لم يعرف الشيخ الذي طرد الشيخ إمام من الجمعية الشرعية بالأزهر لضبطه يستمع للقرآن الكريم بصوت الشيخ محمد رفعت في الراديو - كانت بدعة لا تغتفر في هذا الوقت - أنه قدم إلى مصر خدمة جليلة.
حيث عانى الشيخ إمام منذ طفولته كأبطال الميثولوحيا اليونانية، حيث ولد في أسرة فقيرة، ليصاب بالرمد وعمره عام، وتلجأ والدته للوصفات الطبية كما حدث في رائعة " قنديل أم هاشم"، ليفقد بصره رضيعاً، ثم يسير على نهج من فقدوا البصر في الارياف في حفظ القرآن في الكتاب والإلتحاق بالأزهر، ليتم طرده، ليعود إلى البيت ليطرده والده الذي كان يحلم به شيخاً كبيراً، لتموت أمه التي عشقها دون أن يراها، ويبقى وحيداً طريداً.
ثم يولد الشيخ إمام من جديد عندما يكتشفه الشيخ الحريري، فيعلمه الموسيقى، ويعرفه على الشيخ زكريا أحمد في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، ليستعين به الشيخ زكريا في حفظ الألحان وإكتشاف نقاط ضعفها، لأنه كان لا يحب الحفظ كثيراً، ولكنه يستغني عن الشيخ امام بعد تسرب ألحان أغنية "الأولة في الغرام" لكوكب الشرق أم كلثوم.
يقرر بعدها الشيخ إمام تعلم العزف على العود على يد كامل الحمصاني، ويقرر ترك ترتيل القرآن والتحول للتلحين، وتغيير زيه الأزهري بزي مدني عادي، لتبدأ الرحلة ويبدأ المشوار.
إلى أن التقى بالفاجومي الشاعر أحمد فؤاد نجم، ليصل الشيخ إلى أهم محطاته عام 62 ويبدأ في تلحين وغناء كلمات الشاعر الثائر، بعد أن ضما إليهما عازف الإيقاع محمد على، ثم تأتي النكسة ليتفجر مخزون العشق للوطن بين الثنائي ليقدما العديد من الأغاني الحارقة على رأسها "حاحا"، ليدخلا سجون ناصر، ويعيشان بين الخروج منها والدخول إليها تارة بعد تارة ليكون الشيخ إمام أول سجين رأي موسيقي في التاريخ العربي.
ويعد تولي الرئيس السادات بقيا يعارضاه، ويقضيان في السجن أكثر من خارجه، حتى خرج الشيخ امام بعد حادثة المنصة الشهيرة، ولكنه آثر العزلة وبقى في بيته في حوش قدم في حي الغورية إلى أن توفى في منتصف التسعينيات.
رحل الشيخ إمام وبقيت الحانه وأغانيه تهز الشاعر المصري، لدرجة أنه كان المطرب الرسمي في ثورة يناير، ,غن كان الشيخ في حد ذاته ظاهرة موسيقية نادرة، يتغير لحنه للأغنية الواحدة عند كل أداء جديد، صاغ ألحانه كما الأجساد الحية، التي تتنفس وتفرح وتغضب وتحزن، وبقى الفارق أن ألحانه لا تموت....رحم الله الشيخ إمام.