تعد أعمال السير الذاتية شديدة الحساسية ومسؤولية كبيرة تُلقى على عاتق صناعها، خاصا إذا كان أصحابها شخصيات تركت بصمة كبيرة في أي مجال، وتقع المسؤولية مضاعفة مع سرد أحداث فترة زمنية محددة تعيد إلى أذهان الناس عشقهم للزمن الجميل، وربما كان أنجحها في الدراما المصرية مسلسل "أم كلثوم" و"العندليب" نظرا لاهتمام صناعها بجميع تفاصيل العمل سواء في اختيار الأبطال ومدى مصداقيتهم في الأداء وتقاربهم من الشخصيات الحقيقية أو في سرد الأحداث.
مع انطلاق عرض مسلسل "الضاحك الباكي" والذي يتناول السيرة الذاتية للفنان الكبير نجيب الريحاني، بجنب تقديم شخصيات كثيرة ذو ثقل مثل عزيز عيد وجورج أبيض وروز اليوسف ومحمد عبدالقدوس، بالإضافة إلى تعطش المشاهد لاستنشاق روائح الزمن الجميل; من هنا نبدأ في رصد سلبيات العمل وضعف محتواه واستسهال جميع صناعه وعدم اجتهادهم بشكل واضح منذ البداية وتحديدا مع الحلقة الرابعة ومع ظهور بطل العمل الفنان عمرو عبدالجليل والذي يتضح منذ البداية أنه غير مناسب للشخصية.
أهم ما نبدأ به معالجتنا للمسلسل هو سوء الاختيار لجميع الشخصيات، أولها بالنسبة للمراحل العمرية بداية من الفنانة فردوس عبدالحميد والتي لا يختلف أحد على تاريخها الفني الحافل المليء بالأعمال الدرامية الهامة، لكنها غير مناسبة للشخصية على الإطلاق حتى مع مرور الحلقات الأولى وتخطي أولادها لمرحلة الطفولة فكانت امًا لشباب في المرحلة الثانوية أو الجامعية; فجاء أدائها باهتا سواء في الحركة أو المشاهد الانفعالية وردود الافعال، ويليها الفنان عمرو عبدالجليل والذي يحتاج في تقييمه إلى عدة وقفات، حيث لا يتناسب مع المرحلة العمرية التي يمثلها ولم يتخلص من عباءة الشخصية التي جسدها في أفلام خالد يوسف ومنها فيلم "دكان شحاتة" و"كلمني شكرا"، والذي يردد فيها إيفيهات معكوسة يستخدمها في الكثير من أعماله، علما بأن عمرو عبدالجليل له رصيد جيد لا بأس به في أعمال كثيرة سابقا، ولكن في النهاية المشاهد يحب أن يراه في حالة فنية معينة ومن ثم لم يستطع التوغل داخل ثوب الريحاني، بل استمر عمرو عبدالجليل بجميع مخارج ألفاظه. أما بالنسبة لبقية شخصيات المسلسل فكانت أيضا غير موفقة لم يستعينوا فيها حتى بنجوم صف ثاني، ولم يجتهد صناع العمل على الاطلاق في تدريب وتوجيه الوجوه الجديدة بشكل يتناسب مع شخصياتهم.
وعن الجوانب الأخرى للعمل وعلى رأسها السيناريو والحوار والذي جاء ركيكا مليء بالايفيهات المفتعلة لم يوفق فيها علي الإطلاق الكاتب محمد الغيطي، بينما تقع المسؤولية الأكبر على عاتق المخرج محمد فاضل، والذي لا نزايد على تاريخه أحد أعمدة الدراما المصرية ولكن بالنسبة لمسلسل "الضاحك الباكي" -والذي استثمر فيه بصماته القديمة في الإخراج- خلا تمامًا من متعة الإبهار البصري والذي لم يتستعين فيه بتقنيات أو معدات حديثة لتنفيذها. بالإضافة إلى أن الحبكة الدرامية جاءت مطولة للغاية خاصا في سرد تفاصيل كثيرة تفوق الملل إلى أن تجاوز المسلسل الـ 20 حلقة الأولى ولا يزال الريحاني يعاني من مراحل الفشل من مسرح لآخر، ومن محطة لأخري. مع تكرار مشاهد النزاعات والمنافسة مع كل فنان يتعامل معه فضلا عن تفاصيل كثيرة غير مهمة مثل تناوله وجبات من صندوق القمامة ونومه في مخازن دقيق، ولكن تتصاعد الأحداث المتأخرة في العشر حلقات الأخيرة; فشهدت تحسنًا طفيفًا في مشوار نجاحاته مثل رواية "العشرة الطيبة" والتي قام بغنائها سيد درويش في فرقة الريحاني عام 1920، وأخرجها سيد بدير، ثم أعاد تقديمها الريحاني في الأربعينات بمسرحية "السكرتير الفني". مع كل خطوة يخطوها الريحاني نجد نزاعات وصراعات جديدة سواء سياسية أو مالية، ثم نعود إلى نقطة الصفر حتى في مرحلة دخوله عالم السينما وأفلامه التي تعد الأهم في مشواره الفني، اكتفي المخرج بالحديث عنها في بعض الكلمات في الثلاث حلقات الأخيرة، بالإضافة إلى إظهار صور شديدة السلبية تُسيء إلى رموز فنية كبيرة مثل الفنان يوسف وهبي والذي نجده رجلًا حاد الطباع يُسيء معاملة زملائه ويمتنع عن دفع أجورهم، وكذلك بديعة مصابني والتي تظهر في صورة امرأة استغلالية بنت ثروتها على حساب رجل آخر ثم القت به في الشارع، وهو أمر لا نعتاد عليه في أعمال السير الذاتية حتى إذا كانت حقيقية فلا بد أن يحتفظ الفنان بصورته ومكانته أمام الجمهور.