جـنـيـنــــة الأسـمـــاك يستحق المشاهدة

طالعنا في هذه الأيام الفيلم الجديد \" ليسرى نصر الله \" جنينة الأسماك والفيلم هو عبارة عن تجربة سينمائية بديعة لمخرجه يسرى نصر الله وكاتبه ناصر عبد الرحمن بالاشتراك فى الكتابة مع المخرج . لا يلتزم الفيلم بخط درامي متصاعد بالشكل المعتاد في الأفلام الروائية ولكن يتخذ من وحدة الموضوع رابطاً بين أحداثه والفيلم لا يعطى نفسه للمشاهد بسلاسة ولكن يلزمه التفكير العميق ومحاولة الربط بين الأحداث حتى يستطيع إدراكه . ويستخدم الفيلم أسلوب برخت في كسر الإيهام والذي هو ببساطة يذكرك بين الحين والأخر أن هذا فيلم يتم تمثيله ولا تكاد تندمج مع الأحداث والشخصيات حتى يطالعك مشهداً يذكرك بذلك ، ليقول لك العمل في النهاية أن الهدف ليس سرد قصة بعينيها وهو بالأحرى ليس جذبك كمشاهد إلى الأحداث وتعاطفك معها بقدر ما هو استرعاء انتباهك إلى الخيطً الذى يربط أوصال الفيلم . ومن ثم يحثك على التفكير والبحث والانتباه . ومع ذلك فإن الفيلم يعطيك مفاتيحه منذ البداية ويضع يدك عل موضوعه من الوهلة الاولى وما عليك الا تتبع ذلك الموضوع وافتراضه رابطا يربط أوصال العمل وهذا التتبع للموضوع هو الذي يقابل في السرد السينمائي التقليدي الإيهام أو الاندماج مع الأحداث والتعاطف مع الأبطال . يقدم الفيلم مجموعة من الشخصيات الخائفة فى قرارة نفسها ليكون الخوف هو الرابط المسيطر على الاحداث. فمن خلال عرض شخصية ( ليلى بكر ) التي تقوم بدورها الفنانة هند صبري والتي تعمل مذيعة إذاعية لبرنامج \" أسرار الليل \" يدخل بنا الفيلم إلى عالم الليل عالم الأسرار والليل هنا يرمز لعالم التستر والإخفاء والاختفاء . والأسرار هي البوح بما هو مخفي . ومن خلال اتصال المستمعين بهذا البرنامج وبوحهم بأسرارهم التي يخفوهنا عن الناس والتي لا يبوحون بها إلا بهذه الطريقة . تتحاور معهم ليلى وتناقشهم في أسرارهم . وعلى جانب أخر هناك دكتور تخدير يدعى يوسف – عمرو واكد – يمارس هواية مشابهة وهي الاستماع إلى اعترافات المرضى أثناء إفاقتهم من البنج . ولكن كلا الشخصين يستمع إلى الأسرار ولا يبوح بسره لأحد ويتخذان من أسرار الناس قناعاً ومن جدية ملامحهم غطاءاً لخوفهم الشخصي وأسرارهم المخيفة . وقبل أن استرسل في سرد أحداث الفيلم . أريد أن أذكر المشاهد أن مفتاح الفيلم أعطى له منذ البداية وقبل بدء الأحداث من خلال المواطن الذي اتصل ببرنامج \" أسرار الليل \" وأعلن أنه خائف من كل شيء \" خائف من الزحام ومن السلطة ومن الأحزان ومن أمريكا وإسرائيل خائف من الأسعار ومن المستقبل \" وهكذا يأخذنا الفيلم لاستعراض حياة شخصيات خائفة تعبر عن خوفها بطرق مختلفة . وعودة إلى بطلي الفيلم والذي نتكشف جزء من حياتهما شيئاً فشيئاً . فيوسف دكتور التخدير يعمل بالنهار في مستشفى حكومي ليكون هذا العمل هو الوجه الأول له الوجه الصلد الخالي من الأسرار لكننا ما نلبث أن نكتشف أنه يعمل ليلاً في عيادة مشبوهة لإجهاض وترقيع الساقطات والمغتصبات والمغرر بهن . ندخل معه هذا العالم السري الملئ بالأخطاء والضحايا ونتعرف على رغبته في التلصص على أسرار الأخرين ونكتشف أيضاً الخوف الساكن داخل هذه الشخصية الخوف من الوحدة حتى أنه ينام في سيارته تاركاً الشقة الموحشة بالوحدة التي يمتلكها والخوف الغامض من جنينة الأسماك التي يراها من أعلى في ليلة من الليالى فيستشعرها مثل مخ بشري خارج جمجمته لها شكل عنكبوتي شبحي غامض يستثير في النفس خوفاً باطنياً يشبه الخوف من المتاهة أو الدوامة التي يستعصي على الإنسان الخروج منها . كل هذا باح به يوسف إلى ليلى من خلال مكالمة تليفونية لبرنامجها \"اسرار الليل\" فأصابها الخوف وكما لو أن الخوف انتقل إليها أو بالأحرى غذى خوفها فهي تخاف الوحدة وتخاف العيش بمفردها . ولا يلتقي يوسف بليلى إلا في نهاية الفيلم عندما تذهب مع بنت جارتها لتلك العيادة المشبوهة فتعرفه من صوته ويعرفها من صورتها ثم يضيعان في سرمد الليل القاهري مرة أخرى . والفيلم مليء بالتفصيلات والخطوط الدرامية الصغيرة والتي تتكامل جميعها في تجسيد الخوف . فهناك والد يوسف المريض بمرض عضال والذي يخاف الموت ويعبر عن هذا الخوف بالثرثرة والاعتراض على ابنه والدواء ومكان السرير يعترض على كل شئ لا لشئ الا لانه خائف من الوحدة والمرض والموت ، ذلك الدور الذي أداه جميل راتب بخبرة الممثل القدير . وهناك صاحبة الشقة التي ذهبت ليلى لاستئجارها تلك السيدة المسيحية المسكونة بخوف اعتلاء المتطرفين السلطة والتي أدت دروها ببراعة سماح انور ، والتي كانت تخبرنا أنها ليست خائفة من شئ قال ذلك وهي ترتعد خوفاً بأداء تمثيلي رائع . وهناك مخرج ومهندس صوت البرنامج الإذاعي \"اسرار الليل \" الذي يقوم بأداء دوره باسم سمرة والذي يكشف لنا عن حبه الصامت لليلى ويقص لنا عن حياتها ما يكشف خوفها من الوحدة وخوفها من كلام الناس لو عاشت بمفردها وعلاقتها برجل صاحب نفوذ يستغل جمالها استغلال مادي يقف في منطقة وسطى غير واضحة بين الشرعية وعدمها . يكشف لنا باسم سمرة من خلال أداء متميز عن حكاية الأميرة والعصفور التي ألفتها ليلى ورسمها هو وعرضها يوسف شريف رزقة الله علينا بالأبيض ولأسود لتكون عاملاً من عوامل كسر الإيهام ولتخلص لنا أهمية ألا يقف الإنسان على الحياد بين رغباته وبين رغبات الناس وخوفه منهم وما يمكن أن يخسره من وقت ومن عمر ومن حب إذا هو أطال الوقوف بين نور ما يريد وظلام ما يخاف منه ولعل هذا ما دعى المخرج لاستخدام الأبيض والأسود في تمثيل هذا الحلم . وهناك أيضاً أحمد الفيشاوي الروائي والشاعر الذي يدخل المستشفى لإجراء جراحة وهي نفس المستشفى التي يعمل بها يوسف ويعالج فيها أبوه لتنشأ علاقة إنسانية بين والد يوسف وبينه ربما جمعها الخوف من الموت . والفيلم على المستوى البصري يتمتع بكادر رائع وصورة جمالية ترتفع في بعض لقاطاتها لمستوى التشكيل البصري الجميل وكأنها تابلوه مرسوم بعناية جسدت فيه حجوم اللقطات وحركة الكاميرا احساس الخوف لدى الشخصيات وكانت اللقطات في بعض إجزاء الفيلم بطيئة وطويلة بشكل أزعم أنه مقصود ولكن من وجهة نظري أنها في مواضع بعينيها كان يمكن أسراعها قليلا دون الاخلال بشئ . استطاع المخرج من خلال كاميرته أن يجسد الخوف المبهم عند البشر ومن خلال لقطات صامتة وطويلة تحدثت الكاميرا بذلك الخوف وتكلمت عن عالم الأسرار الخفي . ولعل الفيلم قال ما يريد عندما جعل الشخصيتان الرئيسان في الفيلم يتحديا خوفها ولو بالمحادثة فيوسف قرر أن يزور جنينة الأسماك رعبه الغامض وليلى ذهبت لمعاينة الشقة التي رفضت في البداية أن تراها ولعل ثورتهما على ذلك الخوف جعلاهما يتلاقيان في النهاية بينما ذهبت الشخصيات التي ماتحدت خوفها إلى الظل .

وفي النهاية هذا الفيلم بديع يستحق أن يرى عدة مرات كي تدركه كله أو بعضه فهنيئاً لمخرجه ولأسرة الفيلم

نقد آخر لفيلم جنينة الأسماك

عنوان النقد اسم المستخدم هل النقد مفيد؟ تاريخ النشر
جنينـة الاسمــاك ... لوحـة سنيمائيـة تعبرعن واقـع الحياة Morad Mostafa Morad Mostafa 4/4 25 مارس 2009
جـنـيـنــــة الأسـمـــاك يستحق المشاهدة محمد رفيع محمد رفيع 7/8 15 ديسمبر 2008
لوحة فنية بديعة Sherif El-Fouly Sherif El-Fouly 0/1 18 ديسمبر 2008
احد اروع ماقدمت السينما في عشر سنوات رشدي  زاهر رشدي زاهر 3/3 9 اكتوبر 2009
فيلم مؤثر Mohamed Ahmed Mohamed Ahmed 0/0 10 ابريل 2012