حقق حوار الدستور مع النجم أحمد السقا ردود أفعال قوية في الوسط السينمائي والصحفي وبين القراء والجمهور، فالحوار كان انفرادا حقيقيا لجريدة الدستور مع النجم أحمد السقا بعد عرض فيلم « الديلر»، ثم أنه كان الأول من نوعه الذي يتحدث فيه السقا الإنسان بعيدا عن فلاشات الكاميرا التي تزيف الابتسامة وتهذب الانفعال وتجمل الكلمات.. كان السقا حقيقيا أو بالأحري غير متحفظ لأول مرة.. لقد أجرينا حوارا مع أحمد محمد صلاح الدين السقا، وليس مع النجم أحمد السقا.. حتي إننا أجرينا الحوار في بيته.. ذلك المكان الحميمي الذي يخلع فيه الفنان ثياب النجومية ويطلق سراح طبيعته لتفعل ما تشاء دون قيود.. من فرط جرأة الحوار، أدعي البعض أنه مفبركا، ثم أكد البعض أن السقا من المستحيل أن ينطق بما صرح به في الحوار، ثم تخيل البعض أن إجراء الحوار هدفه ضرب خالد النبوي، وأخيرا أشار البعض إلي أننا ضغطنا علي السقا لإجراء الحوار! وكانت هذه أطرف إدعاءات عجائز الفرح.
بالطبع لن ندافع عن أنفسنا، فلسنا متهمين، لكننا مهتمون بكشف ضعف وركاكة حجج الكسالي، ولنبدأ من اتهام فبركة الحوار، فهذه مردود عليها بشريط مسجل عليه الحوار كاملا، وكذلك يمكن الرد علي الحجة الثانية بنفس الرد علي الحجة التي تسبقها، فالسقا بشحمه ولحمه هو من أجاب عن أسئلتنا، ويبدو أن بعضا ممن فبركوا حوارات للسقا قد انزعجوا من اعترافاته الأخيرة للدستور.
أما ردنا علي الحجة الثالثة التي تؤكد أن هدفنا من الحوار هو ضرب خالد النبوي الذي يشارك أحمد السقا بطولة الفيلم، فهذه مردود عليها بأننا بالفعل طلبنا إجراء حوار مع خالد النبوي، لكنه أكد أنه مرتبط بحوار مع جريدة أخري، ولم نجر الحوار معه بسبب التزامه مع الجريدة الأخري، وأجرينا بعد ذلك مباشرة حوارنا مع السقا، فهل لهذا علاقة بضرب خالد النبوي؟!
أما عن حجة الضغط علي السقا لإجراء الحوار، فمردود عليها بأن السقا لم يوقع لنا «كمبيالات» أو «وصلات» أمانة لنهدده بها، كما أننا لن نذكر لكم كيف وصلنا إليه وأجرينا معه الحوار في الوقت الذي عجزتم أنتم في الوصول إليه.
وإجمالا، كل ما سبق يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن السقا واحد من أهم نجوم هذا الجيل، وأن قسم الفن في جريدة الدستور أحد أهم أقسام الفن في الصحف المصرية، ومن أكثرها مصداقية واحتراما، وهذا ما يشهد به السوق السينمائي علي اختلافه وتشعبه.
ننتقل إلي النقطة الأهم في هذا الموضوع.. وهي ما جاء في حوارنا مع أحمد السقا من اعترافات وما استدعاه هذا الحوار لدي كل متابع للسينما، وكل متابع للصحافة الفنية.. ألا وهو ثقافة الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه.
أقوي البشر.. أقدرهم علي الاعتذار والتراجع إذا ما اكتشف أنه قد ارتكب خطأ يستحق الاعتذار.. الاعتذار من شيم الكبار أصلا، وفي المقابل وبما أن المرء اعترف بخطأه، ففي هذه الحالة لا يجوز ذبحه والتشهير به وتصفيته، فيكفيه إحساس الندم الذي يدغدغ روحه، قبل أن يستقبل سكاكين المحيطين به.
أحمد السقا أول نجوم السينما الشباب اعترافا بخطأه، وإن كان الفنان عمرو واكدقد سبقه في ذلك بتبرأة من فيلم « المشتبه»، لكن يظل السقا هو النجم الأول بمقاييس الجماهيرية وشباك التذاكر اعترافا بالخطأ، وهذه شجاعة لا يمتلكها سوي الواثقين، فالسقا هو أهم نجم جماهيري، وأول نجم من جانات سينما ما بعد العام 1997 يعلن عن ندمه لبطولته فيلم سينمائي أو عمل فني عموما، فقد اعتدنا من نجوم السينما الجدد - أو الذين لم يصبحوا جدد- أن يفخر كل واحد منهم بالفشل، وأن يعمي الله عينه وقلبه عن رؤية مظاهر القصور في أفلامه، وأن يخترع كل منهم حجة واهية وعقيمة للإخفاق، ليتبجح كل واحد منهم بعدها بأن فيلمه لم يفشل، وأن فيلمه جيد، بل وممتاز، لكن كل الظروف تضافرت لمنع وصول الفيلم إلي الناس، وهذه الظروف أصبحت «أكلشيه» يردده كل نجم من كتاب محفوظات النجوم، وتتلخص أسباب الفشل في الآتي: 1- كأس العالم 2- رمضان 3- حرب المنتجين 4- حرب الموزعين 5- الامتحانات 6- إنفلونزا الخنازير 7- ولادة زوجته 8- طهور ابنه!
لكن أن يعترف أحدهم أن السيناريو سيئ وأن الإخراج فاشل، وأن العمل كله بلا قيمة، فتلك شيمة لا تفخر الغالبية العظمي من نجوم هذا العصر بامتلاكها، ليختلق كل منهم سببا يناسبه.. بعضهم يعلق عدم اعترافه علي شماعة الأدب وعدم الرغبة في التشهير بفيلمه، حتي وإن كان اعترافه بالخطأ هو الوسيلة الوحيدة لتسجيل احترامه في سجلات تاريخ السينما، بينما يتشبث آخرون بقشة النجاح التجاري، والتي تنقذهم من مطاردة الفشل لهم، فيعترفون علي مضض بنجاح الفيلم رغم قناعتهم الأكيدة بأن الفيلم نجح بالصدفة!
أحمد السقا اعترف بصراحة يحسده عليها الجميع في حوار انفردت الدستور بإجرائه معه بجرأة، بأنه ارتكب خطأ في حق نفسه أولا ثم في حق جمهوره، لقصور رؤيته ورأيه قبل تصوير «الديلر»، ثم إنه اعتذر عن تسليم نفسه لمخرج قام بتشويه السيناريو.. هذا بخلاف استهتار المخرج بقيمة العمل من الأساس، كل ذلك فعله السقا رغم علمه ومعرفته بأن فيلمه يحقق إيرادات جيدة في ظل قصور مزعج في توزيعه، فالفيلم يعرض في خمسين نسخة فقط، بينما تعرض الأفلام المنافسة له في أكثر من مائة دار عرض، لكن النجاح الجماهيري، لم يغر السقا علي خداع نفسه، فالرجل بمنتهي النبل، وبأخلاق الفرسان أكد أن رؤيته للفيلم منذ البداية كانت قاصرة، والحقيقة أن الاعتراف بهذا الأمر - رغم أنه طبيعي وعادي- إلا أن ندرة حدوثه بين أبناء الجيل الحالي، وأبناء الجيل الذي يسبقه، تصنع من اعتراف السقا بطولة استثنائية.. كان السقا في الحوار منطلقا.. لا يرتدي قناع المجاملة الذي دأب علي ارتدائه من باب الأدب واحترام الآخرين.. كان لأول مرة منفعلا متمردا علي تربيته في بيت فنان محترم اسمه صلاح السقا.
السقا في الحوار خرج لأول مرة من عباءة «ابن الناس المتربي الطيب المجامل الذي لا ينفعل ولا يخطيء في حق أحد»، وتقمص شخصية «الثائر المنزعج.. المتربي أيضا»، فالرجل رغم انزعاجه الكبير من تجربة «الديلر» كلها، إلا أنه احتفظ بأخلاقه، ولم يكن قاسيا إلا علي نفسه.. لام المخرج، ولم يلم زملاءه الممثلين في الفيلم، وحتي لومه للمخرج، كان لوم شخص محترم لا يعرف التجاوز والخروج عن اللياقة.. كان السقا حريصا علي جمهوره أكثر من حرصه علي نفسه.. في الحوار وجه أحمد السقا كلماته لجمهور شعر أنه خذله، بينما لم يخذله الجمهور وأخلص له، حتي أن فيلم «الديلر» مازال ينافس فيلمي « عسل إسود» و« الثلاثة يشتغلونها» علي الإيرادات!
الحقيقة أننا كجمهور سنكتفي بهذا الاعتراف، وسننتظر عمل السقا القادم كبرهان وتأكيد بأن اعتذاره كان تمهيدا لفيلم مختلف ومتميز، وهو « ابن القنصل» والذي نتمني أن يتفوق بمراحل بعيدة علي «الديلر»، وأعتقد أن ذكاء السقا بإعلان اعتذاره عن «الديلر» يعطينا مؤشرا ذكيا بدوره علي أن الفيلم القادم هو نقلة مهمة في مشواره.. وإجمالا وبلا تحليلات مسبقة، فإنه ووفقا للقاعدة المدهشة: «لا يعتذر إلا الكبار»، كان السقا ومازال كبيرا بين أبناء جيله وبين جمهور وضعه علي قمة هذا الجيل، فهو أول من يتلقي الهجوم علي المغامرات، وهو أول من يحصد ثمار نجاحها، ومازال حتي الآن واحدا من أكثر نجوم جيله قبولا للنقد والهجوم الخشن أحيانا، ومازلنا نتصالح معه أحيانا ونهاجمه كثيرا، ومازال هو يحترم كل كلمة نقد توجه له، ولا ينزعج من نصيحة من يهاجمه، فهو يعلم جيدا أن متقدمي الصفوف أول من يتلقون الطلقات، وسيستمر الهجوم والدفاع متوازيين حتي ينتهي هذا النجم أو تمل السينما والصحافة من سيرته.
بعد هذا المقدمة الطويلة عن بطولة السقا وجرأته، هل يمكن أن يعترف باقي نجومنا عن سقطات فنية قد سجلتها ذاكرة السينما التي لا تغفل؟ أم أنهم سيكتفون في حواراتهم الصحفية والتليفزيونية، بالإعلان عن ندمهم عن فيلم معين، ولكنهم يخجلون من ذكر اسمه لعدم جرح باقي فريق عمله، أو لعدم جرح الجمهور الذي أحب الفيلم وعلينا نحن أن نحل الألغاز ونبحث عن الفيلم الذي ندم عليه النجم! ثقافة الاعتراف والاعتذار غائبة طبعا عن مجتمعنا، لكن استعادتها ليست مستحيلة، واستيرادها من هوليوود ليس عيبا!
ألا يعلم نجومنا الأفاضل، والذين نعتز ونفخر بهم، أنهم بإخفائهم لاسم العمل الفني الذي يتبرأون منه، فإنهم يجرحون سيرتهم بعد موتهم، ويشوهون سمعتهم عند ذكر فيلم سيئ السير والسلوك، والذي يظهر في صحيفة سوابقهم ليشهر أصابع بصماته العشر في سمعتهم، ويوصم تاريخهم كله.. ذاكرة السينما تحفظ الرديء، كما تحفظ السيء، وذاكرة التاريخ تحفظ الناجحين وتؤيد قصص نجاحهم وأرقام إيراداتهم، كما تحفظ الفاشلين وتضعهم في مزبلة التاريخ، خصوصا إذا كانوا يمتلكون أدوات النجاح، لكنهم تكاسلوا. أما الكاذبون فنصيبهم الكشف وتعرية ما يرددونه من أكاذيب وحيل في محاولة لتجميل حقيقة الفشل.
عموما.. موجود في ذاكرة السينما أن أفلام « بوحة» و« كتكوت» و« بوشكاش» و« كركر» أفلام فاشلة بجدارة.. فمتي سيعترف محمد سعد بندمه عليها؟ وموجود في ذاكرة السينما أن فيلم « بوبوس» من أسوأ الأفلام التي أنتجت مؤخرا، فمتي سيقر عادل إمام ويعترف بأنه أساء الاختيار في هذا الفيلم؟ ومتي ستعترف يسرا بمشاركة عادل إمام هذه الجريمة؟ وهل سيعترف محمد هنيديذات يوم بأن فيلم « بلية ودماغه العالية» فيلم سخيف لم يحظ بأي قبول فني؟ ثم هل سيواجه خالد سليم نفسه بأن فيلم « كان يوم حبك» من أسوأ الأفلام التي أنتجتها السينما المصرية؟
ولماذا لم تعترف منة شلبي و مي عز الدين بأن فيلم « كلم ماما» واحد من أسوأ أفلامهما؟ ولماذا لا يعلن مدحت صالحو داليا مصطفي عن خجلهما من الاشتراك في بطولة فيلم اسمه « علموني الحب»، رغم أن الفيلم يعد واحداً من أسوأ أفلام السينما المصرية في الألفية الثالثة؟ ومتي سيعترف المخرج عاطف شكري بأنه هو المحرض علي جريمة اشتراك مصطفي كامل في بطولة أخطر جريمة سينمائية ارتكبت عام 2004 بعنوان « قشطة يابا»؟! ثم السؤال الأهم: ما الذي تنتظره ريهام عبدالغفور لتعلن عن تبرئها الكامل عن جريمتي « بالعربي سندريلا» و« عليا الطرب بالتلاتة»؟ وهل هناك ما يجعلنا نثق في عزت أبو عوف الذي هو رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي سوي أن يبدي الندم ويبوس القدم علي غلطته في حقنا عندما وافق علي المشاركة في فيلم اسمه « أيظن»؟! ولا اعترف إطلاقا بإعلان الندم بالجملة علي مجموعة أفلام في فترة معينة دون تحديد اسم كل فيلم كما فعل أبو عوف في أحد حواراته، فكل فيلم هو جريمة مستقلة بذاتها.
عموما مازلنا ننتظر أن يقرر أي من مجهولي الهوية الذين شاركوا في أفلام « الفرقة 16 إجرام» و« فلاح في الكونجرس» و« كاريوكي» و« ماشيين بالعكس» و« الأكاديمية» و« مجنون أميرة» و« الحكاية فيها منة» و« الزمهلاوية» و« علقة موت» و« لحظات أنوثة» و« قاطع شحن» ليعلن أي منهم مسئوليته عن الحوادث المروعة في حق الإنسانية كلها، وليس في حق السينما فقط.
نعذر جميعا الفنانين في بداية حياتهم الفنية، والتي نتواطأ جميعا في التغاضي عن أخطائها، ونطلق عليها اسم الدلع، ونقول إنها «مرحلة الانتشار»، فبالتأكيد أن جميعنا يتغاضي عن المشاركة الساذجة ل محمود حميدة في فيلم « كيد العوالم»، لكننا أبداً لن نغفر له أن يقدم مثله في هذه المرحلة من حياته، بعد أن قدم أفلام « المصير» و« بحب السيما» و« جنة الشياطين» و« المهاجر»، و« إحكي يا شهر زاد»، وغيرها.
وطبعا لن نسامح ليلي علوي إذا قدمت لنا الآن أفلاما مثل « قبضة الهلالي» و« نور ونار»، وها نحن ندرك جميعا أن احترامنا وعشقنا لقيمة الفنان الراحل أحمد زكي، يمنعنا من الخوض في سمعته وتلويثها بذكر أنه قدم فيلما من أردأ أفلام السينما المصرية، وهو فيلم « أبو الدهب»، ولا أعرف إن كان قد اعتذر عنه أم لا، لكننا في النهاية وبمنتهي الوضوح - بلعنا زلط أبو الدهب- لأنه كان السقطة الكبري الوحيدة لأحمد زكي.. نور الشريف أيضا له سقطات مزعجة تتلخص في « عفريت النهار» و« لهيب الانتقام» و« بنات في الجامعة» و« كراوانة» و« أقوي الرجال» و« الزمن والكلاب»، ولم أسمع ذات يوم أن نور الشريف اعتذر عن هذه السقطات، رغم أنني متأكدة تمام التأكد من أنها أكثر عارا من أي اتهام كاذب ومقيت قد لحقه مؤخراً، وسعي لتبرئة نفسه منه.. بالتأكيد كنا سنحترمهم جميعا.. «محمود وليلي وزكي ونور الشريف» أكثر إذا اعترفوا بما ارتكبوه في حق أنفسهم وفي حق السينما والفن، وفي حقنا كمشاهدين من أفلام قدموها بحجة الانتشار أو لقمة العيش أو بناء علي القاعدة العقيمة «الجمهور عايز كده»، أو بناء قاعدة جماهيرية، فالتاريخ كما يذكر أنهم ارتكبوا أخطاء، فإنه يذكر أيضا أنهم اعترفوا بها وندموا عليها، ودائما يتم ذكر الجريمة - «الفيلم» جنبا إلي جنب بجوار الندم والاعتذار وإبراء ذمة الفنان أمام نفسه وأهله وجمهوره، ولذا فليعلم الفنانون أن الحوارات الصحفية الجريئة التي يعترفون فيها باعترافات حقيقية قد تصدم جمهورهم، ولكنها تريح بال الفنان، وتوضع في ذاكرة الصحافة أيضا، والتي لا تقل أهمية وقيمة عن ذاكرة السينما، وأن حواراتهم المتميزة القيمة، هي تأريخ لهم ولكلماتهم وفكرهم وقيمتهم، وأن هذه الحوارات هي التي تعكس أهميتهم وقيمتهم وصدقهم وجرأتهم.. باختصار إن الصحافة الفنية هي التي تؤرخ لحقيقة الفنان، وهي التي تحدد قيمته بين أبناء جيله ومن سبقه ومن لحقه من أجيال، فالتاريخ له أكثر من باب، ولا يجب أن يجعله البعض ضيقا برفض الحوارات أو جعلها مجرد سلم للتلميع وتجميل الصورة، فكل هذه الأمور مؤقتة، والصورة لن تتجمل برتوش الكذب وإن أوهمت الجمهور بعض الوقت، وإنما تتجمل الصورة وتصبح مذهلة كل الوقت برتوش الصراحة وتطهر الاعتراف!!.