تدور قصة الفيلم حول الطيار ويب (دينزل واشطن)، الذي تتعرض طائرته للتحطم، فيحاول جاهدا إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وينجح في ذلك بإنقاذ 98 راكبا، ومع التحقيق في ملابسات الحادث يفاجأ بأصابع الاتهام تشير إليه،...اقرأ المزيد ويُتَّهم بالتسبب في تحطمها بعد أن يتم الكشف عليه ويثبت إدمانه الكحول.
تدور قصة الفيلم حول الطيار ويب (دينزل واشطن)، الذي تتعرض طائرته للتحطم، فيحاول جاهدا إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وينجح في ذلك بإنقاذ 98 راكبا، ومع التحقيق في ملابسات الحادث يفاجأ بأصابع...اقرأ المزيد الاتهام تشير إليه، ويُتَّهم بالتسبب في تحطمها بعد أن يتم الكشف عليه ويثبت إدمانه الكحول.
المزيدالنقد قد يحتوي على معلومات تحرق القصة ... إلى متى يمكنك الكذب على نفسك والآخرين؟ لو أن في داخلك بقايا لشخص قويم، فلابد وأن تأتي تلك اللحظة لا محالة، لابد من لحظة تتوقف فيها عن الكذب، وتواجه نفسك وتواجه أخطاءك وتتحملها. يأخذنا فيلم "رحلة طيران" في جولة شيقة مأساوية حول حياة "ويب ويتكر"، وهو طيار مدمن على شرب الخمر، ويقوم بدوره دينزل واشنطن. يبدأ الفيلم بصباح يوم تقليدي من حياته، حيث الشرب واللهو طوال الليل، بينما لديه رحلة طيران ليقودها في الصباح، يستيقظ على مكالمة من زوجته السابقة تطالبه بمال،...اقرأ المزيد وأول ما يفعله عندما يفتح عينيه هو أن يأخذ شربة خمر وينتشي بالكوكايين كي يبدأ عمله في نشاط. علاقته بزوجته السابقة وابنه محطمة، صديقته "كاترينا ماركيز" التي باتت معه الليلة هي أيضا مدمنة خمر، وأحد أفراد طاقمه. باختصار "ويب" يعيش حياة تعيسة مفككة باختياره هو، ولا يعترف بذلك ويعوض هذا الدمار النفسي والاجتماعي بإدمانه على شرب الخمر، بل ويعتبر نفسه سعيدا كجزء من الدائرة التي يعيش وسطها، دائرة الوهم والخداع والعجز عن تغيير نفسه. يقلع "ويب" بطائرته-106 راكبا ومنهم 6 أفراد يمثلون طاقمه-في رحلة داخلية في الولايات المتحدة، في طقس ممطر عاصفي إلى حد ما، ينجح في الإقلاع ببراعة ويخرج من المنطقة سيئة الطقس إلى شمس النهار الساطعة، والأمور تصبح آمنة ومستقرة، يطمئن ركابه، ويمنع شرب الكحول في الرحلة لاحتمال مواجهتهم لمطبات هوائية في الطريق، بينما هو يخلط زجاجتين من الفودكا بعصير البرتقال كي يشربهما دون أن يشعر به أحد. بعد نصف ساعة تقريبا من القيادة الآلية الآمنة تواجه الطائرة موقفا عصيبا، الطائرة تفقد دفتها فجأة وتصبح في وضع عمودي، مما يؤدي لسقطوها بسرعة جنونية ووجهها لأسفل من ارتفاع تسعة كيلومترات. استطاع "ويب" أن يهبط بالطائرة في وضع أفقي في حقل فارغ ببراعة شديدة، وقام-كقائد الطائرة-باتخاذ أفضل القرارات والاختيارات على الإطلاق، وهي اختيارات مستحيلة أنقذت الطائرة و96 راكبا على متنها، مع العلم أن عشرة من أفضل الطيارين في الولايات المتحدة لم يستطيعوا القيام بهبوط آمن بتلك الطائرة في نفس ظروفها في برنامج المحاكاة، وفي كل مرة تتحطم الطائرة ولا ينجو منها أحد قط. الجميع يعلم أن ما فعله "ويب" عملا بطوليا خارقا، وأنه بطل أنقذ 96 شخصا بشكل مباشر. يفيق "ويب" في المستشفى بإصابات طفيفة، ليعلم أن اثنين من طاقمه قد توفيا في الحادث، منهم صديقته "كاترينا". يأخذ "ويب" قرارا جادا بأن يقلع عن الشرب، وبالفعل ينفذ هذا القرار الذي عزم عليه منذ أن فتح عينيه في المستشفى، ولكنه دون أن يدري يتعرف على "نيكول" مدمنة المخدرات على سلم المستشفى الخلفي، ويأخذ عنوانها. المدمن دائما ما يبحث عن صديق يشاطره ما يفعله، لكي يشعر بالأمان، لكي يشعر بالفوقية والسيطرة، لكي يشعر أنه بخير. وبما أنه فقد "كاترينا" التي كانت تملأ هذا الفراغ، فسرعان ما وجد البديل الذي يستطيع ملأه من بعدها. لكن مهلا، لقد أقلع "ويب" عن الشرب! لكن سرعان ما ذل وعاد للشرب مرة أخرى، خاصة بعدما علم أنه يحتمل أن يسجن بسبب قيادته للطائرة وهو مخمور، ولو ثبت أنه هو السبب في مقتل هؤلاء الستة بإهماله، سيحكم عليه بالسجن مدى الحياة. وأول ما يفعله عندما يعود للشرب مرة أخرى هو البحث عن "نيكول" لكي تملأ فراغ "كاترينا"، وطد علاقته بها لكنه كان قد صادفها وقد أقلعت عن التعاطي، وتواظب على الذهاب إلى اجتماعات دعم المدمنين، ولها راعية تساعدها في محنتها وثباتها على تعافيها. تحاول "نيكول" مساعدته ولكن لا فائدة، فهو مصر على الشرب وعلى أذى نفسه ومن حوله، فلا تجد مفرا إلا أن تتركه وترحل بعيدا. الفيلم يطرح سؤالا آخر جدليا، ألا وهو هل يمكننا التحكم في الأحداث التي تداهمنا؟ وهذا يقودنا لسؤال آخر أهم، هل نحن مجبرين على فعل بعض الأشياء ولنا العذر في ذلك؟ أم أن لنا الاختيار فيها وبالتالي لابد وأن نحاسَب على اختياراتنا؟ "ويب"-على حد تعبيره-اختار أن يشرب، ترك الدنيا من حوله تشتعل واختار أن يشرب، رفض مساعدة "نيكول" وصديقه المخلص "شارلي" ومحاميه "هيو" واختار أن يشرب، ترك زوجته وابنه واختار أن يشرب، أقلع عن الشرب بعد الحادث، وبعد أول ذلة اختار أن يشرب، مكث قبل المحاكمة في بيت صديقه "شارلي" لمدة ثمانية أيام كي لا يشرب، وبات وحده في فندق ليلة المحاكمة، واختار أن يشرب، ويوم المحاكمة نفسها اختار أن يشرب، وذهب إلى المحاكمة وهو مخمور، قد يكون الإدمان مشكلة ولا يمكن التحكم فيها، لكنه في النهاية اختار ألا يطلب المساعدة من مركز تأهيل. والمفارقة أن نفس من ارتكب تلك الخيارات السيئة في حياته، قام بأفضل الخيارات الممكنة في معالجة مشكلة الطائرة، ونجح بالهبوط بها وانقاذ ركابها. مشكلة الطائرة حدث لا دخل لـ “ويب" به، لكن اختياراته التي قام بها هي وتفاعله مع الحدث هو ما فعل التأثير وفعل الحاضر والمستقبل، اللذان كانا سيتغيران تماما لو قام باختيارات أخرى مباينة. كذلك إدمانه لشرب الكحول، قد يكون مشكلة لا قبل له بها وشيء مجبر عليه-رغم اعترافه بعكس ذلك-لكنه اختار ألا يطلب المساعدة، واختار الهروب والكذب ونفض من حوله بأنانية وغضب شديدين. وقت المحاكمة قد حان، القاضية تعترف بأن سبب مشكلة الطائرة هو الإهمال في صيانة الدفة، مشكلة تصنيع وصيانة، وليس لـ “ويب" دخل فيها، وتعترف أن "ويب" هو من أنقذ الطائرة والركاب، وقام بما لم يقم به غيره، ومالم يكن ليقوم به غيره لو كان مكانه على الطائرة، "ويب" بطل لا محالة، لكن هل كونه بطلا يعفيه من المساءلة عن إهماله في قيادته للطائرة وهو مخمور؟ بالطبع لا. جاءت اللحظة الحاسمة، قليل من الكذب وينجو بفعلته، نعم لم أكن مخمورا، نعم لم أتناول الخمر لا يوم الرحلة ولا الأيام الثلاث السابقة لها، نعم لم أكن أبدا أعاني من مشكلة في إدمان الكحول في أي مرحلة من حياتي، كذبة أخرى فقط لا غير وينتهي هذا الكابوس، وأعود لدائرتي العزيزة، دائرة الوهم والخداع والعجز. القاضية لـ “ويب": هل تعتقد أن "كاترينا" شربت يوم الرحلة؟ هل تعتقد أنها هي من شربت زجاجتي الفودكا على متن الطائرة؟ تفكير عميق وتردد من "ويب"، ثم يقرر فجأة أن يتوقف كل هذا العبث، لن يكذب مرة أخرى على نفسه والآخرين، لن يكون أسيرا لدائرته مرة أخرى وليكن الثمن ما يكون، ناهيك عن تلطيخ سمعة "كاترينا" للأبد، وهي التي قد أنقذت طفلا صغيرا في الطائرة أثناء سقوطها ولم تبالِ بإنقاذ نفسها، هي أيضا بطلة مخمورة مثله، كفى كذبا، كفى أنانية إلى هذا الحد. لا، ليست "كاترينا" هي من شربت زجاجتي الفودكا، أنا من شربهما، نعم كنت مخمورا يوم الرحلة والأيام الثلاث السابقة لها، بل أنا أيضا مخمور الآن. أنا بطل نعم، لكنني أخطأت، أنا كنت سجينا نعم، لكنني الآن حر لأول مرة في حياتي رغم أنني في السجن.
عنوان النقد | اسم المستخدم | هل النقد مفيد؟ | تاريخ النشر |
---|---|---|---|
دراسة نفسية متعمقة | دعاء أبو الضياء | 4/4 | 24 ديسمبر 2012 |