مي أمجد |
The Professor and the Madman في الجنون والمثابرة كل شيء
قد تكون خطيئة واحدة ترتكبها كافية لتقبع روحك في زنزانة مخيفة يسكنها أشباح خطاياك , كلما تظاهرت بالصمود والنسيان كلما أسرع الخوف يتسلل اليك من نوافذها فيحلو له...اقرأ المزيد تعذيبك .
ربما ستهرب حينها من كل ما أرتكبت , ستحاول ان تترك كل شئ وتدير ظهرك للماضي ستقول انك فعلتها لانك مضطر او ضعفت , ربما حقا كنت مهزوما من شئ اقوى ولكن من سيوقف مطاردة تلك الندوب والجروح التي تركتها في غيرك ؟
في الظلمة مع بداية الفيلم , حين يخفت كل شئ تعلو أنفاس متقطعة تحاول ان تخرج بصعوبة من صدر متعب, صوت سلاسل وأقدام مع موسيقى الكمان المترقبة وأضاءات خفيفة مرتعشة تنتقل مابين رجلين يسير أحداهما بخطى متعرجة.
حيث ندخل الى عالم ويليام تشيستر ماينور نقيب جراح متقاعد في الجيش الامريكي (شون بن), رجل مشوش مضطرب يعيش في عزلة.
كثيرا ماتزوره أوهام وخيالات مرتبطة بماضيه اثناء فترة الحرب الاهلية في امريكا , كلما حاول ان يجد بعض السلام أو النسيان تندفع ذكرياته نحوه بشكل مخيف وتدفعه لارتكاب جريمة أكبر حيث يقوم بقتل جورج ميريت متوهما انه ديكلان رايلي وهو أحد الجنود الذي قام بتعذيبه.
في ليلة باردة حيث يبدأ مشهد الفلاش الباك , يلتفت ويليام حوله بجنون ليتأكد انه لا احد هناك ليلحق به , ما ان يشاهد ظل جورج على الحائط حتى يتوقف ويلاحقه ليقتله معتقدا انه ديكلان رايلي ولكنه لا يستطيع ان يفعلها سوى امام زوجته واطفاله.
ذلك المشهد يعد أفضل مشاهد الفلاش باك داخل الفيلم لما يتمتع به من حيوية في جوانب كثيرة ففي الموسيقى , تأتي موسيقى الكمان لتبوح بكل الارتباك والذعر الذي يعانيه ويليام ويفقده اتزانه والتي تزيد في ملامسة مشاعرنا بحدة كلما اقتربت المطاردة من النهاية , كذلك تنوعت استخدامات الاضاءة سواء من حيث لونها او تأثيرها النفسي فمثلا الاضاءة المنبعثة من بين المباني المجاورة لمنزل جورج جاءت تميل الى الاحمر بعد مقتله وايضا قد تعمد المخرج اظهار ديكلان بملامح مخيفة من خلال الاضاءة ليعبر عن حالة ويليام الداخلية تجاهه.
وقد استطاع التصوير كذلك ان يجعلنا الا نخطئ في اعتقدنا ان ذلك الرجل اقترب من انهياره وذلك من خلال استخدام حركات كثيرة للكاميرا منها حركة الكاميرا المحمولة باليد Hand held والتي وجدت هنا لتعمق ذلك الاحساس بالتشتت وعدم الاتزان.
يتم احتجاز ويليام في مستشفى برودمور على اساس انه مجنون وليس قاتل .عند دخوله غرفته الخاصة يعيد ترتيب الاشياء بداخلها ذلك يلهيه لان روحه غير قادرة على ان تتماسك, يقترب من الارض بشكل طفولي متسائلا في نفسه هل سيعود اى شئ هل استطعت الهرب؟
انه ليس مجنونا انه ينكر ذلك دوما وتلك الرغبة المستمرة التي تلاحقه ليعيش حياة طبيعية جعلته هشا ضعيفا ينجذب الى الاشياء التي تعيده حيا غير مشوه بشكل هيستيري , لذلك نجده يرسم كثيرا لكن لوحاته ذات وجوه مرعبة فملامحها و الوانها مزعجة,
على الرغم من مشاعره العميقة التي تتخبط مابين القسوة والضعف والاحساس بالذنب والتي افقدته اتزانه الا انه لا يتردد في المحاولة من جديد ففي احد المشاهد التي يتم فيها نقل المساجين الى الغرف يقوم بانقاذ أحد الجنود اثناء سقوط سياج حديدية عليه لذلك يكتسب ثقة ومحبة حراس الغرف ويقوم احدهم باهدائه كتاب يقرأ فيه التماس من قبل جيمس موري( ميل جيبسون) وهو المسئول عن التدقيق اللغوي لقاموس اكسفورد الجديد ولكن لان مهمته قد تستغرق مابين 5-7 سنوات يلجأ الى وضع التماس في أغلب الكتب والجرائد ليساعده كل من لديه القدرة على ذلك.
فيقتنع ويليام بالمهمة ويقبل على الكتب بصورة أكبر, يحيط نفسه بمئات الكلمات ويعلقها على الجدران, ففيها أمانه وهروبه من كل المطاردات انه يعلو عن طريقها على كل خطيئة!
لذلك تتكون بين جيمس وويليام صداقة عن طريق الكلمات , هوسهما الخاص , رجل يعاد اليه اتزانه تدريجيا من خلالها ورجل اخر( جيمس موري) يحاول ان يحصل على اللقب الذي يليق به من خلال انجازه المهمة وخاصة انه ابن بائع قماش ولم يكمل تعليمه.
ربما نجح الفيلم في ابراز تلك العلاقة الناجحة التي تجمع بين جيمس وزوجته والتي يعتمد عليها ويليام كثيرا في دعمه . فزوجته أدا (جينيفير ايلي) حنونة مطمئنة على الدوام تغمر ويليام بالدفئ والاحتواء, وتتمسك بحلمه كلما أغمضت عينينه عن الامل وظن انه قد أخفق .
لذلك نجدها حازمة في ان جيمس لا يمكنه ان يستسلم وتمنع محاولة الاكاديمين في الجامعة من اخفاق عمل وجهود جيمس وويليام ولكن الفيلم يجعل في علاقة الاكاديميين بجيمس نوع من الصراع الغير مبرر من البداية فهم قد فشلوا سابقا في انجاز ذلك القاموس بأنفهسم كما انهم اقتنعوا بكفاءته في اول لقاء معهم . كذلك الاحداث القليلة للغاية المتعلقة بقصة تجميع الكلمات لا يمكن ان تنشأ أي خلاف بينهم وعلى الرغم من ذلك يحاول الفيلم ان يجعل اجتماعاتهم بها نوع من التوتر ويفشل في ان يجعل الحوار معبرا او عميقا يليق بتلك العراقة والهيبة التي تسبق اجتماعاتهم والتي يعبر عنها بصريا في لقطات متعددة.
منها انه مع بداية ذهاب جيمس الى جامعة اكسفورد يتم استخدام لقطة Aerial shot بطيئة لجامعة أكسفورد تليها لقطة اخري يكون فيها مبني الجامعة يشغل اغلب الكادر لتظهر فيها حركة الشمس التي تأتي بنورها لتزيح الظلال في دلالة على بداية تلك المعرفة القادرة على محو الظلام , مع الاعتماد على الموسيقى وخاصة التشيلو لنشعر بمكانة تلك الجامعة.
كذلك كانت مشاهد لقاءاتهم تبدأ دوما بلقطات مختلفة للجامعة وكثيرا ما تستخدم اضاءات الشموع المتوهجة الكثيفة داخل تلك المشاهد فهي بقدر ما استطاعت ان تضفي تلك الكلاسيكية المطلوبة في الفيلم ولكنها ايضا بصريا تشعرنا بذلك الوهج بأهمية كل خطوة لانشاء ذلك القاموس.
وخاصة ان المخرج تعمد الاستخدام الكثيف للقطات القريبة سواء للجوابات والكلمات والاحبار لنقترب اكثر من الكلمات وان كان بالفعل حدث ذلك . لكن لا يمكن ان تشاهد الفيلم دون ان تنزعج من حركة الكاميرا في تلك المشاهد وخاصة انها استخدمت دون ضرورة في اغلب مشاهد حتى وان اضافت بعض الواقعية و كان لها جمالها ودلالتها في بداية الفيلم لكنها تفقد تأثيرها في اغلب المشاهد خاصة العاطفية او الحزينة.
لكن الفيلم بشكل عام استطاع من خلال الديكور والموسيقى والمونتاج ان يخفف نوع ما من ازعاج حركة الكاميرا , فعن طريق المونتاج ومشاهد الفلاش باك تعرفنا على ويليام وما لديه من مشاعر متأججة ومتناقصة والتي يكسوها نوع من الهدوء الذي يختفي سريعا من ابسط الاسباب.
لذلك كان سؤالا من إليزا أرملة جورج ميريت (ناتالي دورمر) " اذا كان حبا.. فماذا اذا؟" كافيا لانهياره.
فمشاعر ويليام التي تحركت من جديد , جعلته يقع فجأة في حب اليزا , ولكن اذا كانت عقدة الذنب دوما ماتلاحقه فكيف يمكنه التكفيرعن ذنب في حق امرأة يحبها وكيف ان كان ما ارتكبه في حقها لا يمكن تعويضه؟
وعلى الرغم من ان علاقة حب التي تجمعهم تم تقديمها بشكل غير مقنع داخل الفيلم خاصة انه لم يقدم أي أحداث او مبررات لحب اليزا لذلك الرجل والتي تحمل له مشاعر اكبر من أمومتها وحبها لزوجها.
لكن لويليام أمر أخر فتلك المرأة التي يسميها بالمستحيل منحته بمغفرتها وقبولها الكثير.
الفيلم مأخوذ عن كتاب جراح كروثورن لسيمون وينشستر وهو من اخراج فرهاد سافينيا.
|
|
|
|