كنت بسمع كثيرًا لفظ "فيلم وجودي" وكنت مش فاهم معنى الكلمة، وقعدت فترة لحد ما فهمتها، خدت الموضوع من أوله، اتفرجت على كورس مطول من أربعة وعشرين حصة عن الفلسفة الوجودية، وبعده كورس ثاني سمعته عن الفلسفة الوجودية في الأعمال الأدبية وبعدها قريت كثير عن الفلسفة الوجودية في السينما.
الكلمة شكلها كلمة "مثقفين" وممكن تحسسك أنها فذلكة شوية مدعين، ولو قعدت أشرحها كثير هاتزهق فأنا هابسط الموضوع على قد ما أقدر.
الفلسفة الوجودية كلها بتسأل عن سبب وجودنا هنا، عن رؤيتنا لنفسنا وتعريفنا لشخصياتنا وإيه هي هويتنا وهل عندنا فطرة معينة ولا لأ، وفي فلاسفة حتى بدأوا يتساءلوا إن كنا موجودين فعلا ولا ده مجرد خيال جوا دماغنا.
الفلسفة الوجودية عدى عليها فلاسفة كثير، منهم اللي كان متدين ومؤمن بالله ومنهم اللي كان مش متدين وبيتساءل من الصفر على افتراض أن وجودنا صدفة كونية مافيش وراها صانع على الأقل واعي بيطلب منا حاجة معينة.
في أفلام عالمية كثير تطرقت للثيمة ديه، وفي قوائم كثير موجودة على الإنترنت للأفلام ديه، يمكن أنا شخصيا شايف أن أفلام الأخوان " كوين" هي أكثر أفلام وجودية قربا لقلبي ولذوقي.
الأفلام المصرية اللي تعاملت مع الأزمة الوجودية وأزمة الهوية مش كثير، بس افتكرت كذا واحد فيهم فحبيت أتكلم عنهم، وترتيبهم هنا مش ترتيب على حسب الأفضلية بأي شكل.
كمال الشيخ هو أكثر مخرج مصري بحبه وبقدر إنجازاته الفنية، و يوسف السباعي كان الكاتب المفضل لي في مرحلة المراهقة، ولحد دلوقتي بحلم بإعادة صنع رواياته كأفلام حتى لو اتعملت كأفلام قبل كده.
اللية الأخيرة هو فيلمي العربي المفضل على الإطلاق، حتى من قبل ما أدرك أنه فيلم وجودي من الدرجة الأولى، "نادية برهان" صحيت من النوم لقت نفسها مرة واحدة بعد حوالي خمستاشر سنة والناس بتعاملها على أنها أختها "فوزية"، متجوزة الراجل اللي كان هايتجوز أختها، نادية عايزة تعرف هي مين، وإزاي عمرها ضاع، وهل ضاع ولا لأ.
سمعت أن الفيلم دخل مسابقة كان الرسمية بس لم يتاح لي التأكد من المعلومة ديه. الفيلم من عبقريته إنك لو شفته النهاردة مش هاتحسه فيلم قديم، وأنا شخصيا بأزعم أنه في مستوى أفلام هيتشكوك و بيلي وايلدر و أورسن ويليز اللي كانت بتتعمل في نفس الوقت.
اثنين عباقرة تانيين، يوسف شاهين و نجيب محفوظ يتحدان ليصنعا واحد من أفضل أفلام يوسف شاهين.
يوسف شاهين وصمه البعض كمخرج "مهرجانات"، لكن يوسف شاهين كان مخرج متنوع جدا، أفلامه فيها اللي فيه نسبة تجربة كبيرة وأفلام ثانية أنا شايفها أفلام بسيطة تجارية جدا.
الإختيار ممكن في الأول تقول إنه متشابه مع الليلة الأخيرة، ولكن ده مش صحيح، الفيلم هنا بيتعامل مع حالة انفصام في الشخصية -أو بمرض تعداد الشخصيات- والفيلم عن شخص مش عارف هو "محمود" ولا أخوه التوأم "سيد"، بعد ما أحدهم مات، الثاني قرر يعيش بالشخصيتين، ومش عارف السعادة موجودة في أنهي حياة منهم.
كمال الشيخ مرة أخرى، ونجيب محفوظ مرة أخرى يكتب سيناريو من قصة إحسان عبد القدوس، ومرة أخرى عن الانفصام في الشخصية أو ازدواج الشخصية.
مرض ازدواج الشخصية هو وسيلة درامية سهلة لتوضيح أزمة الهوية، ولكن الفيلم بيتكلم عن أزمة أعمق، وعن سؤال وجودي آخر، هل نريد الحب أم نريد الشهوة، أيهما يوصلنا للسعادة وأي حياة يجب أن نسلكها؟
من أفضل أفلام الثمانينات ومن أفضل أفلام محمد خان، قد يكون وضعي لهذا الفيلم في القائمة يحمله بما ليس فيه أو ما لم يقصده صناعه، ولكني أراه كفيلم وجودي يتساءل عن مفهوم الحضارة وهل هي وسيلة لإسعادنا أم لتعاستنا، فيلم عن اختيار أسلوب الحياة والوجود الأنسب وهل التطور في صالحنا كبشر أم لا.
مرة أخرى إحسان عبد القدوس، ولكن هذه المرة من إخراج عاطف سالم. فيلم عن القناعات الجديدة التي تأتي لنا على كبر فتجعل منا بشر آخرين غير ما تربينا عليه، وأيهما شخصيتنا الحقيقة، التي تربينا عليها أم التي اكتسبناها بعد الاقتناع بقناعات جديدة
لو اتفرجت على الفيلم ده النهاردة هاتحسه ينفع يبقى فيلم أمريكاني يتعمل دلوقتي، وفي شبه كبير من أفلام زي "سلايدينج دورز" أو "فاميلي مان" وهو معمول قبلهم في الخمسينات.
فيلم آخر لعاطف سالم، يتساءل عن معنى السعادة، هل هي كامنة في بناء الأسرة أم في تحقيق الذات. الفيلم عن شخص يرى حياته بسيناريوهين مختلفين، مرة كأب وزوج لأنه قبل الفتاة التي أحبها ومرة كمغني مشهور لو لم يكن قبلها. الفيلم ممتع حتى لو شوفته دلوقتي، بعد أكثر من ستين سنة من صنعه.
يوسف شاهين في فيلم آخر من أفلامه اللي ممكن نسميها "سيمي سيرة ذاتية"، الفيلم عن "يحيى" اللي بيقرب من الموت ويبدأ يتساءل عن حياته وفي ما أفناها، هل حياته كان ليها لازمة ولا لأ.
الفيلم عن شخص بيحاكم نفسه وبيتساءل لو كان اللي عاشه كفاية ولا لأ، وهل كان إنسان كويس ولا لأ. فيلم عن الهوية وعن رؤية الإنسان لذاته. واشترك في الفكرة يوسف إدريس.
نقدر نشوف في الأفلام ديه حاجة مهمة تكاد تكون مشتركة فيهم كلهم، إن معظمهم يا إما مبنيين على أعمال أدبية أو اشترك في كتابتهم أدباء، لإن الأدب هو أنسب وسيلة فنية للتساؤلات الوجودية، واشتراك الأدباء في كتابة الأفلام ديه حطت عليها السمة الوجودية ديه.
قد أكون تاني حملت الأفلام ديه بما ليس فيها، قد تكون مجرد قصص أراد صانعيها سردها بدون فلسفة وجودية وراها، ولكنها في النهاية وصلتلي الاحساس ده وخليتني أتساءل. لكنهم بالتأكيد.. أفلام حلوة ومهمة وعظيمة وتستحق التقدير.