بعد مرور ما يقرب من أربعين عام أو أكثر على حرب أكتوبر المجيدة مازالت السينما المصرية عاجزة عن تقديم دراما واقعية يمكن من خلالها نقل ما حدث بالفعل أثناء تلك الحرب العظيمة من معارك ومشاهد حربية سالت بسببها دموع قادة الجيش الإسرائيلي، وإظهار تلك الحقيقة بصورة حية أكدت على القدرات الخيالية التي قدمها الجيش المصري، حتى الأفلام التي تم تقديمها خلال السنوات الماضية لم ترقى للتعبير عن تلك الحرب العظيمة وما نتج عنه من كرامة للشعب المصري وإرجاع الحقوق المسلوبة من أرض ودم، ولم تسجل وتخلد براعة الجندي المصري ودوافع النصر...
وإذا تذكرنا بعض الأفلام التي حاول مخرجيها نقل صورة عن الحرب وماحدث فيها من معارك ضد الجيش الإسرائيلي نلاحظ أنهم سعوا لتقديم ذلك بأقصى جهد إلا إنه جاء أقل ما يمكن لوصفها، ولم تؤرخ الأحداث السياسية التي مرت بها البلاد وقتها؛ وبالبحث في الأسباب التي كانت وراء تقلص أو عدم إقبال المخرجين على تقديم تلك الأفلام؛ نلاحظ أن الإنتاج كان السبب الأول والرئيسي الذي أدى إلى ذلك، حيث أن نوعية تلك الأفلام تتطلب ميزانية كبيرة جداً لتقديم عمل ناجح ينقل تلك الصورة الواقعية بشكل مقبول، بالإضافة إلى أن نقص المعلومات الحربية عما حدث وقتها قد يقيد المؤلفين عن تقديم سيناريو محكم، وكذلك قلة الأفكار والإبداع في تقديم قصة تناسب قوة الحدث نفسه، ونلاحظ أن أغلب الأفلام التي صُورت قامت الدولة متمثلة في قطاع الإنتاج بإنتاجها عندما عزف المنتجون عنها بالرغم من أن هناك أفلام كثيرة أخرى قُدمت بميزانيات مهولة.
ومن المضحك دائما أنه لا يتم تقديم أعمال فنية التيمة الرئيسية فيها تدور عن الحرب؛ وإنما نلاحظ أن البناء الدرامي فيها يقوم على بعض القصص الاجتماعية ثم يتم إقحام الحرب فيها بجعل البطل ضابط بالجيش المصري مثل فيلم ( الوفاء العظيم)، و( حتى أخر العمر) أو جعل الشخصية المحورية بالفيلم لها علاقة حتى ولو بعيدة بالحرب مثل دور الفنانة ماجدة بفيلم ( العمر لحظة)، حيث قامت بدور صحفية تتولى تغطية ما يدور في الجبهة وتتعرف على ضابط جيش تقع في حبه...وقد يرجع كل هذا إلى فكرة السطحية والاعتماد بشكل كبير على المنطق التجاري وما ستجلبه تلك الأفلام من ربح لمنتجيها.
وإذا تدرجنا في ذكر الأفلام المصرية التي تم إنتاجها بعد الحرب، فسنجد أن أول هذه الأعمال فيلم (الوفاء العظيم) بطولة محمود ياسين و نجلاء فتحي و كمال الشناوي، والذي انتج بعد حرب أكتوبر مباشرة عام 1974 وأصبح مطبوعاً في ذاكرتنا بالرغم من أنه قام على قصة حب بين البطلين، ولم يتناول الحرب مباشرة وإنما زج بها بشكل ضعيف بدت كأنها مشاهد مضافة يمكن الاستغناء عنها ولن تخل بمضمون الفيلم إذا لم تذكر.
ومن أفضل الأفلام التي انتجت وقدمت بشكل جيد فيلم ( الرصاصة لا تزال في جيبي) بطولة محمود ياسين و نجوى إبراهيم و يوسف شعبان، حيث تناولت فترة كبيرة من الحروب التي مرت بها مصر بدءُ من حرب 67 وحتى حرب أكتوبر 73 وكيف تكاتل الغرب ضد مصر متناولاً، وأيضا ( أغنية على الممر) للمخرج علي عبد الخالق الذي يعتبر من أكثر المخرجين تقديماً لمثل هذه النوعية من الأفلام، و( أبناء الصمت) عام 1974 للمخرج محمد راضى.
وهناك العديد من الأفلام لم تتحدث عن حرب أكتوبر بصفة مباشرة وإنما تناولت الفترة ما قبل الحرب، وعن الدور المهم الذي قامت به المخابرات المصرية والحربية وقتها وكيف كانا لهما التأثير في نجاحها؛ مثل فيلم ( الصعود إلى الهاوية) للمخرج العبقري كمال الشيخ عام 1978، و( بئر الخيانة) بطولة نور الشريف و عزت العلايلي و( إعدام ميت).... وغيرها من الأعمال الناجحة.
ونضم إلى الأعمال السينمائية السابقة التي تناولت الحرب أو فترة ما قبلها الأعمال الدرامية التلفزيونية التي شاركت في تقديم صورة جميلة ونجحت أيضاً، ولاقت رواجاً كبيراً لطول التيمة نفسها منها مسلسل ( رأفت الهجان)، و( دموع في عيون وقحة) للكاتب الراحل صالح مرسي، و( السقوط في بئر سبع) و( وحلقت الطيور نحو الشرق) و( الثعلب) وغيرها.
وفي النهاية اعتقد أن تقديم مثل هذه الأعمال عن الجيش المصري والجنود يعتبر في حد ذاته تقديم صورة قوية عن مصر، فكلنا نلاحظ كمية الأفلام الأمريكية التي تم تصويرها وتقديمها عن الجيش الأمريكي والعمليات الخاصة والكوماندوز، واعتقد أن الاتجاه الأمريكي ركز على ذلك بشكل خاص ليؤكد للعالم أجمع أن الجندي الأمريكي جندي خارق للطبيعة لا يقهر حتى نجحت بالفعل في ترسيخ ذلك في عقول الكثييرين منهم.