"إن عبور حرب أكتوبر ليس فقط عبور للقنال أو لخط برليف، بل كان عبورا بالوطن بأكمله من ظلام الحروب إلي نور النصر".
وعلى الرغم من أهمية هذه الفترة إلا أن الأفلام التى تم إنتاجها لتوثيق هذه الفترة التاريخية قليلة جدا بالنسبة لأهمية هذا الحدث، إلى جانب أنه تم ايقاف إنتاج بعضها ومنع البعض الآخر من العرض بسبب الظروف السياسية التي كانت تعيشها الدولة في هذه الفترة، أو ربما لتناولها للوضع السياسي بشكل صريح، فلم تلقَ رضا الحكام.
فمعظم السيناريوهات التي كتبت للسينما خلال تلك الفترة وتم تصويرها متشابهه بشكل كبير وتدور حول البطل المحارب أو الحبيب الذي يؤدي خدمته العسكرية على الجبهة دون التطرق إلى تجسيد وتصوير الحرب ذاتها ، وقد تكرر عرض تلك الأفلام بشكل مستمر في مناسبات مثل ذكرى أكتوبر وتحرير سيناء كل عام، أشهرهم فيلم العمر لحظة، الطريق إلى إيلات، الرصاصة لا تزال في جيبي، وأبناء الصمت.
حتى باتت هذه الأفلام راسخة ومعتادة ومكررة، وعلى الرغم من ذلك فقائمة الأفلام الوثائقية التي تسرد بطولات الجيش المصري لتحرير سيناء كثيرة ولكن ليس أغلبية الشعب من محبيها أو علي علم بكيفيه البحث عنها.
وفي هذا التقرير يرصد موقع السينما، أهم 5 أفلام عن حرب أكتوبر منهم من منع من العرض تماما علي شاشات التلفزيون والأخرون أفلام لا يعرفها الجمهور بسبب سوء الميزانية والدعاية.
1- فيلم الاستعراض الأخير
وتأتى أهمية هذا الفيلم لأسباب ثلاثة أولها: أن الأحداث التي يتناولها مكثفة في مدة قصيرة لا تزيد على 15 دقيقة وثانيا: أنه من تأليف وإخراج مخرجنا الكبير محمد فاضل، أما السبب الأخير، والذى يمثل انفرادا فهو أنه بطولة النجم العظيم الراحل نور الشريف، وهذا لم يذكره أى كتاب من الكتب التي رصدت مشواره الفني.
تم تصويره في ثاني أيام انتصار أكتوبر في 1973 وتم إيقاف عرض الفيلم عقب توقيع معاهدة السلام في 26 مارس 1979، بناء على توجيهات الأمن العام، ورغم أهمية أسماء صناع هذا الفيلم فإنه لم يعرض سوى مرتين، واحدة في أثناء المعركة، والمرة الثانية كانت بعد سنوات طويلة بفضل اللواء حسن أبو سعدة الذي شاهده أول مرة، وعندما تولت زوجته السيدة سهير الأتربي رئاسة التليفزيون طلب إعادة عرضه فأعيد مرة ثانية، ومن وقتها لم يعرض بعدها على الإطلاق.
وعن سر منع عرض الفيلم قال محمد فاضل بصوت حزين مليء بالغضب: عليك بتوجيه سؤالك إلى المسئولين في التليفزيون؟! أنا متأكد أنهم لا يعرفون شيئا عن هذا الفيلم أصلا!، وقال أيضا هذا الفيلم من الأفلام التي أعتز بها جدا في مشواري الفني، خاصة أنه بطولة النجم الكبير الراحل نور الشريف، وهو من تصوير نسيم ونيس، ومونتاج شريف فيظي، كما أنه من إنتاج التليفزيون المصري، ورغم قصر مدة الفيلم نحو 12 أو 13 دقيقة، فإنه يتناول جانبا مهما لم تتعرض له السينما المصرية التسجيلية أو الروائية القصيرة من قبل، حيث كانت إسرائيل تقيم كل عام استعراضا عسكريا تقدم فيه أسلحتها الحربية التي أهدتها إليها الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت تختار يوم 15 مايو ذكرى تأسيس دولة إسرائيل، لعمل هذا الاستعراض.
وفي أثناء حرب أكتوبر وبالتحديد يوم 8 أكتوبر بعد أسر العقيد «عساف ياجوري» قائد اللواء «190» مدرع – أشهر أسير إسرائيلي - وهو نفس اليوم الذي أطلقت عليه إسرائيل «اليوم الأسود الحزين» لأنه أكثر يوم خسرت فيه عددا من المدرعات والجنود، ومن هنا جاءتني فكرة الفيلم، وهى مقارنة بين الاستعراض الأخير لإسرائيل يوم 15 مايو، واستعراضنا لقواتها وأسلحتها المدمرة وجنودها الأسرى على أرض سيناء بداية من يوم 6 أكتوبر.
ونظرا لعدم وجود استوديوهات تصوير في التليفزيون يوم 9 أكتوبر عام 1973، وعدم وجود معدات إضاءة، وعدم وجود «ماتريل» للتصوير، وحماسي الشديد للمشاركة في حرب أكتوبر كأى جندي في المعركة، استطعت التغلب على كل هذه الصعوبات، فمثلا اضطررت أولا لتصوير نور الشريف ــ الراوى - وهو يعلق على أحداث الفيلم في ممر أمام باب شقته في شارع الإسراء بميدان لبنان في المهندسين، مرة وهو واقف، ومرة أخرى وهو جالس على الأرض كأنه على الرصيف، وهكذا تم التغلب على صعوبة التصوير.
2- فيلم زائر الفجر
أخرجه ممدوح شكري عام 1973 بطولة ماجدة الخطيب وعزت العلايلي، ويحكي الوضع السياسي الذي تشهده البلاد في تلك الفترة، وتم منع الفيلم من العرض للإسقاطات السياسية التي تملأه، ومنع من استكمال عرضه بدور السينما، مما أصاب منتجته ماجدة الخطيب بالإحباط، فحاولت ماجدة مقابلة الرئيس السادات لتطلب منه إجازة فيلم زائر الفجر لكن هذا لم يحدث، الأمر الذي أصاب مخرجه ممدوح شكري بالاكتئاب إلى حد الموت.
أنتجه "قطاع الإنتاج" بالاشتراك مع عادل حسني عام 1999، وقيل إن ميزانية الفيلم وصلت 16 مليون جنيها، فيلم يحمل الكثير من الحقائق التي لا يعلمها الكثير عن حرب أكتوبر، ولكن منعه الرئيس الأسبق "مبارك" من العرض لمدة 12 عاما حيث إن الفيلم يتحدث عن سلاح الدفاع الجوي وعن عن المشير محمد علي فهمي، قائد قوات الدفاع الجوي، ويظهر مدى إسهامه في إنجاح الحرب، والذي كان رئيس سلاح الطيران وقتها.
الفيلم من إخراج محمد راضي وقصة إبراهيم رشاد، وبطولة محمود ياسين وفاروق الفيشاوي وأحمد بدير وحنان ترك وخالد النبوي .
يتناول الفيلم في قالب بانورامي فترة حرب الاستنزاف والعمليات الجوية التي كان يشنها الطيران الإسرائيلي على أهداف عسكرية ومدنية داخل الأراضي المصرية، وتصدى قوات الدفاع الجوي لهذا العدوان المتكرر، ثم عمليات تطوير قوات الدفاع الجوي، ومراحل بناء حائط الصواريخ، وإسقاط الطائرة الإسرائيلية "كوزرا"، التي كانت تمثل آنذاك قمة تكنولوجيا الإستطلاع. كما يتناول الفيلم الجوانب الاجتماعية من حياة الأفراد والضباط بالقوات المسلحة.
وهناك أيضا فيلمان حديثان تم إنتاجهما مؤخرا عن حروب ومعارك شبه جزيرة سيناء، لكن الإنتاج تم بجهود ذاتية، ولم تتم الدعاية بشكل كاف عن تلك الأفلام
4- الكتيبة 418
فيلم مصري أنتجته المجموعة 73 مؤرخين والمهتمين بتوثيق التاريخ الحربي المصري عام 2015، الفيلم من بطولة مشتركة من مجموعة من الشباب، والفيلم من تأليف احمد زايد ،الفيلم مدته 76 دقيقة، ويتناول بطولة الكتيبة 418 قصه الصراع المصري الاسرائيلي خلال فترة 1967 مرورا بفترة الاستنزاف وصولا الي المعركه الكبري وهي حرب اكتوبر وانتصار القوات المسلحة وبطولة الدفاع الجوي في "بورسعيد"، وتصديها للهجوم الجوي الإسرائيلي على مدار 8 أيام من القتال والفيلم من إخراج وليد ساري.
5- أسد سيناء
البطل سيد زكريا خليل هو جندي مصري من سلاح المظلات المصري وهو البطل الحقيقي لقصة الفيلم، أحد شهداء حرب أكتوبر 1973، استطاع وحده إيقاف كتيبة كاملة من الجيش الإسرائيلي، وذلك بعد استشهاد كل كتيبته في المعركة، وقد استُشهِد البطل في الحرب وظل في عداد المفقودين خلال حرب أكتوبر ولا تُعرف عنه أيّة معلومات، حتى اعترف بها جندي إسرائيلي شارك في الحرب، وذلك في حفل للدبلوماسيين، وقام بتقدم متعلقاته التي احتفظ بها طوال هذه الفترة إلى السفارة المصرية في ذلك الوقت.
تم إنتاج الفيلم عام 2016 وتم تصويره في أماكن حربية حقيقية محاكاة للأحداث، مثل مدرسة أنشاص ومدرسة الصاعقة وغيرهما من الأماكن العسكرية والصحراوية من بطولة عمرو رمزي إخراج حسين السيد.
ومن هنا نطرح سؤال هام وهو هل استطاعت السينما المصرية أن تقدم فيلما روائيا أو وثائقيا جادا يمكن أن يجسد انتصار أكتوبر العظيم ؟
بكل صراحة لم تقدم بعد، ربما يكون سبب هذا أن تلك النوعية من الأفلام تحتاج إلى ميزانيات كبيرة، ولكن إذ امكن تقديمها بشكل فني جيد يرضي جماهير السينما وتكون مبتعده كل البعد عن الأكليشيهات المحفوظة من الممكن أن تحصد تلك الأفلام إيرادات أكبر من ميزانيتها.
ولا أطالب كما يطالب البعض بفيلم سينمائي يتناول انتصار أكتوبر كوحدة واحدة بشكل جيد، ولكني أطالب بأفلام سينمائية تستغل هذا الحدث بشكل سينمائي فني راقِ وجاد، وتعيد تقديمه للجمهور، صدقا في دفاتر هذا الانتصار العديد من المعارك والبطولات ما يكفي ويفيض لتغذية السينما المصرية بأفلام تضاف إلى أرشيفها، ربما آن الأوان أن نتعلم من السينما الأمريكية على سبيل المثال، وتعاملها مع قصص الحروب ومعاركها وتقديمها لأفلام ذات قيمة فنية جيدة، ونحن نملك كل مقومات صناعة السينما من كتاب ومخرجين وممثلين وشركات إنتاج يمكنها تقديم عمل فني جاد لتوثيق حرب أكتوبر ويكون مرجعا للأجيال القادمة.