طرائف من عصر الصمت!

Silent Era

مع دخول صناعة السينما إلى القرن الحادى والعشرين، ومع التطور التقنى الرهيب الذي فاق حدود المعقول، ومع الإبهار الفائق والـ 3D والـ IMAX، أصبح الكثيرون لا يطيقوا مشاهدتة الأفلام الكلاسيكية أو القديمة نسبيًا، تلك التى تنتمى لحقب الخمسينات والستينات وما بعدها، حيث يشعرون فيها جمودًا ورتابة لم يألفوها فى ما يشاهدونه حاليًا.

فماذا إذا عدنا أكثر إلى الوراء.. إلى حقبة بعيدة لم تنطق فيه السينما أصلاً، إلى عالم ليس فقط من الأبيض واﻷسود، بل من الصور المغبشة الممتلئة بالخدوش.. إلى عصر كان مرتادي السينما فيه يشاهدون الفيلم على خلفية موسيقية تعزفها أوركسترا مخصوص في دار العرض. حسنًا، خلال الفترة القادمة سأتحدث معكم كثيرًا - في مجموعة مقالات - عن السينما الصامتة، عن عصر بائد لم يعد الكثيرون يلقون له بالاً، واعذروني إن كنت سأصدع ادمغتكم، ففي الحقيقة أنا واقع في هوها تمامًا.

لكن كبداية، وللتمهيد فقط، دعنا نجعل اﻷمر مثيرًا بعض الشئ، تعال نتعرف على هذا العالم بطريقة مسلية وجذابة، من خلال مقتطفات طريفة وحقائق غريبة ستبدو ظريفة للبعض وغير واقعية للبعض الأخر.. هكذا سنمهد الأرضية بشكل جيد لمواضيع أكثر جدية سنتحدث عنها لاحقًا.. سنقوم بالإحماء جيدًا قبل المبارة!

لنبدأ على الفور دون إبطاء.

سعر تذكرة السينما فى الولايات المتحدة عام 1910، العام الذي طرحت فيه المعالجة السينمائية الأولى من رواية The wonderful wizard of oz للكاتب ليمان فرانك كان 0.07 دولار (أى ما يعادل 1.65 دولار بنقود اليوم بعد حساب فروق التضخم). أخر نسخة من الفيلم وهي OZ: the Great and Wonderful للمخرج سام ريمي عام 2012، شاهدها الجمهور بمتوسط سعر تذكرة بلغ 8 دولار!

فى المشهد الأخير من فيلم سرقة القطار الكبرى أو The Great Train Robbery عام 1903.. يقوم بطل الفيلم - قاطع الطريق - بتصويب مسدسه ناحية الكاميرا ويطلق الرصاص. كان لهذا المشهد تأثيرًا كاسحًا على المشاهدين وقتها، حيث كانت السينما لاتزال تعد تجربه شبه واقعية بالنسبة للجمهور. معظم المشاهدين ظنوا أنهم يتعرضون بالفعل لإطلاق نار حقيقى، مما سبب ذعرًا للجمهور فى قاعة العرض وخرج الكثيرون مهرولين!

عندما تم توزيع فيلم The Great Train Robbery عالميًا، كانت معه ملاحظه من الشركه الموزعه تقول بأن المشهد سابق الذكر (المسدس المصوب تجاه الكاميرا) من الممكن وضعه إما فى بداية الأحداث أو في نهايتها.. وللغرابه فإن جميع الطبعات المعروفه للفيلم فى العالم كله وضعت المشهد فى تتابعات النهاية دون اتفاق مسبق!

نيجاتيف الفيلم المذكور مازال محفوظًا فى مكتبة الكونجرس الأمريكي، وفى حاله ممتازه، ومازالت إدارة المكتبه تعد منه طبعات جديده إلى عامنا هذا. النيجاتيف يعد هو الأكثر قدماً فى تاريخ الوثائق السينمائية الموجوده في العالم أجمع.

ولاية شيكاجو الأمريكية هي أول ولاية تضع نظام رقابه على الأفلام المعروضه. تم بدء العمل بالنظام فى يوم 4 نوفمبر من عام 1907. هذا هو أقدم نظام رقابى وضع فى تاريخ الأفلام.

الفيلم الإيطالى الصامت L'Inferno المأخوذ عن ملحمة "الكوميديا الإلهية" لدانتي أليجيري والذي أنتج عام 1911، يعد هو أول فيلم فى التاريخ يظهر به رجلاً عاريًا بالكامل وتظهر أعضاؤه الذكورية.. مثل هذا المشهد لم يتكرر مرة أخرى على مدار أكثر من نصف قرن، إلا في عام 1969 مع فيلم Women in Love.

تتابعات المعارك من الفيلم الشهير مولد أمه Birth of a Nation إنتاج عام 1915 للمخرج الأمريكى دي دبليو جريفيث، صورت بالكامل فى المكان الذى تقف عليه الآن ستديوهات يونيفرسال.

فيلم نوسفيراتو Nosferatu للمخرج إف دبليو مورناو الذي ظهر عام 1922 هو أول وأخر فيلم ينتج بواسطة شركه ألمانية وليدة كانت تدعى Parna Film، فقد أغلقت الشركه أبوابها بعد الدعوه القضائية التى رفعتها أرملة كاتب الرعب الإنجليزي برام ستوكر مؤلف رواية Dracula التى اقتبسها الفيلم دون الإشارة إليه. أمرت المحكمه بأن تُجمع كل نسخ الفيلم ويتم إعدامها، لكن لحسن الحظ بعض النسخ كانت قد سافرت من ألمانيا إلى أكثر من دولة قبل النطق بالحكم، ونتيجه لهذا تم الفيلم حفظ للأبد وأُنقذ من الضياع.

الآن يعد الفيلم واحد من أهم وأمتع أفلام الرعب الصامتة في التاريخ، وفيلمًا رائدًا في المدرسة التعبيرية الألمانية.

طبقًا لقناة Travel channel الأمريكية، فإن فردة حذاء شارلى شابلن التى أكلها من شدة الجوع فى المشهد الأيقونى الشهير من فيلم البحث عن الذهب The Gold Rush، كانت مصنوعه بالكامل من العرق سوس!

الألفان وخمسمائة رجل - الباحثين عن الذهب - الذين ظهروا فى فيلم The Gold Rush لشارلى شابلن، كانوا شحاذين ومشردين حقيقيين وليسوا كومبارس، تم استئجارهم ليوم واحد لإنهاء تصوير التتابع المطلوب.

شخصية "الصعلوك" أو الشريد الأيقونية التى اشتهر بها شارلى شابلن قد ظهرت فى 70 عمل من أعماله (القصيرة والطويلة)، واستمر في تقديمها لفترة زمنية تخطت الـ 26 عامًا. أول ظهور لها كان في فيلم Kid Auto Races at Venice عام 1914، أما ظهورها الأخير فكان في فيلمه الناطق The Great Dictator عام 1940. وبهذا تتفوق شخصية الصعلوك فى عدد مرات ظهورها على الشاشة ببون شاسع عن شخصيات شهيرة أخرى ظهرت فى العدد كبير من الأعمال مثل: طرزان، دراكيولا، جيمس بوند، وغيرهم.

الفيلم القصير Un chien andalou للمخرج الفرنسى لويس بونويل احتوى على العديد من المشاهد الصادمة مما جعله يظهر فى قائمة مجلة Premiere كواحد من "أخطر 25 فيلم تم انتاجهم". أحد هذه المشاهد لرجل يقترب من إمرأة من الخلف في شرفة منازل ثم يشرط بؤبؤ عينها بالموسى إلى نصفين! تم إستخدام عين بقرة حقيقية لتصوير المشهد الشنيع مما أدى لظهوره على الشاشة بأكبر قدر من الواقعية والتقزيز.

أنجح فيلم صامت فى التاريخ بالأرقام المطلقة هو The Big Parade إنتاج عام 1925 وإخراج كينج فيدور. الفيلم حقق قرابة 22 مليون دولار من إجمالى عروضه عالميًا، المبلغ الذى لا يتعدى حاليًا نصف افتتاحية أى فيلم متوسط النجاح فى هوليوود فى خلال عطلة نهاية الأسبوع! لكن إذا حسبت المبلغ الآن بعد وضع فروق التضخم في الاعتبار، فهذا يعني أن إيرادات الفيلم تبلغ بأموال اليوم ما يعادل 2 مليار و850 مليون دولار، وهذا يمثل إيرادًا أعلى من إيرادات فيلم Avatar، أنجح فيلم في التاريخ حتى الآن بالأرقام المطلقة.

عندما تم الإنتهاء من تصوير فيلم For the Love of Mike عام 1927، والذى أخرجه فرانك كابرا، لم يكن هناك نقود باقية مع المنتج ليعطى المخرج الكبير أجره، لذا إضطر كابرا العوده من مدينة نيويورك التى تقع على أطراف الساحل الشرقى لأمريكا إلى هوليوود التى تقع على أقصى أطراف الساحل الغربى لأمريكا بطريقة الأوتوستوب!

فيلم Metropolis للمخرج الألمانى فريتز لانج والذي أنتج عام 1927 استغرق تصويره عامين كاملين، وتكلف أكثر من 5 مليون مارك كانت شديدة البذخ فى ذلك الوقت. حسب تصريحه هو شخصيًا، هذا هو أفضل فيلم شاهده أدولف هتلر فى حياته.

كل الحوائط والديكورات المائلة والغريبة التى ظهرت فى فيلم The Cabinet of Dr. Caligari عام 1920 كانت مصنوعة بالكامل من الورق الذى تم تلوينه باليد، فى بعض المشاهد تستطيع أن تلاحظ وجود تجاعيد وكرمشة فى الحوائط نتيجة لإهتراء الورق خلال مدة تصوير الفيلم!

شخصية الكونيسة آنا من الفيلم الدرامى الألماني Pandora's Box عام 1929، هي أول تجسيد لامرأة شاذة جنسيًا يظهر على شاشة السينما، قامت باداء الشخصية الممثلة أليس روبرتس وكانت فى حالة مزاجية سيئة للغاية أثناء التصوير من غرابة الدور وصعوبته، لكن فى النهاية خرجت الشخصية منها بأداء نال استحسان الجميع وقتها.

عدد العاملين فى ستديوهات هوليوود من منتجين ومصورين ومخرجين وفنيين عام 1920 كان حوالى 20,000 شخص.. وصلوا إلى 30,000 شخص فى العام 1926، أي زادوا النصف بعد 6 سنوات فقط. الآن لا يوجد حصر دقيق لعدد العاملين في هوليوود، لكنه يقدر بأضعاف هذا الرقم.