يعمل (جاستن كيمب) بهيئة محلفين في جرائم القتل، ويجد نفسه يومًا ما في معضلة أخلاقية كبيرة تدفعه للتأثير على هيئة المحلفين لإدانة شخص بريء.
يعمل (جاستن كيمب) بهيئة محلفين في جرائم القتل، ويجد نفسه يومًا ما في معضلة أخلاقية كبيرة تدفعه للتأثير على هيئة المحلفين لإدانة شخص بريء.
المزيد"Juror #2" – كلينت إيستوود يضع العدالة في قفص الاتهام في دراما أخلاقية متقشفة في فيلمه الجديد "Juror #2"، يعود كلينت إيستوود، المخرج والممثل المخضرم، ليطرح سؤالاً أخلاقيًا لا تُفقد صلاحيته : ما قيمة الضمير الفردي في عالم تتآكل فيه المفاهيم الأخلاقية؟ وهو سؤال يتردد صداه في معظم أعمال إيستوود، لكنه هنا يأخذ منحىً أكثر تركيزًا وتجريدًا. الفيلم، الذي يأتي في وقت قد يكون من آخر إطلالات إيستوود السينمائية (وقد بلغ 94 عامًا)، يتعامل مع قضايا العدالة والذنب والمسؤولية الشخصية من خلال قصة تبدو للوهلة...اقرأ المزيد الأولى بسيطة، لكنها تُخفي تحت سطحها تساؤلات عميقة عن هشاشة الإنسان حين يُوضع أمام خيار أخلاقي قاسٍ. القصة والسيناريو: فكرة لامعة تُخنقها المعالجات السهلة تدور أحداث الفيلم حول "جاستن" (نيكولاس هولت)، رجل عادي يجد نفسه عضوًا في هيئة محلفين تُحاكم شابًا بتهمة القتل، ليكتشف تدريجيًا أنه قد يكون المتسبب الحقيقي في الحادثة. هذه الفرضية القوية تشكل النواة الأخلاقية للفيلم، وتمنحه بعدًا وجوديًا يعكس مأزق الإنسان المعاصر أمام مسؤوليته الفردية. غير أن السيناريو، رغم جاذبية فكرته، يقع أحيانًا في فخ "الملاءمة الدرامية" بدلًا من الواقعية. تسلسل الأحداث الذي يقود جاستن إلى هيئة المحلفين، وتكشف المعلومات المحورية في توقيتات درامية مثالية، كلها عناصر تُضعف من مصداقية القصة وتُشعر المتلقي أن المعضلة الأخلاقية تُستخدم كأداة درامية أكثر من كونها تجربة نفسية حقيقية. كان من الممكن تعميق البنية القانونية والإجرائية للقضية، بما يتيح للمشاهد فهمًا أعمق لمنظومة العدالة الأمريكية، لكن الفيلم يختار القفز مباشرة إلى لبّ الصراع الأخلاقي، وهي مقاربة قد تُرضي جمهورًا يبحث عن الإيقاع السريع، لكنها تحرم الفيلم من ثقل كان ممكنًا تحقيقه. الأداء التمثيلي: نيكولاس هولت يتألق في دور داخلي ومعقد نيكولاس هولت يقدم أداءً مميزًا يُعد من بين الأفضل في مسيرته. شخصيته ليست بطلاً تقليديًا، بل رجلًا هشًا، مملوءًا بالذنب والتردد، يقف على حافة السقوط. هولت ينجح في التعبير عن هذا التمزق الداخلي من خلال أداء صامت في معظمه، يعتمد على نظرات وتعبيرات وجه محكومة، تعكس صراعًا داخليًا محتدمًا دون حاجة للإفراط في الكلمات. أما توني كوليت، فتؤدي دور المحامية "فيث" بكاريزما قوية، لكنها لا تنجو من سطحية في كتابة الشخصية. فهي تظهر غالبًا كالصورة النمطية للمرأة القوية ذات الطموح السياسي، دون تعقيد درامي كافٍ. إلا أن أداء كوليت ينجح في منح الشخصية مساحات من الشك والإنسانية. إحدى الملاحظات المهمة تكمن في ضعف كتابة الشخصيات الجانبية، لا سيما المحلفين الآخرين، الذين تم تقديمهم بشكل مبسط أو نمطي. تفتقر هذه الشخصيات إلى العمق، وتبدو أحيانًا كأدوات لدفع الحبكة بدلًا من كونها كيانات درامية مستقلة، خصوصًا حين يتم تصوير المحلفين من خلفيات إثنية معينة كمصدر للتشدد أو التطرف في الحكم، دون تحليل اجتماعي حقيقي. الإخراج: أسلوب إيستوود المحافظ... فضيلة أم قيد؟ في هذا الفيلم، يواصل إيستوود إخلاصه لأسلوبه الإخراجي المعروف: البساطة، المباشرة، وعدم التكلف البصري. الكاميرا لا تفتعل الحركة، والمونتاج متماسك وخالٍ من الزوائد. هذا الأسلوب الكلاسيكي يُناسب القصة من جهة، لأنه يمنحها طابعًا إنسانيًا خامًا، لكنه أيضًا قد يُشعر بعض المشاهدين بغياب البصمة الإخراجية "المعاصرة" أو الجرأة الفنية في الطرح. ربما يرى البعض أن هذه الصرامة الأسلوبية هي ما يُعطي الفيلم نكهته الخاصة، وهي قراءة مشروعة، لكن من جهة أخرى، كان من الممكن أن تُسهم بعض الإضافات البصرية أو الإخراجية الأكثر جرأة في تعزيز أبعاد القصة الأخلاقية والنفسية. خلاصة نقدية: دراما أخلاقية صادقة رغم عثراتها "Juror #2" ليس فيلماً عظيماً بالمعنى التقني أو الإبداعي، لكنه عمل إنساني صادق. هو فيلم للكبار، لا من حيث الفئة العمرية، بل من حيث الأسئلة التي يطرحها. لا يسعى إيستوود إلى تقديم أجوبة جاهزة، بل يضع المشاهد أمام مرآة ضميره: "ماذا كنت ستفعل لو كنت مكانه؟" الفيلم يُذكّرنا بأن السينما ليست دومًا استعراضًا بصريًا أو إثارةً لحواسنا، بل قد تكون أحيانًا وسيلة لمساءلة ذواتنا، ولو بطريقة متقشفة ومباشرة. وربما، في زمن تطغى فيه الأفلام القائمة على الامتيازات التجارية والخيال المُعاد تدويره، يأتي هذا العمل كتذكير هادئ بأن القصة البسيطة التي تُروى بإخلاص، تظل دائمًا ذات قيمة. التقييم النهائي: 7/10 فيلم أخلاقي مؤثر، بفكرة قوية وتنفيذ متواضع. يُنصح به لمن يقدّر دراما الضمير أكثر من دراما الحركة.