بعد أن تخرج خالد صالح من الجامعة، أخذته دروب الحياة بعيدًا عن التمثيل الذي صال فيه وجال طوال سنوات الدراسة، وانشغل بالعمل التجاري، حتى سمع في يوم بعيد نداء يقظة خفي يدعوه لكي يواصل ما بدأه في تلك الأيام البعيدة، ولكي يصل ما انقطع، وبعد أن أضناه التفكير، قرر العودة إلى ما يبرع فيه، وما يملأ روحه بالنشوة رغم صعوبة الأمر، قرر العودة إلى التمثيل مجددًا عودة بينة.
ورغم عودته بعد تجاوزه سن الثلاثين بعدة سنوات، إلا أنه سرعان ما نجح في جذب انتباه كافة المتابعين والمشاهدين إلى حضوره الطاغي واستحضاره وتقمصه المتفرد للشخصيات التي مثلها، حتى أن الناقد السينمائي والسيناريست محمد رجاء قد اعتبره واحدًا من أمهر لصوص الكاميرا الذين عرفتهم شاشة السينما المصرية.
وفي هذا المقال، نسعى إلى استعراض كافة السوابق المشرفة للفنان الراحل خالد صالح في سرقة الكاميرا من خلال عدد من أعماله السينمائية.
1-سرقة فوق السطوح:
كان خالد صالح في فيلم ( خلي الدماغ صاحي) عضوًا في شلة الأنس التي كانت تتجمع من أجل تدخين الحشيش في المساء لكي تتناسى مشاكلها المزمنة التي تستعصي على الحل، وفي إحدى مشاهد الفيلم عندما تقوم زوجته ( كارولين خليل) بمعاتبته، تتحول نبرة الحوار وطريقة حديث خالد صالح على نحو متدرج من العتاب والسأم إلى المزاح والمشاكسة، خاصة بعد اندماجه في مونولوج يحدثها فيه عن حلمه بأن يكون له ولها شقة مستقلة.
2- سرقة في قاعة المحاكمة:
كان نصيب خالد صالح من فيلم ( محامي خلع) مجرد مشهد واحد فقط، لكن أداءه الهاديء وغير التقليدي في ذلك المشهد للقاضي الذي يشعر بالسأم قد أتي ثماره ونجح إلى أقصى الحدود في لفت الانتباه إليه، حتى مع كل صخب واستعراضية أداء هاني رمزي في نفس المشهد.
3- سرقة في إحدى المناطق المعزولة:
تعد شخصية العقيد رفعت السكري التي أداها خالد صالح ضمن أحداث فيلم ( تيتو) هي صاحبة الفضل في تعريف الجمهور المصري به على نطاق أكبر من ذي قبل، كما نجح كذلك في خطف الأضواء بشكل كبير من بطل الفيلم الرئيسي أحمد السقا، خاصة في المشهد الأيقوني الذي يقابل فيه تيتو العقيد رفعت السكري في منطقة معزولة، حيث يختتم الأخير المشهد بجملة ظلت إلى الآن حاضرة في أذهان كل من شاهدوا الفيلم في إجابة على سؤال تيتو له: " أنا بابا يالا".
4- سرقة في المنزل:
بات إبراهيم في فيلم ( أحلى الأوقات) واحدًا من أكثر الشخصيات المحبوبة التي قدمها خالد صالح في تاريخه السينمائي، بسبب اعتماده في الأساس على أكثر الصفات المألوفة والمعتادة لأي زوج مصري، مثل جمعه بين الطيبة وسرعة الغضب في آن واحد، بالإضافة إلى لمسة من اللامبالاة لما تقوله زوجته يسرية ( هند صبري)، مقدمًا أداء فريد يجمع بين ألفة الخصال وتفرد التقديم والمزج.
5- سرقة في سرادق العزاء:
طوال أحداث فيلم ( ملاكي إسكندرية)، كان منتصر (خالد صالح) لاعب أساسي وبالغ المهارة لدرجة أنك لا تشعر إنه يحمل تحت يديه الكثير من أوراق اللعب، وفي مشهد عزاء والده الذي يكشف فيه عن دوره في اللعبة، تتلون نبرة صوته قبل أن يصارحه أدهم ( أحمد عز) من التهدج والبكاء إلى النبرة الواثقة عندما يعترف له بنصيبه من المال "2 مليون".
6- سرقة في الصحراء:
لقاء ثان مع أحمد السقا في فيلم ( حرب أطاليا)، وهذه المرة مع شخصية "بكر الرويعي"، المجرم المتوتر سهل الاستثارة وسريع الغضب، والذي يعبر عن ذلك طوال الوقت بصوته العالي، بالإضافة إلى اللجوء إلى الحركات العصبية المستمرة سواء بيديه أو برأسه، وربما كانت أكثر لحظات خالد صالح تألقًا في ذلك خلال افتتاحية الفيلم، حينما يكون بكر في أقصى لحظات توتره وغضبه، فلا يملك شيئًا سوى الصراخ الهستيري.
7- سرقة خلال لقاء عائلي:
تحتل شخصية مجدي حسنين (خالد صالح) مساحة صغيرة دراميًا في ( عن العشق والهوى)، لكنها كانت مساحة كافية لكي ينفرد بها تمامًا، خاصة في مشهده الشهير الذي يشرح فيه بشغف وأريحية الأسباب التي جعلته يقع في هوى بطة ( غادة عبد الرازق) حتى على الرغم من كل ما يعرفه عنها.
8- سرقة في المكتب:
لم يكن الجمع الغفير من الممثلين الذين اجتمعوا في فيلم ( عمارة يعقوبيان) بحائل أمام خالد صالح في الظهور، بل على العكس، ففي كل المشاهد التي جمعته بالفنان نور الشريف، كان يملك القدرة طوال الوقت على سرقة الكاميرا منه بجدارة، خاصة مع نظرة عينيه الثاقبة والحادة، وإجاباته القاطعة، ويكفي أن تذكر طريقته عندما كان يقول: "إنت بتكلم راجل يقدر يوقف البلد" ثم يصمت لهنيهة ويواصل بإيماءة واثقة: "ويقعدها".
9- سرقة في قسم الشرطة:
آخر أفلام المخرج يوسف شاهين ( هي فوضى)، والذي شارك في إخراجه مع خالد يوسف كان فرصة ذهبية أمام خالد صالح لكي ينطلق كما شاء له من خلال شخصية "حاتم"، أمين الشرطة العنيف الذي اعتاد على القول أكثر من الاستماع، والذي يبتكر له خالد صالح طريقة كلام أنفية ذات إيقاع سريع ولهجة آمرة عنيفة، حتى أننا نتعرف على "حاتم" في بداية الفيلم من خلال صوته وهو يدير لنا - نحن المشاهدين - ظهره قبل أن يستدير نحو الكاميرا.
10- سرقة في الظلام:
مع كل الكاريزما التي يتمتع بها الريس عمر حرب، كان أمر طبيعي أن يحمل الفيلم نفس اسم الشخصية التي أداها خالد صالح في أحداثه، وتبرز هذه الكاريزما من خلال الهدوء الشديد ونظرة العين الثابتة وملامح الوجه المميزة للاعبي البوكر التي لا تحمل أي مشاعر ظاهرة، ومع فيلم كهذا يحمل حواره صيغة الوصف الأدبي، تصير التركيبة أكثر ظهورًا خاصة في المشاهد التي ينفرد فيها بخالد ( هاني سلامة) لكي يحدثه عما تعلمه من الحياة.
11- سرقة في الاجتماع:
كان فبراير الأسود فرصة هائلة لكي ينطلق خالد صالح على الصعيد الكوميدي على نحو غير مسبوق في مسيرته السينمائية، خاصة مع خلطة المواقف التي يقع فيها الدكتور حسن سعيًا وراء تحقيق الأمان له ولأسرته، والتي تتكفل على تقديم مفاجأت كثيرة من حيث لا يحتسب المشاهد.