قصة السينما والقبعة والنبي

في حوار نادر مع الأسطورة الهوليوودية "والت ديزني"، سُئل عما يربحه مقابل ما يصنعه من أفلام، يومها قال مقولته الشهيرة:

"نحن لا نصنع الأفلام لكي نحصل على الأموال، نحن نحصل على الأموال لصناعة المزيد من الأفلام".

الأمر بالطبع سيصبح كوميديًا إذا طبقنا هذه المقولة على حال السينما في مصر والوطن العربي، هنا الأمر أكثر وضوحًا، نحن نصنع معظم الأفلام لكي نحصل على الأموال.

في فترة زمنية قريبة، تعالت الأصوات مطالبة بمقاطعة أفلام عائلة السبكي مقاطعة تامة، لما تقدمه من أفكار بذيئة وقد اتهم البعض أفلام السبكية بترويج أفكار البلطجة، ما يؤثر بطبيعة الحال على الأجيال القادمة، وأشياء من هذا القبيل، فيما كان صوت العقل يبين أن هذه الدعوة ستضر بحال السينما، وستقلل الإنتاج وسيؤثر ذلك على صناعة السينما ككل، وإذا كان البعض يعاني من هبوط مستوى الأفلام التجارية كما يطلقون عليها، فعليهم تشجيع السينما المستقلة وغير التجارية، والتي تعاني من ضعف الإنتاج وقلة الإقبال.

وقد اتجهت الأنظار للمخرجين الكبار أصحاب التاريخ السينمائي الكبير والخبرة المسبقة، وتحديدًا اسمين اثنين: محمد خان وداوّد عبدالسيد. بحكم أنهما المتبقيان من جيل العظماء، واللذان لا يزالا يشاركان بأفلامهما من وقت لآخر، فقد أصدر داوّد عبدالسيد فيلمه الجديد "قدرات غير عادية" وأصدر خان فيلمه "قبل زحمة الصيف" مؤخرًا، لكن للأسف خرج الفيلمان أقل من مستوى تطلعات الجميع بشكل محبط للغايةـ قد لا يكون هو آخر أمل لعشاق السينما الجيدة إذا صحت التسمية، ولكن كما يقال "ضربتين في الرأس توجع".

كان غسان كنفاني، الروائي الفلسطيني البارز، يمكث على كتابة مسرحية جديدة أسماها "حكاية الشيء الذي جاء من الفضاء وقابل رجلًا مفلسًا". قبل أن يغير الاسم إلى "القبعة والنبي" وفي تفسيره لـ اختيار الاسم قال: القبعة تستر رأس الرجل من الخارج والنبي يستره من الداخل.

فمتى يشعر السينمائي الجيد أنه أمام مسؤولية كبيرة؟ متى يشعر أنه في بعض الآحيان تتعلق به آمال جمهور كامل من المتابعين في انتظار أعماله.

السينمائي هو نبي رسالة السينما، عليه أن يشعر بذلك وهو يضع كل لمسة على عمله، عليه أن يتذكر أنه ليس فقط أمام صناعة شريط مدته ساعتين، لكنه أمام مسؤولية صناعة رسالة قد تمتد لأجيال قادمة، لا ألوم بالطبع خان أو عبد السيد فكل فنان مسؤول عن تقديم وجهات نظره كما يراها، قد تعجبني أو لا، لكن يخالطني احساس بالغضب أن صاحب "الكيت كات" و"أرض الخوف" وغيرهما، وصاحب "خرج ولم يعد" و"زوجة رجل مهم" و"أحلام هند وكاميليا"، لم يقدرا المسؤولية ولم يوقظا نبيهما واكتفيا بارتداء القبعة من الخارج، وإن كنت أتمنى أن المرة القادمة عندما يأتي الشيء من السماء لا يقابل رجالًا مفلسين.