مع إقتراب شهر رمضان الكريم وإختتام الموسم السينمائي الحالي, تبدا شركات الانتاج والتوزيع السينمائي بحصد نجاحاتها وخسارتها والتحضير للموسم الصيفي الجديد بحلول عيد الفطر, هذه الفترة التي تعتبر من أكثر الفترات جذباُ لجمهور السينما , وخصوصا بعدما شهد الموسم الحالي هبوط ملحوظ في ايرادات معظم الافلام التي طرحت في دور العرض باستثناء القليل منها , وقد عرض في هذا الموسم الذي اعاقت نجاحه فترة الامتحانات ومباريات كأس العالم , ما يزيد عن اثني عشر فيلماً , منها أربعة أعمال كانت هي التجربة الأولي لمخرجيها وهم , فيلم هليوبوليسللمخرج أحمد عبدالله وفيلم ولد وبنت للمخرج كريم العدل وفيلم تلك الايامللمخرج أحمد غانم وأخيراً فيلم الكبار للمخرج محمد جمال العدل , أي أن الساحة السينمائية استقبلت في اقل من ثلاثة شهور أربعة مخرجين شباب قدموا أنفسهم لأول مرة للجمهور , باختلاف موضوعاتهم ومستواهم الفني الذي طبعت عليه نقص خبرات كل منهم وتخبط التجربة الاولي , الا اننا استقبلنا جيل جديد من الشباب الذي يمكنه لاحقا ثقل موهبتة بالممارسة العملية .
كما شهد الموسم ايضا مصالحة بين الادب والسينما , حيث طرح فيلمين مأخوذين في الأصل عن روايتين أدبيتين , الفيلم الاول هو عصافير النيل للمخرج مجدي احمد علي والفيلم عن رواية ل ابراهيم اصلان بنفس الاسم , حولها المخرج الي صورة سينمائية عكست روح الرواية التي بدورها قدمت معاناة المواطن المصري البسيط في الحصول علي حقه المشروع في حياة أفضل , لكنه يفشل حتي في معايشة واقعه البائس , عرض الفيلم داخل المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي العام الماضي وحصل فتحي عبد الوهاب علي جائزة أحسن ممثل عن دوره في هذا الفيلم , كما عرض الفيلم ايضا في الدورة السابقة لمهرجان دبي السينمائي , وفي المهرجان القومي الأخير للسينما المصرية ونال الموسيقار عمر خيرت جائزة احسن موسيقي تصويرية عن هذا الفيلم .
والفيلم الثاني هو تلك الايام عن رواية للأديب الراحل فتحي غانم , قدمها ابنه المخرج احمد غانم في اولي تجاربة السينمائية كمخرج , بعدما تأخر كثيراُ عن تقديم أولي تجاربه السينمائية كمخرج ومن خلال هذه التجربة , وإن حملت بعض الضعف في بناء السيناريو وتوجيه الممثلين , لكننا لا ننكر موهبة هذا المخرج, ودائماُ ما يحمل العمل الأول نقاط ضعف يمكن تداركها والاستفادة منها في الاعمال التالية .
مثل هذا الموسم ايضا بداية انفراجة جديدة نحو سوق ترويج السينما المستقلة فبعد القتال الوجودي الذي دار بين صناع السينما من المستقلين انتاجيا وفكريا عن السوق السينمائي التجاري , وبين الجهات الرقابية في مصر وسوق التوزيع السينمائي , عرض المخرج ابراهيم البطوط عمله الطويل الاول عين شمس العام الماضي كـ أول فيلم مستقل بتقنية الديجيتال يعرض تجارياُ علي الجمهور, ويواصل هذا العام المخرج احمد عبد الله بعرض فيلمه هليوبوليس وهو تجربة حرة جديدة تقف الي جنب عين شمس , وكان من المقرر ان يلحق بهم المخرج احمد رشوان بعرض فيلمه بصرة , لكن الشركة الموزعة للفيلم قررت تأجيله لموسم أخر , ورغم اختلافنا او اتفاقنا حول المستوي الفني لهذه الاعمال , الا انها تمثل نقطة انطلاق جادة لشباب يمتلكون موهبة التعبير عن ذاتهم في ظل امكانيات مادية محدودة .
كما شهد هذا الموسم ايضا عودة كل من المخرجين داوود عبدالسيد بعد غياب دام اكثر من سبعة سنوات منذ قدم فيلمه مواطن ومخبر وحرامي , ليقدم لنا رسالة فنية شديدة الخصوصية من خلال فيلمه الاخير رسائل البحر , ليضفي بعداُ خاص علي الانتاج السينمائي الذي توازي موعد عرضه مع عرض جديد هذا المخرج المحترف , ايضا عودة قوية للمخرج محمد أمين بفيلمه بنتين من مصر وهو العمل الثالث له كمخرج بعد فيلمه فيلم ثقافي و ليلة سقوط بغداد , وقد عرض الفيلمان في السوق الخاص بمصر في مهرجان كان وحصدا اعجابا كبير من الجانب الغربي .
السقا , خسارة فنية وانسحاب مبكر
رغم ارتباط اسم أحمد السقا بأفلام الاكشن الا ان فيلمه الاخير الديلر انسحب مبكراُ من هذا السباق الميت حيث لم يحقق ايرادات تغطي نصف تكاليف الفيلم , والخسارة الانتاجية لم تاتي وحدها من ضعف ايرادات الفيلم ولكنها جاءت ايضا خسارة فنية لأحمد السقا الذي تبرأ من الفيلم وكأنه وصمة عار في تاريخة الفني , فهل كان تبرئه من الفيلم لضعف ايراداته ام لمستواه الفني المتدني ام للمستوي العالمي الذي قدمه خالد النبوي وتميز من خلاله علي جميع طاقم العمل بما فيهم السقا , وهل سيظل السقا حبيس لأدوار الاكشن رغم تراجع امكانياته الجسدية والتمثيلية فيما قدمه في الفترة الاخيرة , وهل سيظل يتبرأ كثيرا مما يقدمه , أم سيعيد النظر في اختياراته .
قليل من الكوميديا , كثير من الهموم
شهد هذا الموسم ايضا عودة الممثل محمد سعد بجزء جديد لشخصية اللمبي الذي قدمها مرارا في اكثر من فيلم , حتي استنزفت بما فيه الكفاية , ورغم ذلك مازال سعد يصر علي مقاومة الفشل المتتالي الذي حققته اعماله الاخيرة و التي حملت ملامح لشخصية وحيدة وكأنها لحن شعبان عبدالرحيم الذي يصلح لكل الكلمات , في الوقت الذي مازال فيلم الفنان احمد حلمي عسل اسود متربع علي أعلي قمة ايرادات هذا الموسم , تحاول ياسمين عبدالعزيز بفيلمها الجديد الثلاثة يشتغلونها اللحاق به وتحقيق مكانة متميزة من الايرادات ومن النجاح الجماهيري والنقدي معاُ , من خلال تجربتها الجديدة التي تختلف كثيرا عما قدمته سابقاً من بطولات مطلقة , فيلم الثلاثة يشتغلونها يعتبر بداية انتقال حقيقية لياسمين عبد العزيز في سوق الكوميديا الراقية , والتي ستصبح في السنوات القادمة المنافسة الأكبر لكوميدية حلمي المتربعة منذ سنوات علي عرش ايرادات الافلام الكوميدية علي الاطلاق , ويختتم الفنان أحمد مكي هذا الموسم بفيلمه لا تراجع ولا استسلام , وهي التجربة الثالثة التي تجمع بين مكي والمخرج أحمد الجندي بعد فيلمي اتش دبور و طير انت , هذا الفيلم وان كان ينتمي لموجة افلام الافيهات الكوميدية دون وجود مضمون ومغزي حقيقي له , الا انه يحاول إخراج احمد مكي من شخصية دبور التي احترقت ايضاً مثل شخصية اللمبي في أعماله السابقة , ولا يمكن ان نعتبر الفيلم يقدم لنا كوميديا حقيقية ذات قيمة فكرية رغم كمية الضحك التي يمكن للمشاهد ان يخرج بها من صالة العرض , لكنها كوميديا اللحظة التي تنعش قلب المشاهد وتنسيه همومه للحظات قصيرة , اذا فمازال سهم الايرادات المرتفعة يتجه نحو افلام الكوميديا الثلاث التي عرضت في هذا الموسم علي حساب تراجع افلام الاكشن والافلام الدرامية او كما سماها المشاهد افلام ثقيلة الدم .