برحيل المخرج سمير سيف تكون السينما المصرية فقدت واحدًا من أهم مخرجيها، سمير سيف الذي تخرج من المعهد العالي للسينما في عام 1969 وبدأ حياته العملية مساعدًا للإخراج مع حسن الإمام والذي تعلم منه أشياء كثيرة، منها كيفية صناعة الفيلم الجماهيري الكبير الذي يخاطب شريحة واسعة من الجمهور، سيف ينتمي لجيل من المخرجين بدأت مسيرتهم في فترة السبعينات، منهم سعيد مرزوق، محمد راضي ، علي عبدالخالق، أشرف فهمي وهى مرحلة حرجة في صناعة السينما عقب إغلاق المؤسسة العامة للسينما وأصبح بالتالي على المخرجين الجدد إيجاد طرق جديدة لصنع السينما التي يحلمون بها.
سمير سيف من مواليد أكتوبر 1947 بمدينة شبرا، مشاهدته في سن مبكر لفيلم "صراع في الوادي" لـيوسف شاهين كان دافعه الأساسي لحب السينما وقراره وهو في المرحلة الإعدادية أنه يريد أن يصبح مخرجًا، التحق سيف بالمعهد العالي للسينما في عام 1966 وتخرج منه الأول على دفعته وهو ما أهله ليصبح معيدًا، لكن سيف برغم تفوقه في التدريس إلا أنه استطاع تحقيق مسيرة إخراجية مميزة وأن يحقق توازنًا بين العمل في سوق السينما والتدريس وهى معادلة لم ينجح فيها كثيرون.
سمير سيف عندما كان يدرس في المعهد العالي للسينما في الستينيات وحصل على فرصة للتدريب مع يوسف شاهين في فيلم "الناس والنيل" ؛ في هذه التجربة تعلم سيف في بداية حياته درسًا مهمًا في عمله كمساعد مخرج، فعندما أبدى رأيًا سلبيًا تجاه حركة كاميرا قام بها شاهين وقال رأيه بصوت مسموع وكان يقف بجواره الممثل عزت العلايلي، فقام العلايلي بنقل ما قاله ليوسف شاهين فغضب منه شاهين وكان الفيلم الأول والأخير الذي عمل فيه مساعدًا له، لكن في المقابل خرج من التجربة بمعرفة سعاد حسني والتي فتحت له الطريق للعمل مساعدًا مع حسن الإمام في فيلم "خلي بالك من زوزو" وكان الإمام وقتها يمقت طلبة المعهد لإعتقاده أنهم دائمي السخرية والتنظير على أفلامه وكان لا يريد أن يعمل سيف في فريقه لأنه قادم من المعهد لذلك كان في قرارة نفسه إرضاء لسعاد حسني سيتركه يعمل معه أسبوعًا ثم بأي حجة يقرر الاستغناء عنه إلا أن سيف كان قد وعى الدرس من تجربته مع شاهين بأنه عندما تكون مساعدًا للمخرج، عليك تنفيذ رؤية المخرج وفقط وتحتفظ بأرائك لنفسك، لذلك استطاع استيعاب حسن الإمام لدرجة ان أصبح مساعده الأول في 7 أفلام بعد ذلك.
نجاح تجربة سيف في التمصير مرجعها الأساسي هو وعيه بأنه إذا كنت ستقتبس عملًا أجنبيًا أقتبس الفكرة فقط لكن عليك خلق عالم وشخصيات تنتمى لبيئتك. هنا سينجح العمل وسيشعر معه الجمهور بالحميمية والألفة.
سمير سيف لن تجد له مريدين كثر كمريدين عاطف الطيب وداود عبدالسيد لأن الرجل مخلص للسينما فقط، غير مؤدلج سياسيًا، سمير سيف إذا كان بالإمكان تصنيفه فهو مؤدلج سينمائيًا هو مخرج محترف، أعطيه موضوعًا مثل "الغول" سيصنع لك فيلمًا رصينًا ذات صبغة سياسية، أو أعطيه موضوعًا مثل "احترس من الخط" سيصنع لك فيلمًا كوميديًا بسيطًا ولطيفًا، هو مخلص إذن للفيلم الذي يصنعه ولذلك ستجده ينتقل بسلاسة بين أنواع فيلمية مختلفة (Genres) من الأكشن في دائرة الانتقام والمشبوه للكوميدي في غريب في بيتي والشيطانة التي أحبتني إلى الاستعراضي الغنائي في المتوحشة.
كذلك تجد أن سيف لم يحصل على حفاوة نقدية مثل التي حصل عليه بعض من أبناء جيله من مخرجي الثمانينات ويعود ذلك بالأساس إلى أن جيلًا من النقاد والمثقفين السينمائين كانوا يصنفون الفيلم حسب هواهم السياسي إذا كان الفيلم يطرح موضوعًا يداعب أفكارهم فسينحازون له فورًا وإذا كان فيلمًا كوميديًا أو استعراضيًا سينخفض تصنيفه درجات لديهم وحتى إذا قدم أفلامًا من التي يحبونها مثل الغول، معالي الوزير، آخر الرجال المحترمين وغيرها تذهب الحفاوة إلى كاتبها وحيد حامد وكأن سمير سيف هو مجرد منفذ جيد لهذه المشاريع.
فسمير سيف في أفلامه كان يميل إلى البساطة فالمخرج الجيد هو الذي يجعلك ألا تشعر بوجوده فلن تجد في أفلامه حركات كاميرا صعبة وميزانسين معقد أو زوايا تصوير غريبة، هو يصور المشهد بأبسط الطرق ووفقًا لما تطلبه الدراما، الأولوية عنده التعبير بصريًا عن مضمون المشهد بشكل سلس وبسيط.
السينما المصرية سينما كبيرة عمرها أكثر من مائة عام، لا يجب أن نختصرها في مجموعة محددة من المخرجين وننسى في المقابل آخرين ، كذلك لا يجب أخذ موقف مسبق من المخرجين الذين يقدمون أفلامًا تحقق تماسًا واضحًا مع الجمهور وكأن الحال إذا كان الفيلم ناجح تجاريًا فهو بعيد عن الفنية، سمير سيف من المخرجين الذين يستحقوا مراجعة أفلامه وإبراز عناصر التميز الفني بها، فالرجل قدم مسيرة ناجحة استمرت ما يقرب من خمسين عامًا وقدم ألوانًا فنية مختلفة.