الدونجوان.. الولد الشقى.. فتى أحلام الفتيات.. هذا هو أحمد رمزى الذى عرفه جمهوره، وتلك الصورة التى كان يحاول التأكيد عليها طوال الوقت بانطلاقه ومرحه و قميصه المفتوح والسلسلة التى تتدلى من رقبته، لكن الحقيقة أن حياة رمزى لم تكن بهذه السعادة التى حاول إظهارها أمام جمهوره، فقد كانت بها الكثير من المآسى والأحلام المفقودة، فيما بين ابن معاق لا يقوى على الحركة، وحلم بالعالمية لم يتحقق، وحتى الموت وحيداً فى إحدى قرى الساحل الشمالى بعيدا عن الصخب والضوضاء، حاولنا فى الذكرى الأولى لوفاته أن نضىء تلك الجوانب المظلمة فى حياة الفتى الوسيم.
ولد أحمد رمزى أو رمزى محمود بيومى فى 23 مارس عام 1930 فى حى الزمالك الأرستقراطى لأسرة متوسطة الحال، فوالده كان أستاذ الجراحة بكلية طب قصر العينى، أما والدته كانت اسكتلندية الأصل ، عرفها والده عام 1914 عندما كان يدرس الطب فى إنجلترا، تعرض الوالد لمحنة شديدة عندما فقد جميع أمواله فى البورصة ، فلم يستطع تحمل هذه الصدمة، ومات بالسكتة القلبية، وكان رمزى حينها فى التاسعة من عمره، لتتولى والدته تربيته وشقيقه حسن الذى يكبره بعشر سنوات، أظهر حسن نبوغاً فى الدراسة منذ سنواته الأولى فيها، فدرس الطب وسافر إلى بريطانيا التى أكمل بها دراساته العليا فى الطب ليعمل ويتزوج ويستقر فيها، أما رمزى فلم يكن مثل أخيه الأكبر، ولكن على الرغم من ذلك التحق بكلية الطب، لأن تلك كانت أمنية والده الراحل، ولكنه لم يستطيع الاستمرار بها سوى سنتين فقط، ليتركها بعدها مفضلاً عليها دراسة التجارة.
البداية .. دور خادمة
عندما التحق رمزى بالكلية لم يكن التمثيل أحد اهتمامته، وانحصرت علاقته بالفن فى مشاهدة الأفلام الجديدة، ومتابعة العروض المسرحية التى تقدمها كُليته، وفى إحدى الأيام كان فريق التمثيل بالكلية يقدم مسرحية "السلاح والرجل" للكاتب الإنجليزى برنارد شو، وكان رمزى يحفظ المسرحية من كثرة مشاهدته لها، وفى اليوم الرئيسى للعرض غابت الممثلة التى كانت تقدم شخصية الخادمة فجن جنون مدرب الفريق وكان انجليزياً له باع طويل فى شئون المسرح، ووسط حيرته عرض عليه أحد الطلبة المشاركين فى العرض أن يرسل لرمزى ليقدم الدور، ورغم غرابة الموقف، طلب منه المدرب القيام بالدور لإنقاذ الموقف، فوافق من باب التهريج والشقاوة، ولكن المفاجأة أنه فوجىء باستحسان الجمهور لدوره، وإعجاب المدرب البالغ بأدائه ، ومن هنا بدأ اهتمام الولد الشقى بهذا المجال، وساعده على ذلك علاقته بصديق عمره الفنان عمر الشريف الذى كان زميلاً له فى فيكتوريا كوليدج، حيث كانا يلتقيان سوياً فى محل جروبى، ويحدثه عمر عن أحلامه الفنية ورغبته فى أن يصبح ممثلاً، فبدأ رمزى أيضا يعشق المجال ويهتم به، ولكن مع ذلك لم يحاول كلا منهما أن يخطو خطوات جدية فى المجال، حتى كان لقائهما بالمخرج الكبير يوسف شاهين عن طريق صديق مشترك، حيث بدأ شاهين يتحدث معهما حول دراستهما وهواياتهما وأحلامهما، وبعد مرور أيام على هذا اللقاء فوجىء رمزى بصديقه عمر الشريف يخبره أن شاهين استطاع إقناع المنتج جبرائيل تلحمى بأن يقوم بدور البطولة فى فيلم صراع فى الوادى، فشعر رمزى بمرارة لضياع الفرصة الأولى التى انتظرها، ولكنه فى نفس الوقت كان سعيداً بحصول صديقه على الدور، فيقول فى إحدى حواراته الصحفية عن هذا الموقف أحسست بفرحة عارمة أعقبتها مرارة شديدة لضياع الدور، إلا أن هذه المرارة سرعان ما تلاشت بعد أن عرفت أن من أخذ الدور الذى كنت أحلم به هو صديقى عمر الشريف وهنأته وحبست دموعى، فكنت اعتبر نجاحه فوزاً لى.
لم يبتعد رمزى عن صديقه بعد نجاح صراع فى الوادى، بل ظل ملازماً له، حتى أنه وافق على العمل كأحد أفراد طاقم التصوير فى فيلم شيطان الصحراء إخراج يوسف شاهين والبطولة الثانية لعمر.ومضى وقت طويل حتى لعبت الصدفة دورها معه مثلما حدث سابقاً مع عمر الشريف، وحدث هذا أثناء ممارسته للعبة البلياردو التى يهواها فى إحدى الصالات بوسط القاهرة، حيث رآه المخرج حلمى حليم، وأدرك أنه يصلح للتمثيل، لأنه تنويعة جديدة على غرار النجم الأمريكى جيمس دين، فعرض عليه العمل فى السينما، من خلال فيلم أيامنا الحلوة ورحب رمزى بشدة خاصة عندما علم أنه سيشارك مع صديق عمره عمر الشريف، إلى جانب فاتن حمامة و عبد الحليم حافظ، ولكن حدثت أزمة عندما أراد حلمى حليم تغيير اسمه، لأنه وجد أن رمزى بيومى ليس اسماً سينمائياً، ولكنه رفض بشدة، وكان الحل الوسط الذى رضى به رمزى إضافة اسم أحمد ليصبح من بعدها اسمه الفنى أحمد رمزى.
حقق الفيلم نجاحاً كبيراً، واستطاع رمزى أن يثبت وجوده فى الفيلم إلى جانب النجوم الآخرين، لتنهال عليه العروض السينمائية، حيث وجده المخرجون نمطاً مختلفاً عن النجوم الموجودين على الساحة، والذين يقدمون أدوار الشباب بنوع من الكلاسيكية والوقار، أما رمزى فكان نموذجاً للشاب الذى يتمتع بخفة الدم والانطلاق والمرح، وشهدت فترة الخمسينات والستينات تقديمه لعشرات الأفلام الناجحة، فقدم مع عبد الحليم حافظ أيام وليالى، بنات اليوم و الوسادة الخالية، والتقى مع فريد الاطرش فى ثلاثة أفلام أيضاً هى ودعـت حبك ، حكاية عمر كله و الخروج من الجنة ، بالإضافة للعديد من الأفلام المتميزة مثل أين عمرى، القلب له أحكام، عائلة زيزى، الأشقياء الثلاثة، ابن حميدو وغيرها من الأفلام التى تنوعت أدواره فيها ما بين البطولة المطلقة أو الدور الثانى.
اعتزال التمثيل
مع بداية السبعينات قلت أدوار رمزى بشدة، لأن السينما فى تلك المرحلة لم تكن متوافقة مع طبيعة أدائه ، وكان من أهم أفلامه فى تلك المرحلة الأبطال، العمالقة مع المخرج حسام الدين مصطفى، الأحضان الدافئة مع المخرج نجدى حافظ، لغة الحب مع المخرج زهير بكير، وفى منتصف السبعينات قرر اتخاذ القرار الصعب وإعلان اعتزال السينما، وقال فى حوار صحفى قديم له قررت اعتزال التمثيل بعد مواجهة النفس، فقد واجهت نفسى بتقدم العمر واختلاف الزمان ، ووقفت أمام المرأة فشعرت أنني أشاهد شخصاً آخر تقدم به العمر ولم أعد الولد الشقى، فقررت الاعتزال لتظل صورتى كما هى بنفس رونقها القديم.
لم يستطع رمزى الابتعاد بشكل نهائى، فكان يشارك فى بعض الأعمال بشكل متقطع، ففى عام 1983 شارك فى فيلم حكاية وراء كل باب بعد إلحاح المخرج سعيد مرزوق والفنانة فاتن حمامة، وبعد 15 سنة من الغياب عاد بفيلم قط الصحراء عام 1995 مع نيللى و يوسف منصور، أما آخر أعماله السينمائية فكان فيلم الوردة الحمراء من إخراج إيناس الدغيدى عام 2000، ولم تقتصر مشاركته على السينما فقط، إذ قدم مسلسلين تليفزيونيين أحدهما مع صديقته النجمة فاتن حمامة فى وجه القمر والآخر مع صديقه الفنان عمر الشريف، حيث ظهر كضيف شرف فى حنان وحنين.
ثرثرة فوق النيل
عندما كان يُسئل أحمد رمزى عن أفضل أدواره ، دائما ما كان يجيب دون تردد ثرثرة فوق النيل وهو الفيلم كتب قصته الراحل نجيب محفوظ وكتب له السيناريو والحوار ممدوح الليثى وأخرجه المبدع حسين كمال، وكان سر اعتزاز رمزى بهذا الفيلم هو جرأته غير المعهودة والتى لامست المحرمات الثلاث السياسة، الجنس، والدين، ولعب رمزى دور ممثل يقوم ببطولة الأفلام الهابطة ويدير عوامته لأعمال منافية للآداب يرتكبها أصدقاؤه الذين يمثلون شرائح مختلفة من المجتمع خلال فترة الستينات التى شهدت انتصارات وانكسارات ألقت بظلالها على الشعب.
حلم العالمية
على الرغم من النجاح الكبير الذى حققه رمزى فى السينما، إلا أن الحلم الأكبر الذى تمنى تحقيقه وفشل فيه هو أن يصبح نجماً عالمياً مثل صديقه عمر الشريف، وفى حوار سابق له قال رمزى أنه رُشح للقيام بدور كبير فى فيلم الإنجيل، إلا أنه أُبلغ بأن هناك أوامر عليا تمنع مشاركته فى هذا الفيلم.
وبسبب رغبته فى المشاركة فى السينما العاليمة وقع خصام بينه وبين عمر الشريف، بسبب ما ظنه من أن عمر لم يساعده على اقتحام هذا الميدان مع إنه مثقف ويجيد عدة لغات، من خلال تعريفه بالمنتجين والمخرجين العالميين الذين يتعامل معهم، لكنه بعد فترة اتضح له أن ضيق وقت عمر وانغماسه فى عمله وكثرة مسئولياته لم تتح له فرصة تقديمه لهؤلاء المخرجين والمنتجين، فنسى رمزى كل شىء وزال الخصام.
أزمة الإفلاس
كانت التجارة هى الطريق الذى اختاره أحمد رمزى بعد اعتزاله التمثيل، حيث قرر ذلك حتى يستطيع العيش فى المستوى الذى اعتاد عليه، خاصة أنه لم يدخر شيئاً من العمل بالفن، وبالفعل بدأ مشروع تجارى ضخم اعتمد على بناء السفن وبيعها، وهو المشروع الذى استمر يعمل به طيلة عقد الثمانينات وحتى بداية التسعينات حين اندلعت حرب الخليج الثانية، وتأثرت تجارة رمزى إلى الحد الذى بات فيه مديوناً للبنوك بمبالغ ضخمة تم بمقتضاها الحجز على كل ما يملك.
3 زوجات
على الرغم من أن أحمد رمزى كان يظهر فى معظم أدواره بدور الشاب الشقى الذى يقيم علاقات نسائية متعددة، وعلى الرغم من وسامته الشديدة التى جعلته فتى أحلام الفتيات، إلا أنه لم تكن لديه العديد من العلاقات والتجارب مثل صديقيه المقربين عمر الشريف و رشدى أباظة، فقد تزوج ثلاث مرات ، الأولى كانت من السيدة عطية الله الدرمللى والدة ابنته الكبرى باكينام ، أما الزواج الثانى فكان من الفنانة نجوى فؤاد، ، أما آخر زيجاته فكانت السيدة اليونانية نيكولا ، وعن زيجاته الثلاثة تحدث رمزى فى حوار قديم له قائلا كانت عطية الله من عائلة أرستقراطية جداً، وجمعتنا قصة حب كبيرة وتزوجنا سريعاً فى عام 1956 ودون مراسم زفاف، وشقتنا كانت دون أى عفش كان بها سرير وثلاجة وبوتاجاز، وبعد زواجنا بفترة قررنا دعوة أصحابنا للاحتفال بزفافنا واستلفت من الجيران كراسى، لكني شعرت أن بيتنا فارغ فوضعت شجرة كريسماس فى منتصف الصالة وطلبت من عم فلفل، مدير أعمالى أن يقف على باب الشقة ولا يُدخل أحد من المدعوين إلا بعد أن يشرب كأسين من الفودكا، وعم فلفل كان شكله مخيفًا، وبالفعل كان كل مدعو يشرب الفودكا يسْكر تمامًا فيدخل البيت ولا يشعر أن بيتنا فارغ وكأنه يرى أمامه البيت مزدحماً، وفى الحقيقة هذا كان من تفكيرى لأننى كنت أشعر بالخجل من المحيطين بى، وكنا نحب بعضنا كثيراً ولكن بعد فترة بدأ الحب يتسرب من بيننا ولم نعرف ما السبب، وكانت الغيرة سبباً في كثير من المشكلات لكنى ما زلت أذكرها بالخير، الزيجة الثانية كانت من نجوى فؤاد، وكان لى صديق صحفى اسمه كمال الملاخ وصديق آخر كان وقتها رئيس تحرير أشهر مجلة لبنانية، وكانا متراهنين بينهما أن يجعلوننى أتزوج من نجوى، وبالفعل ذات يوم كنت فى بيتها ووجدت عندها أحمد فؤاد حسن وكان فارضاً نفسه عليها فطردته من بيتها وحدث بينى وبين أحمد فؤاد حسن مشادة كبيرة، وفي اليوم التالي ذهبت إلى الاستديو، فقال لي عم فلفل إن الملاخ اتصل بى 40 مرة ويريدنى فى مكتبه، فذهبت إليه وقال لى بسبب الخلاف الذى حدث بينك وبين أحمد فؤاد حسن أمس في منزل نجوى فؤاد خرج ومر على كل الصحف، وأبلغهم أن رمزى كان في منزل نجوى فؤاد وسينشر الخبر غداً في الصحف وستكون فضيحة كبير، وعندما وجدنى غير مهتم قال أعرف أنك لا يفرق معك كثيراً، لكن نجوى سيلحق بها أذى كبيراً، وقال لى إذا كنت بالفعل تحبها وتخاف عليها تزوجها، فوافقت على الزواج منها حفاظاً على سمعتها. ولكننى لاحظت بعدها اختلاف فى طباعى عن طباع نجوى وشعرت أن قرار زواجنا جاء دون أى تفكير فقررنا الانفصال بعد ثلاثة أسابيع من زواجنا ، و أخر زيجة كانت نيكولا، تعرفت عليها عندما كانت تأتى مصر مع والدها الذى مارس مهنة المحاماة لفترة فى مصر، وشعرت بتقارب شديد واتفاق كامل فى وجهات النظر وبعد الزواج أدركت أن اختياري كان صائباً وأثمر زواجنا عن ابنتنا نائلة التى تعمل حالياً محامية ولديها طفلان وقد أسمت ابنها رمزى، وبعد مرور عامين على إنجاب نائلة، أنجبنا ابننا الثانى نواف ، وهو مريض منذ سنوات ويقيم فى لندن.
مواقف وطرائف
كانت فى حياة النجم أحمد رمزى العديد من المواقف الطريفة التى لا تنسى من تاريخ الفنان الكبير، ولعل أهمها قصته مع المذيعة الشهيرة ليلى رستم، حيث تسبب فى طلاقها دون قصد بعد حوارها معه عام 1965 فى برنامج نجمك المفضل بعدما داعبته قائلة "ياختى عليه" فى أثناء اللقاء حاولت رستم أكثر من مرة إبداء استنكارها لفتح رمزى لقميصه وارتدائه الخرزة الزرقاء، ورد عليها بقوله: "فيها إيه لما يكون القميص مفتوح، والخرزة الزرقا دى حاجة شخصية، مضيفاً أنا حطيت الخرزة علشان العين، أصلى بخاف منها، والمدام هى السبب علشان خايفة على"، فانطلقت الضحكات داخل قاعة التصوير، وعلقت المذيعة بقولها "ياختى عليه".
بعد إذاعة اللقاء شعر زوج ليلى رستم بالغيرة، ونشبت خلافات بينه وبين زوجته وصلت إلى الطلاق بعد اتهامه لها بمغازلة أحمد رمزى.
الموت وحيداً
عاش الفتى الوسيم سنوات عمره الأخيرة فى إحدى قرى الساحل الشمالى، ترك القاهرة بزحمتها وضوضائها واختار أن يقيم فى هذا المكان البعيد مع مساعده والطباخ والسائق، حيث عاش فى هدوء حتى توفى قبل عام بعد أن اختل توازنه فى حمام منزله عن عمر يناهز 82 عاما، ولكنه بقى فى أذهان عشاقه الشاب الدونجوان الذى تعشقه الفتيات.