يقول تشي جيفارا : انني أحس على وجهي بألم كل صفعة توجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني، وهكذا كان كان عاطف الطيب الذي أينما وجد الظلم كانت أفلامه، مخرج مصري حلم صغيراً أن يكون ممثلاً، قبل أن يكتشف أن السر في الصنعة يعود للمخرج، فقرر أن يصبح مخرجاً وكان.
يقول البعض أن أصحاب الحظوة يرون نهايتهم بقلوبهم، وفيما يبدو أنه كان واحداً منهم، وكان يعرف أن العمر قصير، فقدم 21 فيلما في 16 عاماً ليكون أغزر جيله إنتاجاً، وتماماً كما كان جيفارا مؤمناً بالثورة لدرجة جعلته يستقيل يوماً من الحكومة الكوبية بعد إسهامه في نجاح ثورتها، ليقود الثورة في غابات بوليفيا، كان عاطف الطيب يؤمن بالفكرة بغض النظر عن درجة جودة السيناريو، ويقوم بتنفيذها بكل كيانه بغض النظر عن تقنيات الإخراج والتصوير ورؤية المخرج، ولنا في هذا أمثلة كثيرة مثل فيلم الحب فوق هضبة الهرم الذي لم يقدم جديداً في المعالجة الدرامية وبدا تقليدياً في تركيبته وكتابته للسيناريو، واعتمد على تكثيف الحوار، ولكن جمال الفكرة وتمردها هو من صنع النجاح، فيلم كتيبة الإعدام التي فشل السيناريو فيها في توصيل فكرة الفيلم التي اعتبرت الإنفتاح خيانة لحرب اكتوبر، بتسطيحه للشخصيات الرئيسية للفيلم ولم يقدم مبرراً لفكرته، وكذلك التخشيبة و ملف في الأداب، وغيرهم، إلا أن الثائر المبدع داخل الطيب والذي اهتم في الاساس بهموم الناس في فترته الزمنية فيلم يقدم إلا أفلاماً تتحدث عن فترة الانفتاح وما تلاها حتى تسعينيات القرن الماضي وهي الفترة التي عاصرها، وكان همه الأساسي هو عرض القهر الاجتماعي والبوليس والاقتصادي الذي يعاني منه المواطن المصري ، وعلى الرغم من أنه لم يتبنى مدرسة فنية محددة لتظهر في كل أفلامه، وأنه لم يكن يهتم بجماليات الكادر والصورة، وإختيار زوايا التصوير وحجم اللقطة، قدر إهتمامه بالموضوع، وهو ما يؤكده تصريح الطيب نفسه حين قال "إني أتلمس المشاكل التي تهم المواطن من الطبقة المتوسطة ، وبالذات من أبناء جيلي... . و .. ... يجب أن نكون شاهدين على عصرنا ، بلا تزييف أو تشويه .. فأنا أترجم ما يمكن أن يمس كل ما يعتمل داخل الناس ، ويؤثر فيهم .. كل ما يهزهم في حياتهم اليومية . وخلاصة القول .. أن نحاول التعبير بصدق وأمانة .. عيوننا على ما يحدث في مجتمعنا .. في الحياة ، ونشحن هذا بأعمالنا الفنية ... ".
*****
ولا يفوت متحدث عن عاطف الطيب أن يتناول تحديداً 3 افلام من مجمل أعماله سواق الأتوبيس، البريء، الهروب، حيث كان سواق الأتوبيس أول أفلام عاطف ثورة فعلية في السينما المصرية، حيث قدمت الواقعية التي قدمها العظيم صلاح أبو سيف، بواقعية جديدة، تحمل رسالة شديدة الأهمية، بلا مباشرة وبلا سطحية بعيداً عن تلك الخطب الرنانة في بعض الأفلام والتي تصلح للطباعة على خلفية "كراريس" اطفال المرحلة الإبتدائية، بينما كان البريء صرخة شديدة العمق لتوضح كم القهر الذي تتعرض له مصر، وكيفية تصاعد الدولة البوليسية في مصر والتي استفحلت فيما بعد، أما الهروب فهو على حسب رأيي الشخصي هو أعظم افلام الطيب على الإطلاق، حيث نجح الفيلم في تقديم قضايا كبرى تمس الوطن من خلال قضايا شخصية فرعية، من خلال عرض قضية الانتقام التي تصل حتى اسلوب العمل البوليسي في مصر، ونلحظ في كل هذا أن نتحدث عن الفكرة في العمل ونمجد فيها دون الخوض في التفاصيل، هكذا كان عاطف الطيب، يؤمن بالفكرة ويقدمها بغض النظر عن أي جوانب أخرى، كذلك كان جيفارا يؤمن بالثورة لدرجة جعلته يركب قارباً مع 80 شخصاً ليحرروا كوبا يوماً ما.
عاطف الطيب أحد المخرجين الذي كتبوا تاريخهم من نور في سجل السينما المصرية، والذين سيبقوا للأبد كعلامة تاريخية عظيمة، نثق الأن أنه يتابع بإهتمام ثورة بلاده وهي تنتفض ضد القهر الذي دعا إلى التمرد عليه طيلة عمره.