رغم أنه لم يكن بطلاً فى أفلامه، إلا أنك لا يمكن أن تنسى أدواره، فمن منا لا يتذكر بدران الظابط الشرير الذى يهابه الجميع فى أمير الانتقام أو عنتر فى عنتر ولبلب وغيرها من الأدوار العظيمة التى لا يمكن أن تُمحى من تاريخ السينما المصرية.. عن سراج منير أو باشا السينما المصرية نتحدث، والتى نحتفل بذكرى وفاته اليوم ، حيث توفى فى 13 سبتمبر 1957، وإذا تاملنا حياة هذا الفنان، سنجد أنه يمثل جيلاً من الفنانين العظام الذين ضحوا بكل شىء من أجل الفن، رغم أن مهنة التمثيل فى تلك الفترة لم يكن لها احترامها خاصة بين أبناء الطبقات العليا فى المجتمع، ولكنه تحدى أسرته وترك دراسته ووظيفته من أجل أن يكون فناناً، فقد ولد لأسرة ميسورة الحال ومرموقة اجتماعياً، فوالده عبد الوهاب حسن كان مديراً للتعليم، وكان سراج الابن الأكبر للأسرة بين أشقائه المخرج فطين عبد الوهاب، والمخرج حسن عبد الوهاب، ولم يكن التمثيل من هوايات الابن الأكبر ، حتى حدث شيئاً جعله يغير حياته، ففى أحد الأيام تلقى دعوة من أصدقائه للسهر معهم، وعندما ذهب وجدهم يقيمون مسرحاً صغيراً، ويقدمون عليه مجموعة من الاسكتشات التمثيلية، فانبهر بهذا العالم الجديد الذى لم يكن يعرف عنه من قبل، وبدأ فى المشاركة بالعروض المسرحية التى تقدمها فرقة التمثيل فى مدرسته، ولم تكن أسرته تعرف شيئاً عن هذا الأمر.
هجر الطب ليصبح ممثلاً
بعد انتهاء دراسته الثانوية قرر والده ان يرسله إلى ألمانيا لدراسة الطب ، وبالفعل سافر وبدأ فى دراسة الطب، ولكنه لم يستطع نسيان عشقه للتمثيل، فتعرف على مخرج ألمانى سهل له دراسة السينما فى برلين، كما استطاع الظهور فى بعض الأفلام السينمائية الصامتة، ووفى تلك الفترة أدرك أنه لن يستطع أن يكون طبيباً، ولن يصبح إلا ممثلاً فقط، فعاد لمصر و أخبر أسرته بتركه للدراسة ونيته العمل فى مجال الفن، مما شكل صدمة للأب الذى حلم بأن يرى ابنه طبيبا ، فرفض بشدة وضغط عليه حتى يعمل فى مهنة أخرى، فاستجاب سراج لضغط والده، وعمل مترجماً فى إحدى الهيئات الوزارية، ولكنه لم يستطع الاستمرار فى مهنة لا يحبها، فترك الوظيفة وانضم لفرقة يوسف وهبى، وقدم عدة عروض مسرحية، ثم اختاره صديقه المخرج محمد كريم – والذى تعرف عليه فى ألمانيا- لبطوله فيلمه الأول زينب عام 1930 أمام الفنانة بهيجة حافظ، وكان هذا أول أدواره فى السينما، لينطلق بعدها ويقدم العديد من الأدوار المتنوعة، ورغم أنه لم يكن بطلاً، إلا أن أدواره كانت مؤثرة، وتركزت معظمها فى أدوار الشر، حيث ساعدته هيئته الضخمة وملامحه البارزة فى إتقان هذه النوعية من الأدوار، كما جسد أيضا شخصية الرجل الطيب والأب الحنون فى العديد من الأفلام منها شباب امرأة، علمونى الحب، بنات اليوم، وعلى الرغم من أنه لم يكن ممثلاً كوميدياً إلا أنه قدم دوراً لا يُنسى فى "عنتر ولبلب" شكل علامة فى تاريخه، وكان نمطاً مختلفاً عن أدواره السابقة.
دويتو فى الفن والحياة
على الرغم من أن سراج منير كان يظهر دائماً فى أعماله بشخصية الرجل القوى قاسى القلب، إلا أن الكثيرين لا يعرفون أنه عاش قصة حب عنيفة مع الفنانة ميمى شكيب، والتى اشتهرت أيضا بأدوار الشر فى معظم أفلامها، وكانت قصة حبهما وزواجهما من أشهر قصص الحب والزواج فى الوسط الفنى ، بدأت القصة أثناء مشاركتهما معاً فى فيلم ابن الشعب 1934، حيث قام سراج منير بدور شاب فقير يقع فى حب ابنة أحد الباشوات، ورغم المعوقات الاجتماعية إلا أنه يكافح حتى ينجح فى الارتباط بحبيبته، وتحولت قصة الحب أمام الكاميرا إلى قصة حب حقيقية، حيث تمنى سراج أن تنتهى قصة حبهما بالنهاية الطبيعية وهى الزواج، ولكن لم يتحقق حلمه بسبب التقاليد السائدة فى تلك الفترة، فقد رفضت أسرته زواجه بميمى لأنها فنانة ، كما أنها مطلقة ولديها ولد ، فحاول الابتعاد عنها ولكنه لم يستطع، فترك فرقة يوسف وهبى وانتقل لمسرح نجيب الريحانى ليكون بجانيها، وتعاطف نجيب الريحانى مع قصة حبهما، فحاول مراراً التوسط لدى أسرته لتوافق، وبعد محاولات مضنية استمرت سنوات، وافقت الأسرة ليتم الزواج عام 1941 بعد قصة حب عنيفة استمرت 7 سنوات.عاش سراج منير وميمى شكيب حياة هادئة وسعيدة لمدة 16 عاما على الرغم من أنهما لم يرزقا بأبناء، وشكلا أشهر دويتو شر فى السينما، حيث قدما سوياً العديد من الأفلام مثل بيومى أفندى، نشالة هانم، ابن ذوات، كلمة حق، دهب وغيرها من الأفلام التى شكلت علامة فى تاريخ السينما.
دخوله الإنتاج وبداية النهاية
لم يكتف سراج منير بالتمثيل فقط، لكنه قرر اقتحام مجال الإنتاج ، ولم يختار قصة رومانسية أو كوميدية ليضمن النجاح المادى، بل اختار قصة وطنية تصور حقبة من تاريخ مصر ، فكان فيلم حكم قراقوش عام 1953 والذى تكلف إنتاجه 40 ألف جنيه، بينما إيراداته لم تتجاوز عشرة الآف جنيه، فحزن بشدة وأصيب بأزمة قلبية ، ولكنه تعافى منها وقرر استئناف نشاطه الفنى، وفى مساء 13 سبتمبر 1957 عاد لمنزله بعد انتهائه من المسرح، وأصيب بأزمة قلبية، فقامت ميمى شكيب مسرعة باستدعاء الأطباء لإسعافه، ولكنهم لم يتمكنوا من إنقاذه ليرحل فى هدوء تاركاً تاريخاً فنياً مشرفاً وأعمالاً لا تنسى.
خلافات عائلية
رغم قصة الحب التى استمرت بين ميمى شكيب وسراج منير حتى وفاته، إلا أن العلاقة لم تكن جيدة مع الأسرة التى رفضت الزواج منذ البداية، وبعد الوفاة تجددت الخلافات مرة أخرى بعد اتهام والدة سراج منير لرزوجته ببيع أثاث المنزل حتى لا تمنحهم حقوقهم ، لترد عليها فى الصحف قائلة أنه مات مديوناً، ولم يترك لها شيئا ، كما انطلقت شائعة فى تلك الفترة أن حسن عبد الوهاب شقيق سراج منير تقدم للزواج من ميمى ، ولكنه نفى الخبر فى كل الصحف مؤكداً أن هذا لم يحدث على الإطلاق، وسواء توفى سراج منير مفلساً كما أدعت زوجته أو غنياً كما أكد أهله فإن الحقيقة المثبتة التى لا يختلف عليها اثنان أن أدواره كانت تميمة النجاح لكثير من الأعمال الفنية الخالدة.