أراء حرة: فيلم - المعدية - 2014


«المُعَدِّيَةُ».. جسر أصحاب الأحلام المُجهضة إلى المستقبل !

المُعَدِّيَةُ في اللغة العربية هي «الزورق الصغير أو المَرْكب الذي يُعْبَر عليه من شاطئ إلى شاطئ». وهو الاسم الذي اختاره عطية أمين عنواناً لتجربته الإخراجية الأولى،بعد دراسته فن التحريك في «المعهد العالي للسينما»،وإبداعه في مجال المؤثرات والخدع البصرية،فالعنوان الذي كتبه محمد رفعت (صاحب أفلام : «كشف حساب»،« جوبا »،«آخر الدنيا» و«انت عمري») هو «فارس أحلام» في إشارة إلى قصة الحب التي جمعت بين الشاب «فارس» والفتاة «أحلام» لكن عطية أمين كان أكثر حصافة عندما استقر على عنوان «المُعَدِّيَةُ»،كونها...اقرأ المزيد الجسر الذي يربط بين عالمين متناقضين؛أولهما مُهمش يعاني أهله الفاقة والبطالة في جزيرة معزولة،والثاني متحضر سمته الصخب والضجيج والزحام لكنه يمثل الأمل لشباب الجزيرة في الخروج من النفق المظلم،وتحقيق الأحلام المجهضة ! على إيقاع موسيقى ناعمة (خالد الكمار وأحمد مصطفى) راحت الفتاة «أحلام» ـ دُرة ـ تتهادى في الحواري الضيقة التي تنطق بالبؤس والعوز في طريقها إلى «المُعَدِّيَةُ»،التي تقلها إلى عملها في محل الكوافير،وعلى الشاطئ تلتقي فتاها «فارس» ـ هاني عادل ـ العائد من نوبتجيته الليلية كحارس أمن،وعلى نفس الوتيرة الهادئة تستعرض الكاميرا (رءوف عبد العزيز) واقع الجزيرة،التي يقتلها الفقر،وأهلها الذين يقدمهم الفيلم بوصفهم ضحايا هزمتهم أحلامهم؛فالبطلة تُدعى «أحلام» لكنها عاجزة عن تحقيق حلم الارتباط الشرعي بفتاها،وشقيقها «حسين» ـ أحمد صفوت ـ عاد من غربة،دامت ثلاث سنوات،مهزوماً يجر أذيال الخيبة،يحمل مشاعر فاترة حيال زوجته «نادية» ـ مي سليم ـ وابنته «ضحى» التي تخشاه،ولا تشعر أنه أباها،وقسوة على شقيقته التي يرفض زواجها من صديقه «فارس»،بحجة فقره وعجزه عن تكوين نفسه،وكأنه يُرد الصفعة،حسبما واجهته شقيقته، التي تلقاها يوماً من أهل فتاته «إيمان» ـ انجي المقدم ـ الذين رفضوه،وأرغموها على الزواج من غيره،وانتهى الأمر بطلاقها بينما قادت الظروف القاسية الصديق الثالث «منصور» ـ محمد علي ـ إلى الهاوية،بعد أن تحول إلي الاتجار في المخدرات والنساء وسرقة السيارات فيما تقف الأم ـ لمياء الأمير ـ مغلوبة على أمرها وابنها «فارس» يقرر تركها،وشقيقه الأصغر،ليتلظي في نار الغربة ! صورة مأساوية رأينا من خلالها،وعبر 98 دقيقة،ضحايا مجتمع أغلقت أبواب الأمل في وجوههم،وواقع يبعث على الشفقة والرثاء،نجح المخرج عطية أمين في تجسيدها على الشاشة بإيقاع دقيق ومتماسك (مونتاج داليا الناصر)،باستثناء مشاهد ما قبل النهاية،واجتهاد واضح في توظيف العناصر الفنية،كالصورة (الكاميرا تقترب من البطلة فتكشف أوجاعها من دون كلمة واحدة والأغصان اليابسة في الخلفية تعكس قسوة وجفاف الواقع) والإضاءة (القمر نصف المُضيء يهبط من السماء ويُعري حال الشخصيات بينما الضوء الخافت يعكس بؤس الحارة)،والأغنيات تُعلق على المواقف الدرامية ( شادية تغني "اتعودت عليك" وفايزة أحمد تترنم "ياما انت واحشني" بينما تشدو أم كلثوم "كان لك معايا أجمل حكاية" ويبتهل النقشبندي "ماشي بنور الله") وعلى النقيض جاءت أغنية «بتوحشني»،التي كتبها محمد سرحان ولحنها إيهاب عبد الواحد وغناها حسام حبيب،خارج السياق،ولا مبرر لوجودها ! حالف التوفيق المخرج في الاستعانة بمهندس ديكور نابه (حمدي عبد الرحيم) وستايلست موهوبة (مروه عبد السميع) أضفيا مصداقية وواقعية على الأحداث،واختار توليفة غير تقليدية من الممثلين (درة مع هاني عادل،أحمد صفوت،مي سليم ومحمد علي) نجحت في التعبير عن أزمة جيل عجز عن مجاراة الواقع،والعبور إلى الشاطئ الآخر،لكن جانبه التوفيق في اختيار عزت أبو عوف في دور الصعيدي؛إذ لم يتقن اللهجة،وبدا مستعاراً شكلاً،ومضموناً،فيما يتحمل الكاتب محمد رفعت مسئولية الزج غير المبرر بشخصية المسيحية «ايفون» ـ سلوى محمد علي ـ وطقوس الزواج في الكنيسة،كما يتحمل مسئولية الحوار الذي يتناقض والثقافة المحدودة،والخلفية البسيطة،للشخصيات،لكنه يستحق الثناء لإيجازه في توصيل رسائل غير مباشرة عن تسريح العمال نتيجة الكساد الاقتصادي،وأصحاب رأس المال غلاظ القلوب،والخوف الذي يدفع صاحبه إلى الالتجاء إلى القوة ليخفي ضعفه،والمجتمع المتناقض الذي يرفض الحب في العلن،ويشجع من يرتكب الإثم في الخفاء ! مثلما جاء فيلم «المُعَدِّيَةُ» مُغايراً لتوقعي،وانطباعي السلبي الذي تكون،نتيجة استياء عدد من النقاد من الفيلم،عقب عرضه في الدورة العاشرة لمهرجان دبي السينمائي،جاءت النهاية بمثابة المفاجأة غير المتوقعة التي تكشف اجتهاداً في التناول،وطزاجة في توظيف العناصر الفنية،وهو ما يُحسب للمخرج،في تجربته الأولى،وللشركة المنتجة التي اختارت الاحترام شعاراً لباكورة إنتاجها .


في "المعدية"... ما هو حاصل جمع فارس + أحلام؟

في العادة، لا يكون اللجوء للأساليب الكلاسيكية في الفن أمرًا خاطئًا على الإطلاق، بل على العكس، قد يكون بالأحرى مفيدًا إذا توافرت من وراءه رؤية فنية متكاملة تبرر هذا اللجوء، والأهم، أن تكون هذه الرؤية متسقة مع السياق العام للحكاية ولا تتناقض معها، ولكن السؤال: كيف ستكون النتيجة عندما يتوجه صانع الفيلم بكيانه نحو الحاضر، بينما يكون عقله في نفس اللحظة منحصرًا في الماضي، وخاصة عندما يكون صانع الفيلم اعتمد على تلك الصيغة طيلة مشواره الفني ليضمن رواج أعماله بسهولة؟ في "المعدية"، الفيلم الجديد للطبيب...اقرأ المزيد والكاتب محمد رفعت، الذي حتى وإن كان يبدو مختلفًا بعض الشيء عن بقية أفلامه للوهلة الأولى من خلال تناوله لشريحة مجتمعية مغايرة للشريحة المجتمعية التي كانت تتسيد أعماله السابقة مثل "إنت عمري" أو "آخر الدنيا"، إلا أنه يحتفظ بنفس الروح التي وقفت وراء بقية الأعمال من خلال هذا الخليط بين عصرية الأجواء الحالية وقدم الأسلوب السردي، وهو ما نال عليه المؤلف العديد من الانتقادات في أعماله السابقة، وها هو الأمر يتكرر مجددًا هنا. في البداية، قد يبدو استغلال نهر النيل ومراكبه التي تعبر بركابه من ضفة لآخرى وتطويعها دراميًا هو أمر مبشر وجيد، لكن المشكلة الكبرى تكمن في الدلالات التي يحملها المؤلف على التيمات البصرية بالنظر إلى السياق العام، والتي تبدو دلالات مستنفذة وشديدة البديهية، وتحول الأمر إلى نوع من المقاربة البصرية، فالنيل في هذا السياق يصير مرادفًا للحياة أو للقدر، والذي يحمل كل منا عبر المراكب أو "المعديات" إلى مسارات حياتية مختلفة، كما أنه قد يتصادف أن البعض منا قد يصل للضفة التي يبغيها، والبعض لا. الأمر بهذه البساطة. في نفس السياق، يعول الكاتب كعادته في القصة التي يرويها على عامل القدر تقريبًا بشكل منفرد، وبالرغم من القدرة الهائلة لعامل القدر –في المطلق– على توليد الدراما والصراع، إلا أنه لا يكفي أن يتم الاعتماد عليه هو فقط، ولا يجعل من المبرر كذلك أن تُسلب من الشخصيات أي بادرة للإرادة الذاتية على الدوام لصالح القدر، لأن ذلك قد يدخل في نطاق التبرير، ولا يجعل الشخصيات تفعل شيئًا في حياتها سوى ندب حظها التعس، وهو ما نلاحظه في المسار الذي آلت إليه على سبيل المثال قصة حسين (أحمد صفوت) وإيمان (إنجي المقدم) من حب وفراق، وهو نفس المصير الذي يهدد علاقة فارس (هاني عادل) وأحلام (درة زروق) بسبب ما عاناه حسين شقيق أحلام في تجربته الشخصية. واستكمالا لسيطرة النزعة القدرية، يطغى على الفيلم في كافة حواراته فكرة المونولوج، أو الحوار المنفرد، أكثر من الحوار المشترك، وهو ما تقوم به جميع الشخصيات تقريبًا، حيث تنبري كل شخصية في أكثر من مشهد بشرح كل الظروف والملابسات التي أدت بها إلى المسار الحياتي الذي آلت إليه على مسامع الشخصيات الأخرى، وربما تعد شخصية "منصور" تاجر المخدرات هى الشخصية الأكثر تطرفًا في الفيلم في اللجوء للمونولوج كأداة درامية، وهى أداة باتت هى الآخرى شديدة الاستهلاك والابتذال في الأفلام المصرية. على صعيد التطور الدرامي للشخصيات، قد يراود المشاهد الشعور بأن الكاتب لا يعرف للألوان الرمادية طريقًا، إما أبيض أو أسود، إما أن تتطور الشخصية بسرعة مطردة أكثر من اللازم، أو لا تحرك ساكنًا طوال الأحداث ولا تتطور، إما أن يتحول منصور من فرد أمن إلى تاجر مخدرات ثم يعود للعمل الشريف مرة أخرى في صحوة لم تتعد اليوم والليلة "حرفيًا"، وإما أن يخيم شبح الثبات على شخصية نادية (مي سليم) ولا نراها تتحرك قيد أنملة طوال الأحداث، وتكتفي بدور المراقب لما يدور في منزلها، وما يطرأ على زوجها حسين من تقلبات مزاجية. في تجربته الإخراجية الأولى، يحاول عطية أمين قدر المستطاع أن يتعامل مع مادة الفيلم بهدوء إخراجي شديد قد يحسب له في بعض اللحظات، لكن المشكلة الرئيسية أن المادة الدرامية بصخبها الواضح لا تسعفه إطلاقًا في ذلك، كما أن الاستخدام المفرط والمستسهل للموسيقى التصويرية –والذي بات شيئًا مقدرًا في السينما المصرية– يفسد الكثير من المحاولات الحثيثة للمخرج لكي يصنع صيغة مغايرة للقصة، خاصة في الطريقة التي تعلو بها على الدراما.