تظاهرة مهمة واستثنائية نظمها مهرجان الإسكندرية الدولي السينمائي وتم بالأمس تكريم مبدعيها.. إنهم أصحاب الأفلام المضيئة في العشر سنوات الأخيرة وهي تحديداً تواكبت مع زمن القحط السينمائي.. من خلال استفتاء أقامته جمعية كتاب ونقاد السينما التي تقيم المهرجان اختار 30 من النقاد والسينمائيين الأفلام العشرة الأهم وعندما راجعت اختياراتي مع الزميل «حامد حماد» المشرف علي تلك المسابقة اكتشفت أنني اخترت من بينها ثمانية فيلمان فقط لم يظهرا في العشرة وهما « جنة الشياطين» لأ سامة فوزي و« الناظر» ل شريف عرفة.. ولا أدعي أن رأيي كان هو الصائب إلا أنه بالتأكيد لو أن الاختيار كان يشمل 15 فيلماً فإن هذين الفيلمين ما كان من الممكن أن تتجاوز عنها اختيارات الزملاء.. لو تتبعت ببعض الدقة هذه الأفلام سوف تكتشف أن « داوود عبد السيد» له فيلمان « أرض الخوف» و« مواطن ومخبر وحرامي» و يسري نصر الله له فيلمان « جنينة الأسماك» و« احكي يا شهرزاد».. تجد أيضاً في هذا الاستفتاء أن القائمة تشمل ستة أفلام لمخرجين ينتمون إلي جيل الثمانينيات والتسعينيات، وبالإضافة إلي «داود» و«يسري» لدينا محمد خان « في شقة مصر الجديدة»، أسامة فوزي « بحب السيما» بينما الأربعة الآخرون يعبرون عن الألفية الثالثة.. كاملة أبو ذكري « واحد صفر».. عاطف حتاتة « الأبواب المغلقة».. هاني خليفة « سهر الليالي».. مروان حامد « عمارة يعقوبيان»!!الثلاثة «حتاتة» و«خليفة» و«مروان» كانت هذه هي تجاربهم الأولي.. الغريب أن أول اسمين لم يستطع أي منهما تقديم مشروعه الثاني.. «حتاتة» مثلاً فيلمه نجح فنياً لكنه لم يحقق نجاحاً تجارياً، ومن هنا من الممكن أن أتفهم إحجام شركات الإنتاج عن التعامل معه لأنها يعنيها فقط المخرج الذي يحقق أعلي الإيرادات ولكني لا أستوعب
كيف غاب «هاني خليفة» 7 سنوات برغم النجاح التجاري لفيلمه؟!
الأفلام العشرة ـ باستثناء «سهر الليالي» و«يعقوبيان» ـ لم تحقق إيرادات واضحة في دور العرض ولكنها حتي علي المستوي التجاري المباشر وبمقياس الربح والخسارة بالتأكيد لم تخسر!!
قيمة هذه الأفلام أنها استطاعت أن توجد في ظل ذروة انتشار قانون كان يسيطر علي الجميع وهو سينما الضحك والإيفيهات، ولكن فنانيها قاوموا وقدموا أنفسهم فأضاءوا السينما المصرية بهذه الأفلام العشرة!!
قاهر الخوف في أرض الخوف في فيلم «أرض الخوف» قدم «داود» درجة نضج عالية في التعبير السينمائي عن الإنسان والحرية والخوف من العقاب القانوني أو الاجتماعي أو الديني.
من الممكن قراءة الفيلم بمنظار أحادي مباشر يعكس فكر أجهزة الدولة من خلال وزارة الداخلية وهي تزرع الضابط الذي يؤدي دوره أحمد زكي داخل عصابات المخدرات من أجل أن تكشف تفاصيل ما يجري في كواليس هذه العصابات من تهريب وقتل وصراعات داخلية وذلك حتي نقضي علي بذور هذه الصفقات قبل أن تستفحل وتصبح خطراً يهدد أمن المجتمع المصري.
هكذا تبدو الحكاية علي السطح أشبه بالعديد من الأفلام الأجنبية والمصرية التي شاهدنا الكثير منها علي مدي سنوات متعددة - هي عمر السينما نفسها - حيث لا يوجد جديد إلا عندما يتفوق مخرج في تقديم مشهد مطاردة علي مستوي تقني مرتفع أو يفشل آخر في الوصول إلي نفس المستوي..
ويظل أن هناك إحساساً بأن هذه الأفلام الاستهلاكية قد تعجب الجمهور وتحقق إيرادات ولكن بعد أن تشاهدها تفقد ما بينك وبينها من تواصل.
أما في «أرض الخوف» فإن داود يطرح تساؤلاً عن التزام الإنسان..
هل هو مجرد موقف يحاط بقدر كبير من الخوف؟
أم أن بداخل الإنسان دائماً قيماً ومثلاً تحميه من السقوط وتبعد عنه شبح الوقوع في الرذيلة؟
إن المعادلة التي طرحها داود هي أن بطل الفيلم والذي أطلق عليه اسم «آدم» يحصل علي وثيقة من أجهزة الدولة تحميه من أي عقاب قانوني طوال حياته وأيضاً كل أمواله التي يحصل عليها تظل ملكاً له ولورثته من بعده..
ولأن المهمة خطيرة فإنه سوف يمارس نفس المهام الإجرامية التي يرتكبها أفراد العصابات التي يتعامل معها من اتجار في المخدرات وقتل ونهب وضرب..
إلا أنه في اللحظة الأخيرة يشعر بالأمان المطلق فلا أحد يستطيع أن يقترب منه لأن الدولة تحميه.
السؤال الذي يطرح نفسه بصوت هامس أحياناً وبصوت عال في أغلب الأحيان - ولهذا لجأ داود إلي أسلوب السرد - كان السؤال هو هل يستمتع البطل بممارسة كل هذا الإجرام؟
وهل ينبع هذا العنف من داخله بشكل عفوي أم تراه يؤدي دوراً مفروضاً عليه لكنه في داخله لا يريد كل ذلك ويرفضه؟!
إن السؤال لا يتردد فقط داخل أحمد زكي لكنه ينتقل إلي الجمهور ونجد أنفسنا مع أحداث الفيلم نسأل هل نحن دائماً نترفع عن فعل الشر لأنه يتعارض مع قيم داخلية تمنعنا من ارتكابه أم أننا نخشي العقاب؟
كان أحمد زكي في هذا الدور في حالة إبداعية خاصة.. وذلك لأن موهبته الفنية تشتعل عندما يتوافق مع الدور الذي يؤديه لذلك توهج إبداعياً مع دوره في «أرض الخوف» لقدرته علي أن يتعايش مع تفاصيل شخصية «يحيي أبو دبورة»..
وكذلك لهذا التناقض والمسافة بين أبي دبورة الشخصية التي ينتحلها وشخصيته الحقيقية في الفيلم «يحيي المنقباوي» حيث أدرك هذا التناقض وكان لديه ميزان دقيق يساعده علي أن يحدد التناقض والتوافق بين الشخصيتين.
في الإطار ذاته قدم عبد الرحمن أبو زهرة دوراً سوف يظل طويلاً محسوباً له في تاريخ السينما برغم المشاهد الأربعة فقط التي أداها في الفيلم أما الوجه الجديد «فرح» فقد وضعها داود علي بداية طريق النجومية وعليها أن تكمل الباقي.
«أرض الخوف» فيلم جريء بكل المقاييس..
جرأة إبداعية وفكرية وسياسية!!الأبواب المغلقة من حرب الخليج إلي صناعة التطرف!عندما يعيش الوطن لحظة تحدي يكثر المتاجرون بقضاياه المصيرية.. وعندما أطل الإرهاب والتطرف الديني برأسه كان مجالاً خصباً للمراهنة واللعب علي كل الأحبال وتعددت المواقف.. هناك من وقف ينتظر يحرك قدماً ويؤخر قدماً ومن قرر أن يتاجر بالدين ومن تاجر بمن يتاجرون بالدين!!لعبت السينما دوراً في هذا المجال وكم شاهدنا من أفلام تتكئ علي ظاهرة التطرف والعنف باسم الدين، فكانت فرصة للعبث حيث لا تتجاوز الشخصيات مجموعة الكليشيهات المتعارف عليها..
أمير جماعة ذو لحية طويلة ونظرات قاسية وأتباع يتكاثرون حوله وحديث عن اغتيالات وأسلحة وأموال توزع هنا وهناك، ثم توبة نصوح من بطل أو بطلة الفيلم!!
لم نشعر بأن هذه الجماعات هي امتداد للفساد في المجتمع وأن بذورها تنبت في أرض مهيأة للإخصاب والتكاثر!! لهذا بعد أن شاهدت فيلم «الأبواب المغلقة» للكاتب والمخرج الشاب « عاطف حتاتة» شعرت أننا أمام حالة من النضج الفكري ومحاولة التأصيل الحقيقي تخاصم كل ما هو شائع ومتداول وتسعي لأن تكون نفسها ولا تدعي الجرأة هي فقط لا تعرف المواربة!!حاول «حتاتة» أن يقترب من حالة انفصام الشخصية المصرية التي تقول عكس ما تبطن..
حاول أن يمنح فيلمه انفصاماً أبعد إنه انفصام الشخصية العربية ولهذا ليس عبثاً اختيار عام 90 ومع بداية الغزو العراقي للكويت نقطة انطلاق الفيلم..
إنه انفصام عربي حيث تجد مصرياً علي جبهة العراق يقتل أخاه المصري علي جبهة الكويت..
وعربي يشهر السلاح في وجه أخيه العربي؟!
ورغم صخب الموقف وسخونة أحداثه فإن المخرج لا يريد من مشاهديه أن يعيشوا لحظات دموية وعنف يريد الاحتفاظ بحياده وحيادهم..
اللقطات الأولي للفيلم لأحد الأحياء الشعبية ونصعد إلي سطح أحد البيوت القديمة لنعيش مع بطلة الفيلم « سوسن بدر» المطلقة ومعها ابنها طالب الثانوي «أحمد عزمي» وجارتهما العاهرة « منال عفيفي» التي تلتقط رزقها من بقايا الرجال الفقراء..
ثم المدرس « محمود حميدة» إنه حطام رجل عاش قصة حب مجهضة وامتدت به الأيام ليعيش علي ما يحصل عليه من أجر الدروس الخصوصية لطلبة تنطق ملابسهم وعيونهم بالفقر والعوز..
حالة الصدق تمتد إلي أسرة أخري « سيف عبد الرحمن» وزوجته « سلوي محمد علي» التي تعمل بطلة الفيلم خادمة لديها هذه الأسرة تقف علي عتبة الثراء لكنه يبدو هو الثراء بعينه في عيون طالب الثانوي ابن الخادمة ولهذا يقدم المخرج لقطة موحية عندما يأتي الشاب لزيارة أمه فتقدم الكاميرا لقطة بانورامية تتأمل من خلال عيون الشاب أدوات المطبخ التي يستوقفه بريقها وثراؤها لمحة اقتنصها المخرج!!
حرص المخرج علي أن يبتعد تماماً عن تلك الصورة الذهنية التي رسخها الإعلام والعديد من الأفلام لشخصية أمير الجماعة المتجهم..
إننا أمام شخصية أكثر خطورة تحاول أن تصل للناس بهدوء وتستميلهم بتلبية احتياجاتهم ولهذا يسقط المراهقون والشباب طواعية داخل تلك الدائرة..
ويتحول الإسلام إلي وطن وليس عقيدة ولهذا فإنه يقدم جندياً عائداً من العراق يضع ملابسه في النيران ويقول إن معركته الحقيقة هي ضد كل ما هو غير مسلم.. ونري التهديدات التي يتلقاها هؤلاء البسطاء ولهذا تسارع العاهرة بارتداء الحجاب لكنها لا تتوقف عن ممارسة البغاء بينما « سوسن بدر» ترفض الانصياع رغم التلويح باستخدام ماء النار.. في المشاهد الأخيرة يكتشف الطالب المراهق علاقة أمه بالمدرس ويفاجئهما من السلم الخلفي.. إن باب الشقة لا يزال مغلقاً لكنه يصعد من نافذة جانبية ليطعن المدرس ويقتل الأم ونستمع إلي طرقات الجيران التي لا تنتهي علي الأبواب المغلقة!!«الأبواب المغلقة» لعاطف حتاتة أحد الأفلام القليلة العميقة في رؤيتها.. إنه فيلم ينطق بالروح المصرية وبأننا أمام مخرج يشتعل فكره صدقاً!! طرقات الجيران علي الأبواب المغلقة هي نهاية أحداث الفيلم.. فهل أيقظتنا حتي نفتح أبواب أفكارنا أو علي أقل تقدير نواربها؟!المواطن «داود» يرفع الراية البيضاء للحرامي «شعبان»!ذابت الفروق بين اللصوص والشرفاء وانهارت قوة القانون أمام قانون القوة والصراع الذي كان حتمياً في الماضي بين الحق والظلم، بين الجمال والقبح، بين النغم والنشاز.. تحول مع مرور الزمن إلي تعايش سلمي يأخذ الحق الظلم بالأحضان ويتغزل الجمال في مفاتن القبح ويقول النغم للنشاز «الله.. الله»!!ربما كانت رؤية المخرج «داود عبد السيد» في فيلمه « مواطن ومخبر وحرامي» شديدة الاستسلام للواقع القاسي الذي نحياه وكأنه يقول لا داعي للمقاومة.. إما الخضوع المطلق أو الطوفان الذي ينهي الحياة!!تأمل «داود» الواقع المصري واستطاع أن يحيله إلي ثلاث قوي تبدو متعارضة وهي المواطن الذي يمثل الشعب بكل طبقاته.. لكن «داود» سلط الأضواء علي المثقف واختار من السلطة أصغر من يمثلها ويعبر عنها وهو المخبر.. ثم الحرامي وهو الخارج علي القانون.واختار «داود» مكان المعركة في بيت قديم متهالك لكنه يتشبث بالماضي العتيد وكأنه الوطن الذي يحمل الكثير من القيم النبيلة.. لكن الزمن جار عليه واللصوص عبثوا به والمواطنون رفعوا أياديهم واستسلموا!!
المخبر الذي يؤدي دوره « صلاح عبد الله» لا ينتظر أن يأذن له المواطن « خالد أبو النجا» بالدخول إنه يلتقي به صدفة أمام أحد أقسام الشرطة وعلي الفور يدخل إلي بيته ويصبح جزءاً من عالمه هو الذي يقدم له الخادمة التي أدت دورها الوجه الجديد وقتها «هند صبري» ونري المواطن «خالد» يسمح للمخبر «صلاح» بأن يحصل علي مساحات من الاقتراب ولا يملك أن يضع أمامه حدوداً والمخبر علي الجانب الآخر لا يكتفي بالمقابل المادي إنه يريد السيطرة علي المثقف الذي يمارس تأليف القصص.. يدخل الحرامي الذي يؤدي دوره « شعبان عبد الرحيم» طرفاً في هذه اللعبة.. إنه الحرامي والمسئول أيضاً عن ثقافة المجتمع يمثل إرادة الناس والعرف الاجتماعي الذي يعلو في أحيان كثيرة علي سلطة الدولة.. إنها القيم الاجتماعية الثابتة والتي تواجه دائماً المبدعين وعلاقته وينفذ قانونها المخبر الذي يعبر عن السلطة والمثقف الذي يلعب دور المواطن.. ولهذا فإن «شعبان عبد الرحيم» ليس «حرامي» يسطو علي المنازل ليأخذ مجوهرات أو نقود.. إنما يمارس سلطة المجتمع في الرقابة علي الإبداع لا يغفل السيناريو عنف السلطة تجاه البسطاء عندما يعذب «صلاح عبد الله» الخادمة «هند صبري» للحصول علي اعترافها بالسرقة بينما يكتفي المواطن بنظرات الشفقة علي ما يحدث.. ويقدم أيضاً «داود» العجز الذي تعانيه السلطة وذلك في علاقة «صلاح عبد الله» مع زوجته حيث إنه لم يستطع أن يكمل معها اللقاء. ثم يكتشف الثلاثة المواطن والمخبر والحرامي أن الصراع بات مستحيلاً وتتشابك مصالحهم لأن المصالح تتصالح.. ولا ينسي داود عن طريق «الفوتو مونتاج» أن يقدم مرور الزمن وأن الأجيال تتلاحق وأيضاً تتلاقح ولهذا يتزوج الأبناء من البنات لأنه لا يمكن لأي منهم أن يعيش بعيداً عن الآخر مشيراً إلي أن المقاومة مستحيلة والاستسلام هو الحل والمستقبل أشد قتامة!! لجأ «داود» إلي استخدام صوت الراوي حيث إنه في فيلمه «أرض الخوف» كان «أحمد زكي» بطل الفيلم هو أيضاً الراوي.. هذه المرة كان ينبغي أن يأتي صوت الراوي من الخارج لأنه يقدم حكاية الثلاثة المواطن والمخبر والحرامي.. الراوي دائماً يمنع الجمهور من الاستغراق في الحكاية علي أنها حكاية فقط.. الراوي عند «داود عبد السيد» أشبه بالألوان والظلال واللمسات النهائية التي يضعها الفنان التشكيلي علي خطوطه الأولي أحادية الجانب وكأنه يريد أن يقول لجمهوره من خلال استخدامه للراوي أن هناك دائماً شيئاً أبعد من الحكاية المباشرة!! إنها رؤية تخلو من بطولة لأن المقاومة كما يقدمها ويراها «داود» مستحيلة في زمن القهر ولهذا لا يملك المواطن سوي أن يتصالح مع المخبر والحرامي.. واللي يتجوز أمي أقوله يا عمي!!
سهر الليالي.. فيلم يرد الاعتبار لسينما الشبابأشعر أن السينما المصرية كانت بحاجة شديدة عام 2003 إلي أن تقدم فيلم «سهر الليالي» بعد أن أصابها اختناق حاد من سينما النوع الواحد التي لا تزيد علي كونها محاولة لتقديم عدد من الإيفيهات والنكات يجمعها خط درامي واه.. ولكنها في العادة لا تحمل من روح السينما إلا اسمها أما نبضها فلقد أصيب بالسكتة الإبداعية!!دائماً ما نجد أنفسنا نصدر أحكاماً نعتمد فيها علي كسلنا اللذيذ لهذا نردد مقولة إن السينما التي أطلقوا عليها نظيفة مرة وشبابية مرة يستحقها هذا الجمهور وأن نجومنا الجدد لا يمكن لهم سوي أن يقدموا هذه السينما فهي سينما مضبوطة تماماً علي الجمهور وعلي النجوم الجميع علي موجة واحدة!!
السيناريو الذي كتبه تامر حبيب في أول تجربة له يملك روح التحرر حيث إنه يحلل تفاصيل شخصياته درامياً ويمسك بحالات إنسانية حقيقية تعيش وتتنفس وتحلم وتتمني وتكبت رغبات وتفصح عن رغبات وتخجل من رغبات..سوف أقدم لكم المشهد الأخير الذي أعتبره هو النبض الحقيقي للفيلم أو هو بالأحري يمثل قانون الفيلم الذي لا يعترف بالخط المستقيم الحاد الذي يحيلنا إلي حالة هندسية لكنه يعرف فقط الخط الانسيابي الذي يميل أحياناً ولا تستطيع علي وجه الدقة أن تحدد ملامحه النهائية.. تعودنا دائماً أن هذا المشهد عليه أن يتحمل تقديم كل الإجابات التي تريح المشاهد حتي يغادر دار العرض وهو مطمئن علي مصير أبطاله لكنه ترك علامات الاستفهام تداعب جمهوره بقدر لا بأس به وترك أيضاً بعض الإجابات تطمئن جمهوره بقدر لا بأس به.. شاهدنا أبطال الفيلم في الحفل يتعايشون وبقدر ما يتواطئون مع الحياة!!وكان المخرج هاني خليفة في أول تجربة روائية طويلة له حريصاً علي أن يمنح اللفتة والإيماءة أدوار البطولة في أداء الممثل وأن يمسك بأدواته في التعبير بحركة الكاميرا والقطع بين اللقطات وحجم اللقطة والتكثيف في استخدام الموسيقي يمنح فيلمه روحاً عامة تسيطر عليه منذ اللقطات الأولي.. وبالمناسبة فإن اللقطات الأولي للفيلم هي جزء مهم وحيوي من أسلوب قراءتنا للفيلم حيث نشاهد لقطات فوتوغرافية للأبطال في السنوات الأخيرة من عمرهم ترسم لنا ملامح لتلك الشخصيات وطبيعة العلاقات وجذورها التاريخية.. وكأن الكاتب والمخرج يطرحان علي مائدة الجمهور أوراق اللعب مبعثرة!!
إننا بصدد فيلم - ليلي - لا يوجد بالطبع تصنيف علمي أكاديمي يقسم الأفلام إلي ليلية وصباحية ولكن الليل عادة يجسد الحنين إلي الدفء وفي الوقت نفسه يمنحنا إحساساً بالانطلاق ويعدنا بأن الغد لديه الأمل بالحل مع إشراقة شمس الصباح.. الليل أيضاً يحمل التناقض في الملابس فهو يتيح لنا التخفف وارتداء الكاجوال أو التحرر التام من كل الملابس وفي الوقت نفسه تجده شديد الصرامة في أماكن رسمية يصبح فيها علي الرجال ضرورة ارتداء الاسموكنج والنساء ملابس السهرة.. في الليل يزداد نشاط اللاشعور وعقلنا الباطن بينما ينام العقل الواعي.. أغلب مشاهد الفيلم الذي لا تتجاوز أحداثه ثلاثة أيام بلياليها تجري في الليل.«سهر الليالي» يرد الاعتبار لكلمتي شبابية ونظيفة.. فهو فيلم شبابي في أفكاره وتمرده وروحه ونجومه.. وهو فيلم - نظيف - من الادعاء بأنه نظيف ويؤكد أن الجمهور من حقه سينما أفضل وشباب مبدعينا يملكون ما هو أفضل..!!«بحب السيما».. فيلم يكشف حساسية الشخصيات القبطية في الأعمال الدراميةدائما ما تثير الشخصية القبطية درامياً إشكالية مزدوجة عند صناع العمل الفني وعند الجمهور أيضا، الكل يتعامل معها بقدر لا ينكر من الحساسية، ولهذا يصبح الأمر المحير، كيف نقدم شخصية القبطي؟ فمعظم الأعمال الدرامية قدمت الشخصية مثالية جداً تتعامل في الحياة وكأنها مغلفة بورق سوليفان أو كشخصيات معقمة توجد في الدراما لهدف واحد فقط هو التأكيد علي أن الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط في مصر بخير، ولهذا غابت الشخصية القبطية الواقعية عن الشاشتين الكبيرة والصغيرة وصارت أغلب الشخصيات التي تحرك الأحداث شخصيات إسلامية واتفق الجمهور ضمنياً علي ذلك، كما أدي الغياب الطويل عن السينما والتليفزيون إلي تنميط هذه الشخصية، حيث إن وجودها مرهون بعمل إيجابي.الكاتب هاني فوزي نسج أحداث الفيلم الذي أخرجه أسامة فوزي تجري داخل حي شبرا والشخصيات كلها مسيحية ولأول مره نري امرأة مسيحية علي الشاشة تخون زوجها! إن الأمر يبدو بالطبع عادياً ولكن تملكت الحساسية عدداً من المثقفين والنقاد مطالبين بمنع عرض الفيلم.. انتصر صوت العقل وعرض الفيلم بعد حالة من العبث، لكنها ولا شك تطرح قضية أكبر وأهم وهي أن غياب الشخصيات القبطية عن الدراما هو سر الأزمة، والحل ليس بأن نبتعد عنها ونمعن في الغياب، ولكن بالحرص علي أن تزداد مساحات هذه الشخصيات حتي توجد أكثر ويتعود عليها المسلمون والأقباط علي الشاشة، ولكن علينا أيضا أن نعيد معاً قراءة هذا الفيلم الذي أثار كل ذلك. « بحب السيما»، هو واحد من أهم الأعمال السينمائية الاستثنائية في تاريخ الأفلام المصرية، وهو يتجاوز تلك النظرة الضيقة التي يشاهد بها البعض الأفلام السينمائية، يقفز فوق مرحلة تقديم نماذج حياة عدد من العائلات المسيحية في حي شبرا، فأنا لم أشعر بأن الدين هنا أو حتي طائفة البروتستانت أو الأرثوذكس لها مدلول مباشر، إننا أمام مواطنين مصريين، والمصري بطبعه وقبل الأديان السماوية آمن بالتوحيد وبوجود خالق لهذا الكون، وهكذا قرأت الفيلم الذي يناقش علاقة الإنسان بالخالق العظيم، الكل في هذا الفيلم يحاول أن يعثر علي طريق إلي الله، يتسامح الفيلم مع أخطاء ورغبات البشر يدعو إلي الحب الخالص الذي يجعلنا لا نعبد الله لأننا نخشي عقابه ونطمع في جنته، لكننا نحبه، والله لا يريد من عباده الصالحين سوي الحب.
إننا بصدد عائلة مسيحية لو حاولنا تضييق الخناق ونظرنا إلي الديانة، الزوج محمود حميدة أرثوذكسي مثل أغلب الأقباط المصريين والزوجة ليلي علوي تنتمي إلي عائلة بروتستانيية وهم يشكلون أقلية بين المسيحيين في مصر.
حميدة زوج متشدد في نظرته للدين يري أن الصرامة المطلقة ينبغي أن تسود وأن المتع الحسية المشروعة علينا أن نتجنبها، وهي نظرة سطحية للدين تجد لها للأسف أتباعا في كل الأديان، ولهذا يحرم علي ابنه الطفل يوسف عثمان الذهاب للسينما التي يري فيها لهواً ينبغي ألا نضيع فيه أوقاتنا.
إنه لم يدخل الإيمان الحقيقي قلبه فهو رغم حرصه علي الصلاة وتبتله اليومي أمام صورة السيد المسيح عليه السلام، لكن خوفه من العقاب هو الدافع الأساسي للصلاة، إنه يعترف بأنه يخطئ، لكنه لم يدرك أن الخطأ الأكبر هو أن تحرم الآخرين من السعادة.
والفيلم تتنازعه شخصيتان متناقضتان واحدة تعبد الله في خلوة والثانية تنهال بالشتائم علي البشر، ولهذا قدم لنا السيناريو مشاهد لحميدة يومياً، وهو ينهال بالشتائم علي الجيران بسبب عدم صعود المياه إليه، ثم تلك النظرة القاسية التي يصوبها إلي ابنه دائما كلما أراد هذا الطفل أن يذهب إلي السينما، ناهيك عن حالة البرود التي تعيشها زوجته معه، فهو يتعامل بسطح بارد من الخارج مع الجميع.
قدم أسامة فوزي حالة سينمائية تبدأ مع كتابة التترات.. إنه قانون المتعة والجاذبية الذي يحيلك دائما إلي عالم الطفولة.
كل المفردات الفنية في هذا الفيلم كنت ألمح فيها إحساساً بالطفولة ينضج علي الشاشة، الذروة الإيمانية في الفيلم نشعر بها عندما يواجه محمود حميدة نفسه بعد أن تعرض للوشاية وللعذاب علي أيدي زبانية المعتقلات في الستينيات، واكتشف أنه ليس قريباً إلي الله كما كان يعتقد وأن الإيمان يحتاج إلي نفس أكثر تصالحاً مع الحياة، ولهذا يشتري جهاز التليفزيون الذي كان يعارض دخوله إلي المنزل في البداية ويذهب مع ابنه في نزهة بالدراجة، ويرحل ويعتقد المتزمتون أنه سوف يدخل الجنة لتزمته وصرامته ولأنه كان معاديا لمتع الحياة رغم أن الطريق للجنة الذي اكتشفه البطل في النهاية عندما منح السعادة لمن حوله وأقربهم إليـه أسرته.كان الممثلون في هذا الفيلم في لحظات تجلٍ علي مستوي فني في الأداء.. ليلي علوي وكأنها طوال السنوات الماضية تنتظر هذا الدور بقدر ما ينتظرها أيضا الدور. محمود حميدة إشعاع داخلي ينضج علي تلك النظرة المرتعشة التي تدعي كذباً القوة، وكم كان المخرج لماحاً عندما حرص علي هذا الإطار السميك للنظارة حتي يمنحك كمشاهد قدرة أكبر علي التركيز علي تلك النظرات القاسية المهزومة، وبرعت منة شلبي في دورها الصغير وعايدة عبد العزيز في هذا الأداء اللافت للنظر والوجه الجديد إدوارد الذي أدي دور خطيب منة شلبي، وسوف يمنحه هذا الدور جوائز المرور إلي آفاق سينمائية أبعد فهو يتمتع بحضور خاص.. أحمد كمال في أداء دور الطبيب إنه فنان المسافات القصيرة في التعبير السينمائي المكثف.
وبالطبع فإن أداء الطفل يوسف عثمان وتوظيفه الجيد من خلال زوايا التصوير والمونتاج يعود إلي المخرج أسامة فوزي الذي استطاع أن يقتنص تلك اللحظات الفطرية التي يعيشها الطفل خلف الكاميرا ويفقدها أمامها، لكن أسامة تمكن من أن يحافظ عليها أمام الكاميرا أيضاً مع طفل يملك حضوراً خاصاً بسيناريو هاني فوزي بطلا حقيقيا في هذا الفيلم لأنه لا ينتمي في بنائه إلي حالة تقليدية ولكن يشعرك هاني فوزي أنه لم يكتب السيناريو، ومن فرط تلقائيته تقول أن الذي كتبه هاني فوزي!
صلاح مرعي كان ضابط إيقاع الرؤية البصرية أيضاً، مدير التصوير المبدع طارق التلمساني ومونتاج خالد مرعي الذي منح إيقاعاً حياً نابضاً للفيلم مع موسيقي خالد شكري التي تنتمي إلي عالم الطفولة وقاد كل هؤلاء إلي شاطئ الحب والفن الجميل أسامة فوزي فنان البساطة والعمق! أنها ترنيمة حب إلي الله تتجاوز الأديان والطوائف والنحل والمذاهب تجعلك تخرج من هذا الفيلم وأنت أشد إيمانا وشفافية وقرباً إلي الله.
«واحد صفر».. يوم أن هزم الوطن!!بينما كان الشارع يضحك ويهتف ويرفع العلم المصري ويضعه علي وجوه الأطفال والرجال والنساء بل وأظافر البنات وذلك يوم مباراة فريقنا القومي للحصول علي كأس الأمم الأفريقية.. كان هناك أكثر من 1400 إنسان مصري تأكلهم الأسماك المتوحشة في البحر الأحمر!! نعم كان التليفزيون يضحك - الميديا الإعلامية - كلها تضحك، بينما في حقيقة الأمر كان كبد الوطن مقروحاً وعيونه لا تكف عن البكاء وهو يعايش تلك الكارثة القومية التي أحلت بالبلد.. المشهد الذي لن يغادر الذاكرة هو أن الرئيس وكل أفراد الأسرة وأيضاً كبار المسئولين في المقصورة الرئيسية باستاد القاهرة الدولي يتبادلون التهنئة والقبلات والأعلام بفوز مصر، والناس في البيت والشارع علي دين رؤسائهم يبتهجون أيضاً.. هذا المشهد لن تراه في الفيلم.. قد تعتبره مشهداً لا يمكن أن توافق عليه الرقابة وهو بالفعل كذلك، إلا أنني أراه من زاوية أخري فهو يسجن الفيلم داخل إطار سياسي يضع شعباً أعزل في مواجهة سلطة سياسية تملك كل الأوراق ولم يكن هذا هو الهدف الذي يقدمه فيلم كاملة أبو ذكري « واحد صفر» فهو ينفذ إلي منطقة ظاهرياً قد تبدو أقل سخونة لكنها واقعياً أكثر عمقاً، إنها تتناول حياتنا.. نحن جزء مما يجري علي الشاشة بل نحن الشاشة كلها.. هكذا تري الشخصيات أمامك كل منها في داخلك شيء منها أنت تري نفسك!!شخصيات رائعة نسجتها بل قل نحتتها من قلب الحياة « مريم نعوم».. نعم السينما المصرية قادرة علي أن تقدم سينما تستطيع أن تدافع عن قامة وقيمة السينما المصرية في المهرجانات بعد أن خذلتنا أفلام الصوت العالي والدعاية الفجة!! الكل في نهاية الفيلم يضحك ويبتسم.. الكل مهزوم ولكن النتيجة أننا أخذنا كأس أفريقيا كسبنا في الكرة «واحد صفر» أما علي أرض الواقع فإننا مهزومون بمليون صفر.. إنه فيلم مشرف للسينما المصرية يستحق أن تضعه السينما المصرية علي صدرها فيلم بإمكانيات محدودة مادياً ولكن من المؤكد أنه قد تم بإحساس وصدق وإبداع لا يعرف الحدود!!
نعم رأينا مصر بكل تضاريسها وأحيائها وأفكارها ما هو معلن وما هو مسكوت عنه.. إنه فيلم يعلن هزيمة وطن يئن وبقدر ما يحن إلي انتظار لحظة فرح تأبي أن تأتي فلم تكن الأسماك تأكل يومها فقط في أجساد المصريين الغرقي في البحر الأحمر.. لأن الأسماك المتوحشة علي الأرض تنهش منذ سنوات بعيدة كل المصريين 24 ساعة يومياً!!
لقطة من فيلم "عمارة يعقوبيان" «عمارة يعقوبيـان».. يفضح نظــام الدولة ويكشف الفســاد السياسي!
الفيلم مأخوذ عن رواية د. علاء الأسواني «عمارة يعقوبيان» وحققت الرواية أكبر رقم مبيعات عرفته الحيــاة الأدبية في مصـر وترجمت في زمن وجيز جدًا إلي العديد من اللغات.. «يعقوبيان» هي أجرأ رواية سياسية اجتماعية قرأتها وجرأة الرواية واقتحامها لما هو مسكوت عنه سياسيًّا واجتماعيًّا لا تعني بالضرورة أنها قادرة علي أن تقتحم مشاهدي السينما وتخاطبهم بمفرداتهم المختلفة.. كان (وحيد حامد) كاتب السيناريو والحوار أمينًا علي الرؤية السياسية والاجتماعية الجريئة التي حملتها رواية الأسواني.
النقطة الفارقة سياسيًّا هي تلك التي تُقدم من خلال شخصية (كمال الفولي) رجل الحزب الوطني الكبير في النظـام والذي يملك مقاليد الحكم ويستطيع أن يُنجح من يشاء في الدائرة الانتخابية ويقصي من يشاء مقابل ملايين من الرشاوي تُدفع له.. وتُشير الرواية إلي اسم رجل كبير في الحزب الوطني والناس تدرك بالطبع من هو المقصود وأداها باقتدار (خالد صالح) في الرواية يقول (الفولي) أنه يقسم الرشوة مع من هم معه تعني ضمنيًّا أيضًا من هم أكبر منه التي أشارت لها الرواية صراحة!!في الرواية خيط جريء وهو انتقاد السلطة السياسية واتهامها بالتعامل الأمني القاصر والمريض مع التيار الإسلامي وهي بذلك خلقت التطرف والإرهاب وتؤكد أن تفشي الوساطة والمحسوبية في المجتمع زرع الحقد في القلوب ولهذا فعندما ينتقم الشـاب المتطرف الذي أدي دوره ( محمد إمام) ويقتل رجل الشرطة الذي اعتدي عليه وطلب من رجاله اغتصابه جنسيًّا تتعاطف مع الشاب القاتل وتشعر أن رجل الأمن يستحق القتل.. مشاهد عساكر الأمن المركزي وهم يحيطون بالمتظاهرين في العديد من المواقف وكيف أن هؤلاء الشباب المجند ينفذ تعليمات بضرب المدنيين الغاضبين ضد النظام القائم.
شخصيات (علاء الأسواني) حافظ عليها (وحيد حامد) ولا أجد مبررًا لأن يقول في التترات عن قصة (الأسواني) لأن قصة الأسواني قد شاهدتها تقريبًا علي الشاشة بل بعض جمل الحوار والمبررات النفسية لشخصية مثل الشاذ جنسيًّا التي أداها (خالد الصاوي): أو العسكري الصعيدي التي أداها (باسم سمرة) والفتاة الفقيرة (هند صبري) رأيت الحالة الروائية تنطق بها الشاشة بكل وضوح لا أقصد فقط الخطوط الروائية ولكن الحالة التي نسج بها في الفيلم تنتمي إلي عالم الروائي الأسواني أكثر مما تنتمي إلي كاتب السيناريو (وحيد حامد).. اختار «وحيد» الإخلاص لروح ونبض الرواية حتي لجمل الحوار لأن أي خيانة حتي ولو جاءت من باب الإضافة كانت ستخصم من مصداقية الإحساس.ولهذا كالعادة ومع دور ( يسـرا) الصغير جدا غنت ثلاث أغنيات بالفرنسية والإنجليزية وكان ينبغي حذفها حتي لا يطول أكثر زمن الفيلم.. كان من الممكن الإيحاء بالأغنية وليس بالضرورة تقديمها كاملة.. تستطيع أن تضع هذا الفيلم ضمن قائمة الأفلام التي تنتقد الوضع السياسي القائم في الفيلم.. إبداع خاص من عدد من الممثلين وجدتهم يمثلون بإحساس مثل ( عادل إمام) الذي شاهدته وكأنه يقول بكل قوة بأن النجم الجماهيري الأول ممثل موهوب نادرًا ما أُتيحت له الفرصة للتعبير وكان ينتظرها بشغف.. ، ( خالد الصاوي) أمسك بقدرة وأستاذية علي الخيط الرفيع في شخصية الشـاذ.. ( باسم سمرة) فهم دقيق لكل مفردات الدور وحضور طاغٍ أمام الكاميرا، ( هند صبري) أدت دور الفتاة الشعبية المقهورة والمتحفظة والمتحفزة الناعمة والأنثي بكل تباين ألوان الطيف الدرامي.. واحد من الأدوار التي لا ننساها.. ( إسعاد يونس) عادت بعد سنوات الغياب ممثلة ومبدعة تعايش كامل مع الشخصية يجعلني أطالبها بألا تغيب عن الشاشة بعد ذلك.. ( خالد صالح) أداء ناعم لشخصية تمتلئ بالعنف الداخلي، لكن يظل أضعف ما في هذا الفيلم علي مستوي حرفية الأداء هما ( نور الشريف) و( سمية الخشاب) أداء نمطي يذكرنا بأدائهما في « الحاج متولي».عمارة يعقوبيان كانت تطل منها مصر.غسيل «قلب» في شقة مصر الجديدةأنت قبل الفيلم.. لست أنت بعد الفيلم كأنه يجري لجمهوره غسيل قلب.. منحني محمد خان بفيلمه «في شقة مصر الجديدة» دفقة وانتشاء ورغبة عارمة بالإقبال علي الحياة.. الأبطال في الفيلم يعيشون الحياة لكن لا تعيش فيهم الحياة.. أما عند كلمة النهاية فإن الحياة تعيش فيهم وفينا.. غادة عادل فتاة الصعيد يقدمها لنا سيناريو «وسام سليمان» وهي طفلة في مدرسة «الراهبات» تغني مع أستاذة الموسيقي رائعة ليلي مراد والموسيقار محمد القصبجي والشاعر أبو السعود الإبياري «أنا قلبي دليلي قالي ح تحبي. دايماً يحكيلي وبصدق قلبي».. يمر 20 عاماً وتصبح الطفلة فتاة تقترب من الثلاثين وهو رقم يضعها علي مقربة من العنوسة تعمل أيضاً أستاذة موسيقي في نفس المدرسة.. ترتبط «غادة» بالزمن الماضي لأنها لا تجد في الحاضر ما يمكن أن تتوحد معه ترفض عريس وتظل ترسل خطابات لأستاذة الموسيقي «تهاني» ولا تتلقي رداً لكنها لا تتوقف عن المراسلة.. برنامج ما يطلبه المستمعون يصبح هو الوسيلة لكي تبثها أغانيها التي تنتمي إلي الزمن القديم حيث توقفت بها الأيام عند تلك المحطة أستاذة الموسيقي انتقلت من المنيا إلي القاهرة بسبب أغانيها وحديثها عن الحب.. لكن لم تتوقف غادة عن ملاحقتها.. في القاهرة تذهب غادة إلي رحلة ويظل هدفها هو العثور علي «تهاني».. السيناريو يقدم لنا الشقة التي أصبح يقطنها «خالد أبو النجا» في نفس الوقت يحتفظ ببقايا أثاث تهاني الذي تحول إلي كراكيب.. خالد يعمل بالبورصة أي أن الأرقام قد تحييه في لحظة أو تقتله في لحظة.. الدرس الأول في البورصة هو أن الخطأ يعني النهاية.. الشخصية درامياً لا تبحث عن الحب ولكن تحركه دوافعه الجنسية تجاه « مروة حسين».. هي أيضاً لا يعنيها إلا الجنس.. الصدفة تضع سائق التاكسي «عيد ميلاد» الذي أدي دوره أحمد راتب لا تعنينا هنا الديانة فهو إنسان مصري يتعاطف مع فتاة يفوتها قطار الصعيد ويقدمها إلي جارته عايدة رياض التي تدير بيت مغتربات وتنضم إلي البيت لكي تبيت ليلة لكن الليلة تمتد بضع ليالي وخلالها تقترب أكثر من خالد أبو النجا وهو يتقرب منها وبلا أي كلام مباشر عن الحب والزواج نشعر وهي تجري إلي القطار للحاق به وهي تردد رقم موبايل خالد أن هذا هو الحب الحقيقي وأن غادة قد عرفت أخيراً كيف تعيش فيها الحياة لا أن تعيش فقط الحياة!!كل الشخصيات تعيش في مأزق عاطفي هي تسعي للحب سواء أدركت ذلك أو لم تدركه.. تنويعات واحدة علي نفس التيمة.. سيناريو « وسام سليمان» والتي أتابعها منذ فيلمها الأول « أحلي الأوقات» هالة خليل ثم «بنات مصر الجديدة» وفي شقة وسط البلد محمد خان، وأري أن لديها طزاجة ونبض خاص بها.. هي كاتبة صاحبة مذاق لا تعترف بالأفكار سابقة التجهيز ولا الخيوط الدرامية التي تعارفنا عليها واستسلم لها أغلب الكتاب تشعرني أيضاً أنها تكتب عن ناس نعرفهم وعن مشاعر عانتها قبل أن تكتبها علي الورق.غادة في هذا الفيلم ممثلة من الطراز النادر.. لم أكن أتصور أن بداخل غادة كل هذه الشحنات الكامنة في التعبير سبق وأن قدمتها ساندرا نشأت في «ملاكي إسكندرية» في أداء تعبيري هذه المرة غادة هي البطلة المحورية.. مساحات التعبير أكبر.. التفاصيل الدقيقة جداً حتي وهي تجلس علي محطة الأتوبيس تضم قدميها أن الخجل والرغبة في الحماية والخوف من اقتحام الآخرين عبرت عنها بلغة الجسد وأيضاً بنظرات عينيها.. وبالطبع هناك مخرج يقود ممثلة ويمنحها المفتاح إلا أن غادة بالفعل وكأنها صوت قادر علي التحليق والتعبير الغنائي.. اللحن العظيم أبدعه محمد خان..
لكنها هضمت اللحن جيداً وأضافت له أيضاً فكانت تدهشني في كل لقطة..
ليست هذه هي غادة التي شاهدتها قبل 12 عاماً في « عبود ع الحدود» و» صعيدي في الجامعة الأمريكية»..
غادة أخري ولدت من جديد في شقة محمد خان..
خالد أبو النجا التلقائية القدرة علي التنوع ممثل ينضج من فيلم إلي آخر.. «مروة حسين» كثير من الإغراء قليل من الأداء.. أحمد راتب يستولي عليك في مشاهده القليلة.. عايدة رياض ويوسف داود أداء جيد في حدود مساحات الدور واستطاع خان أن يقلص بعض النمطية في أداء يوسف داود.. المنتج هو جهاز السينما الذي يقوده ممدوح الليثي رئيس الجهاز ويحاول من خلال موقعه أن يعيد التوازن المفقود للسينما المصرية..
محمد خان مخرج يصنع في العادة أفلامه.. هذه المرة من فرط الصدق «في شقة مصر الجديدة» أجزم أن الفيلم هو الذي سيطر وصنع محمد خان..
ليس فيلماً لمحمد خان.. محمد خان هو الفيلم!!
في «جنينة الأسماك».. الحقيقة تخلع ورقة التوت!الحقيقة في الصباح منقبة بينما في المساء تراها واضحة لا يسترها شيء.. تخلع حتي ورقة التوت.. الإنسان في الحياة العامة يرتدي قناعاً وراء قناع يضع دائماً مكياجاً صارخاً علي مشاعره لا يبوح إلا بالقليل.. دائماً هناك غطاء واق يمنعنا من أن نكون أنفسنا - الأنا الأعلي - كما يطلق عليها علماء النفس التي نسميها في مفهومنا الدارج «الضمير» وهي في الأديان «النفس اللوامة» هي تلك التي تراجعنا كلما حاولنا أن نقترب من أنفسنا ولا أقول نصبح أنفسنا..
في «جنينة الأسماك» التي قدمها لنا «يسري نصر الله» نحن غير مجبرين أن نرتدي هذه الأقنعة طوال 24 ساعة في اليوم..
اختيار الليل وأغلب مشاهد الفيلم ليلية ولم يكن ذلك عفوياً ولا هو لمجرد أن البطلة «هند صبري» تقدم برنامجاً اسمه «أسرار الليل» ولكن لأن المخرج يريد أن ينقلنا معه إلي الحالات التي تعيشها الشخصية..
إنها تلك التي يتسق فيها الخارج مع الداخل عندما لا يصبح هناك مفر من أن نكون أنفسنا..
برنامج «أسرار الليل» هو حديث الفضفضة الليلي من الممكن أن تجد فيه بعض ملامح مما كانت تذيعه في السابق المذيعة «بثينة كامل» علي موجات البرنامج العام الكل لديه هواجس بعضنا يقتحمها مثل صديق البطل طبيب الأنف والأذن والحنجرة أو يظل خارجها مثل بطل الفيلم «عمرو واكد» الذي يدور حول سور « جنينة الأسماك» بجوار منزله ولا يستطيع أن يدخلها يتمني لكنه غير قادر وعندما يكتسب شجاعة الاقتحام يعود إلي مرحلة التلصص فهو يريد أن يري الناس علي حقيقتهم ولذلك يتابعهم من مكان سري بين الصخور ليري كيف يتطارح الشباب الغرام في مغارة بالحديقة أما الأسماك التي يفصلها عنه الحوض الزجاجي السميك يكسره ليصبح ذلك معبراً عن رغبته الحقيقية في أن يمتلك هذه الأسماك الملونة الرائعة في ملامحها إنها لا تؤكل ولا تلمس لكنه يريد أن يمتلكها ولا يهمه أن تموت بعد ذلك يكفيه أنه أخذ واحدة منها..
إنه لا يطيق أن يعيش في منزله.. ينام في عربته الخاصة يشعر بالونس والناس بجواره في الشارع أو علي الرصيف وفي العربة المقابلة.. حتي علاقته مع « درة» عشيقته لا تصل إلي درجة الزواج فهي بالنسبة له - امرأة ترانزيت - في حياته يمر عليها عابراً لكنها ليست بلد الإقامة الدائمة.. تستطيع أن ترسم «بورتريه» لعمرو واكد وتستطيع أيضاً أن ترسم «بورتريه» لشخصيات أخري مثل التمرجي الذي يعمل في عيادة أمراض النساء والولادة التي تخصص « عمرو واكد» في إعطاء الحقن للفتيات اللاتي يذهبن للإجهاض فيها..
الفيلم يقدم الخوف الذي يتربص بمصرنا، خوف خارجي غامر من الإيدز وأنفلونزا الطيور، خوف داخلي من الفساد وغياب الديمقراطية وصعود جبهة الإخوان خوف من التمديد والتوريث وخوف من لجوء الدولة بقسوة للحلول الأمنية باعتبارها المحطة الأولي والأخيرة.. وأيضاً الخوف الوجودي الكامن في الإنسان وهو الخوف من ضياع الحياة انتهاؤها بحكم الزمن أو المرض المفاجئ..
المخرج يقدم نغمة سينمائية لا يتماهي معها المتلقي ببساطة ولا يتقبلها بسخونة ربما كان الأقرب للصحة أنه علي المستوي المباشر يتقبلها بفتور إلا إذا لامس تفاصيلها.. ولا أتصور أن الجمهور أو الأغلبية منه من الممكن أن تذهب إلي هذه السينما إلا أن عالم السينما الرحب الواسع من المستحيل أن نضعه في إطار محدد بنغماته الشعبية المستقرة في وجدان الناس ليس فقط في مصر ولكن في العالم كله دائماً هناك تركيبات درامية سهلة الترديد تحقق إيرادات ضخمة وتركيبات أخري تكسب جمهور قليل وشريحة ضئيلة جداً ربما تزداد مع الزمن لكنها تظل مثل فن الأوبرا لا يمكن أن يصبح فناً شعبياً..
إلا أنه يعيش مع الزمن ويكتسب أيضا جمهور مع الزمن ونري فيه الكثير من الحقيقة التي نخفيها صباحاً وتجبرنا علي أن نعترف بها ليلاً حتي لو وضعنا عليها بعض من المكياج!!«شهرزاد» تحكي!اللقطات الأولي نري كاميرا «سمير بهزان» تستعرض تلك الشقة التي قدمها بعناية وإبداع مهندس الديكور « محمد عطية» كل شيء في السقف الأرض السرير.. نري الزوجين «مني زكي» مقدمة برامج التوك شو و« حسن الرداد» الصحفي في جريدة حكومية الذي يتطلع إلي منصب رئيس التحرير.. «مني» في قناة خاصة طموحها أن تصل أكثر للناس..
مذيعة برامج «التوك شو» اختيار درامي ذكي من «وحيد حامد» اعتمد علي قدرته علي التقاط كل ما هو جديد ويشكل في وجدان المتفرج ملمحاً خاصاً طازجاً ومؤثراً وهكذا من الممكن أن نري أن مذيعي هذه البرامج صاروا جزءاً من المنزل المصري والعربي..
وهكذا المرأة المقهورة تبدو دائماً علي السطح كتيمة درامية ولكن ما نراه امرأة تقاوم.. « مني زكي» نموذج صارخ للمقاومة تحاول أن تتواءم مع نفسها وطموحها..
تعلم أن هناك سقفاً للدولة لا يمكن اختراقه وسقفاً لاستقرار بيت الحياة الزوجية ينبغي لها أن تحافظ علي جدرانه..
ولكنها في الوقت نفسه لا تتنازل عن طموحها الخاص..
القضايا السياسية المباشرة تثير غضب الدولة بكل أجهزتها تغير البوصلة إلي المشاكل الاجتماعية والتي تصطدم في نهاية الأمر أيضاً بتوجه الدولة السياسي.. كل شيء لا يمكن أن تعزله عن سياسة الدولة التي بقدر المستطاع تريد أقلمة الإعلام والصحافة..
بناء السيناريو قائم علي الانتقال من حكاية إلي حكاية!!« مني ربيع» بطلة في هذا الفيلم إنها فنانة المونتاج دائماً تضبط الإيقاع لتصنع حالة خاصة من الإبداع، إنها الفنانة التي تجيد إنجاز المهام الصعبة وهذا الفيلم المتعدد الحكايات كان يحتاج بالفعل إلي مونتيرة لديها كل هذا الفيض من الإحساس.. موسيقي « تامر كروان» وتصوير « سمير بهزان» صنعوا شاشة تتكلم سينما.. نعم من الممكن أن نري « وحيد حامد» و«يسري نصر الله» وهما يمتزجان..
علم الطبيعة يؤكد أن الماء والزيت لا يجتمعان و«يسري» و«وحيد» تحديا علوم الطبيعة وامتزجا.. لم يسبح أي منهما في اتجاه الآخر ولكن الجمهور كان يسبح إليهما!!