"حار جاف صيفًا" كان أكثر صعوبة بمراحل من "حظر تجول"، وفي كليهما تعاملتُ مع نفس مدير التصوير، وهو فيكتور كريدي الذي أعتبره من أهم واكفأ من أضاف لصناعة السينما، فوجود مدير تصوير مثل فيكتور هو إضافة كبيرة جدًا، فهو أفضل وأذكى من يجيدون التعامل مع الشوارع الحقيقية وأماكن التصوير الخارجية، ومصادر اﻹضاءة الطبيعية.
لكن الفارق هو أن فريق العمل في "حظر تجول" كان صغيرًا، بينما في "حار جاف صيفًا" كان أعضاء الفريق يقاربون المائة مع معدات ثقيلة وكاميرا وسيارات.
في "حظر تجول" كان التصوير يجري ليلًا في ظل وجود حظر تجول فعلي وقتئذ، وبدون تواجد أي أشخاص في الطريق، ومع وجود عناصر من الجيش والشرطة، وهو أمر صعب، لكنه قابل للتنفيذ أكثر بكثير من التصوير نهار/خارجي في شوارع القاهرة مع وجود ممثلين وفريق عمل ومعدات ثقيلة.
هذه هي السينما ببساطة، اﻷمر يرتبط بمدى معرفتك وقربك من الشخصية التي تقدمها، وأنا أعرف شخصياتي جيدًا، ويمكن من خلال جملة حوارية أو تفصيلة أو لمحة صغيرة أن تروي الكثير عن الشخصية، وهو أمر يأتي بالتبعية عندما تكون على علم بمن تتحدث عنه وعندما تدرسه عن كثب.
هذه النقطة بالذات لها الكثير جدًا من التأويلات، وهو ما يشكل عبقرية الوسيط السينمائي، فخلال لحظات معينة من عملي على هذا الفيلم وأثناء المونتاج، لو أنني كنت أعمل من خلال أي وسيط فني آخر: رسم، موسيقى، شعر، أدب...الخ، ربما لم أكن لأستطيع التقاط هذه اللحظة ودفع المتلقي للشعور كما يشعر اﻵن في هذه اللحظة.
أرى أن خاتمة الفيلم مع عم شوقي تحمل وجهين، وكل منهما له روعته من وجهة نظري، اﻷول كحدث واقعي يحمل الكثير من المنطقية، والوجه اﻵخر كمجاز ﻷثر ما حدث له خلال ساعات معدودة.
في الوجه اﻷول يمكن القول بإنه قد شُفى، أو صار أفضل من الناحية النفسية، وكلها أشياء لها تأويلات علمية ومنطقية، فالحالة النفسية تُحدث فارقًا كبيرًا مع مريض السرطان، هل من الممكن اعتبار ما حدث خيالًا علميًا؟ ربما، هل هي رغبة المخرج؟ ممكن، كلها إجابات مشروعة في النهاية.
أما الوجه الثاني، فجمالها وتأويلها يعتمد باﻷساس على خيالك ورومانسيتك كمشاهد، وإلى أي مدى يمكنك كمشاهد أن تتقبل السحر الكامن وراء اللحظة.
في هذه المرحلة من حياتي، أريد أن تحمل أعمالي جرعات من التفاؤل والبهجة، لقد سئمت اﻷفلام الكئيبة، وأشعر أنه ليس من دورنا في الوقت الحالي أن نصنع هكذا أفلام، وبالطبع أنا أتحدث عن نفسي، ولا أنتقد من يصنع أفلامًا على هذه الشاكلة.
جزء كبير من متعتي الشخصية كمخرج أن أرى الكثير من المشاهدين يستمتعون بالحكاية التي أقدمها لهم، وأن أرى كيف نجحتُ في إمتاعهم، وهناك الكثير من الطرق التي يمكن بها إمتاع المشاهد. لقد كنت أشاهد فيلمي خلال فترة عرضه في زاوية للوقوف على ردود أفعال المشاهدين؛ وذلك كي أقف على أثره في الجمهور وما الذي لم يؤثر فيه، وفي النهاية قمت بصنع الفيلم الذي كنت أود صنعه.