"، ومع ذلك تتزوج من تاجر مخدرات! وفي النهاية، تقع في نفس المستنقع الذي هربت منه. دولت (رانيا يوسف): فتاة بسيطة، من بيئة متوسطة، مخطوبة لشاب محترم، لا يسمح لنفسه حتى بإمساك يدها. ومع ذلك، وبدون تمهيد منطقي، تقبل أن تقدم نفسها لرجل مقابل المال، بإيعاز من صديقتها. أي منطق درامي يمكن أن يبرر هذا التحول؟ سوزان (فتاة أرستقراطية): تنهار بعد خسارة والدها في البورصة، وتبدأ هي وأمها (مادلين طبر) العمل في نادٍ صحي تديره الخالة، وتخوض زواجًا عرفيًا مع ثري. سقوطها مبرر بظروف اقتصادية، لكن الطرح فج وسطحي للغاية. شكرية: فتاة فقيرة يتحكم بها شقيق جاهل، توافق على الزواج من محامٍ صديق شقيقها، لتكتشف في ليلة الزفاف عجزه الجنسي... فيكون ذلك مبررًا آخر للانحدار. كل القصص، رغم إمكانية تصديق بعضها كحالات فردية، فإنها تفشل تمامًا في الإقناع داخل السياق السينمائي للفيلم. التحولات النفسية والسلوكية جاءت مفتعلة، ساذجة، وسطحية، تدفع المشاهد إلى رفضها منطقيًا وأخلاقيًا، لا التعاطف معها. وقد حاول صناع الفيلم، كما يبدو، تقديم "دراما إنسانية واقعية". لكن الفيلم أغرق نفسه في مشاهد رقص، وأغنيات هابطة، وحوارات مشحونة بالإيحاءات الجنسية والعبارات الفجة، ما يجعل من الصعب تصنيفه كعمل يحترم ذوق وعقلية المشاهد. حتى مشهد النهاية الذي حاول الإيحاء بمبدأ "الثواب والعقاب"، جاء كخاتمة مرتجلة لإرضاء الرقابة، لا كجزء عضوي من تطور الأحداث. أما أبرز ما أثار الدهشة فهو محاولة استخدام رموز فارغة لا تخدم المعنى بأي شكل. فمثلاً، وجود مشهد انتظار "القطار" لدى شادية، ومشهد "مترو الأنفاق" لدى دولت — هل هذه إسقاطات رمزية؟ أم محاولات عبثية لإضفاء عمق مزيف على سيناريو أجوف؟! أداء غادة عبدالرازق كان محط أنظار الجميع، خاصة في تقديمها مشاهد مشبعة بالإغراء والابتذال، وقد أدتها ببراعة فنية تجعل من الصعب نسيانها، لكن لا لصالح الفيلم، بل لصالح الجدل حوله. فبدلاً من أن تعزز الشخصية، تسببت تلك المشاهد في النفور والشعور بالغصة — لا بالشفقة أو التعاطف كما يفترض العمل. أما المفاجأة الحقيقية، فكانت في أداء علاء رامي لدور القوادة "ليالي"، حيث فاجأ الجميع بقدرة تمثيلية متميزة، تؤكد أن الاختيار الجريء في الأدوار يمكن أن يكشف عن طاقات فنية كامنة. في النهاية "ركلام" هو فيلم يحاول الظهور بمظهر العمل الجريء والإنساني، لكنه في الحقيقة إسقاط فج، يفتقر إلى الحد الأدنى من الاحترام للمشاهد وذكائه. الأسباب التي دُفعت بها الشخصيات إلى الرذيلة جاءت معلبة وسطحية، غير مدعومة بتطور نفسي حقيقي، فيما بدت المعالجة أقرب إلى استعراض إباحي منه إلى دراما اجتماعية ذات رسالة. فشكرًا لصناع العمل، لأنهم أثبتوا كيف يمكن لفيلم واحد أن ينجح في استفزاز الجمهور، واختبار صبره، و"فقع مرارته" في آنٍ واحد.
كان دائماً التحدي أمام أي مبدع في السينما أن يتناول "تيمة" تم إستهلاكها من قبل ويعيد تقديمها من خلال وجهة نظر جديدة، أو من زاوية مختلفة تطرح بعداً آخر لتلك "التيمة"، وهذا ما لم يفعله نهائياً صناع فيلم ركلام، الذي تعتمد قصته على رحلة السقوط لـ4 فتيات ليل، وكيف تحولن من نساء شريفات لبائعات هوى، وهي قصة سبق تقديمها عشرات المرات من قبل، إلا أن السيناريست مصطفى السبكي كاتب الفيلم قدم لنا الفكرة بسطحية مفرطة بل ومستفزة في بعض الأحيان لأنه لم يقدم مبرراً درامياً واحداً لسقوط واحدة من بطلاته. بطلته...اقرأ المزيد الأولى الشابة التي تعمل لتصرف على نفسها، والتي تشتبك مع الرجال لمجرد أنهم ينظرون لجسدها قررت بيعه في لحظة إفلاس مرت بها من قبل عشرات المرات، بطلته الثانية التي عملت كمندوبة مبيعات، باعت نفسها لمجرد إغراء المال على الرغم من مكافحتها طوال الأحداث الأولى وباعت دون أي مقاومة ، وكذلك الثالثة التي عملت راقصة، والرابعة "بنت الناس" والتي كان والدها مليونيراً والتي لم يحدد حتى كيف سقطت، وكلهن سقطن دون لحظة مقاومة مع النفس أو حتى تفكير. وكانت نقطة قوة الفيلم هي إستعراض هذا العالم السفلي دون إسفاف أو إبتذال وهو ما يحسب لصناع العمل، بينما كانت نهاية الفيلم تقليدية للغاية وتشبه "حواديت" الأطفال التي ينال فيها المجرم عقابه، فتفقد إحداهن طفلتها والأخرى خطيبها، والثالثة أكوالها، ويسجن جميعاً في النهاية، في رسالة ساذجة لا تعكس الواقع. يعيب الفيلم أيضاً إيقاعه شديد البطء وهو ما يتحمله المخرج على رجب الذي إستعرض كمية من اللقطات الفاصلة - السماء، القطار، البحر - في تكرار لم يحدث من قبل في تاريخ السينما، ولكن كانت أهم نقاط قوة الفيلم هو التألق الغير عادي للفنانة غادة عبد الرازق التي قدمت دوراً مهماً يحسب لها، بعد أن تخلصت من أدائها التلفزيوني المبالغ فيه، كذلك كانت رانيا يوسف على موعد مع حلقة جديدة من الإبداع، بينما سقطت أغلب الوجوه الجديدة التي شاركت في الفيلم في فخ التمثيل على "الكاميرا"، وهو ما يؤخذ أيضاً على مخرج العمل. فيلم "ركلام" فيلم متوسط المستوى، إستعرض قضية بالغة الحساسية دون أن يعطيها عمقاً مناسباً، وأكتفى صناعه بإتقاء شر الإبتذال، فقدموا "طبخة" مسلوقة ينقصها الكثير من الدسم والملح، وحرصوا على أن ينال كل مخطيء عقابه في موجة جديدة من سينما الوعظ الغير منطقية.