ربما لم تكن مديحة كامل أجمل فنانات جيلها أو أكثرهن شهرة، لكن الأمر المؤكد أنها فنانة ذات طابع خاص، وتميزها لم يكمن فقط فى طبيعة شخصيتها أو طريقة اختيارها لأدوارها، بل أن التميز كان سمة لها منذ ولادتها حتى وفاتها اللذان تصادفا أن يكونا فى نفس اليوم، وفى تلك الذكرى نحاول أن نستعرض شريط حياة لفنانة عاشت ورحلت فى هدوء، لكنها حفرت لنفسها مكانا داخل قلوب عشاقها.
رابعة العدوية
ولدت مديحة كامل فى الإسكندرية لأب ثرى كان يمتلك مضارب أرز، وكان ترتيبها الثانى بين أشقائها الستة، ومنذ طفولتها كانت متعددة الهوايات، تعشق التمثيل، تمارس لعبة كرة السلة والكرة الطائرة، ولكنها لم تكن متفوقة دراسياً، فكانت درجاتها ضعيفة فى المواد الدراسية، لكنها تحصل على درجات عالية فى الألعاب الرياضية والتمثيل، وفى المرحلة الإعدادية تم اختيارها فى إحدى الحفلات المدرسية للقيام بدور رابعة العدوية فى المسرحية التى تحمل نفس الاسم، وأبدعت فى تمثيل الدور، حتى أنها حصلت على كأس الجمهورية لأحسن ممثلة مدرسية، وفى حوار قديم لها تحدثت عن دورها فى تلك المسرحية فقالت " فى أخر مشهد من المسرحية، كنت أؤدى دور رابعة وهى خاشعة وتدعو الله، هذا المشهد أديته ببراعة، وصفق لى كل الحاضرين، وقتها أحسست أن هذه إشارة لأكون فنانة وممثلة".
التأميم دمر الأسرة
عاشت مديحة كامل حياة مستقرة وهادئة، إلا أن تلك الحياة السعيدة لم تستمر طويلاً، فبعد أن طُبق على والدها قرارات التأميم بعد ثورة يوليو، تغيرت حياة الأسرة تماماً، وزادت الخلافات بين الأب والأم حتى وصلت للانفصال، فقررت الأم ترك الإسكندرية، والاستقرار فى القاهرة مع ابنتها، وكانت تلك أول أزمة قابلت مديحة كامل فى حياتها.
عارضة أزياء
استكملت مديحة كامل دراستها فى القاهرة فى المدرسة القومية النموذجية بالعجوزة، وفى تلك الفترة كانت هناك مسابقة لاختيار عارضات الأزياء، فتقدمت للمسابقة، ونظرا لتمتعها بالجمال والرشاقة والجاذبية، نجحت فى هذا المجال، واعتبرتها فرصة ربما تضعها على بداية طريق الفن الذى تحبه.
زواج فى سن 17
فى تلك الأثناء جاء والدها من الإسكندرية ليخبر الأم بوجود عريس لابنتهما من عائلة كبيرة، وعلى الرغم من أن مديحة كامل كانت لاتزال صغيرة فى السن، فلم يتعد عمرها 17 عاما فقط، بينما العريس تجاوز الأربعين، إلا أنها وافقت على الزواج عندما وجدت أسرتها موافقة على تلك الزيجة، كما أنه وعدها بأنه لن يقف أمام رغبتها فى العمل بالفن، وبالفعل تزوجته وأنجبت ابنتها الوحيدة ميريهان، قبل حصولها على الثانوية العامة.
البداية داخل الأسانسير
جاءت فرصة الظهور الأول لمديحة كامل فى السينما بالصدفة البحتة، حيث قابلت المخرج أحمد ضياء الدين فى أسانسير العمارة التى تقيم والدتها فيها، وقال لها أنها وجه صالح للسينما، ثم عرض عليها دور صغير فى فيلمه فتاة شاذة مع رشدى أباظة و شويكارو محمود المليجى، فرحت مديحة بهذه الفرصة، وناقشت الأمر مع زوجها، فلم يمانع شرط ألا يؤثر الفن على البيت، وبالفعل قدمت الدور، ومع نجاحها فى هذا الفيلم، بدأت الخلافات بينها وبين زوجها، حيث طلب منها ترك الفن، حتى أنه هددها بالطلاق، فاستجابت له، وتفرغت لرعاية ابنتها، ولكنها لم تستطع الابتعاد عن الفن بعد أن جربته، فتم الطلاق بينهم بعد 3 سنوات من الزواج، لتنطلق بعدها وتقدم الكثير من الأدوار الثانوية والصغيرة فى العديد من الأفلام مثل العقل والمال، مطاردة غرامية، هو والنساء، أما أشهر أدوارها فى تلك المرحلة فكان فى فيلم 30 يوم فى السجن إخراج نيازى مصطفى، وبطولة فريد شوقى، أبو بكر عزت، نوال أبو الفتوح.
وإذا كانت فترة الستينات شهدت بدايات مديحة كامل، فإنها استطاعت فى السبعينات إثبات موهبتها الفنية فى العديد من الأفلام التى جسدت فيها الدور الثانى، وكان من أهم تلك الأفلام، أختى، أغنية على الممر، حب وكبرياء، البنات والمرسيدس، السكرية، فى الصيف لازم نحب و أبناء الصمت.
دور عمرها
رغم موهبة مديحة كامل وقدراتها التمثيلية العالية، إلا أنها كانت بعيدة عن أدوار البطولة مثل نجمات جيلها، حتى جاءتها فرصة عمرها فى فيلم الصعود إلى الهاوية الذى أعطاها النجومية التى ظلت تحلم بها طوال حياتها، وعن قصة قيامها بهذا الدور كتب الناقد الفنى كمال رمزى فى كتابه " نجوم السينما" " "كان فيلم الصعود إلى الهاوية ل كمال الشيخ من نصيب مديحة كامل، بعد أن رفضته نجمات الصف الأول في تلك الأيام سعاد حسنى، نجلاء فتحى، ميرفت أمين، شمس البارودى، نيللى، ذلك أنهن اعتقدن ـ وربما معهن بعض الحق ـ أن هذا الدور لا يتلاءم مع شخصياتهن الفنية، وأن قيامهن بدور جاسوسة تخون وطنها سيؤثر بالسلب على جماهيريتهن، وبدا ترحيب كمال الشيخ بأن ترتقى ممثلة الأدوار الثانوية مديحة كامل إلى الدور الأول رهاناً غير مأمون العواقب، كما بدا قبول مديحة كامل لأداء هذه الشخصية مغامرة تحمل قدراً كبيراً من الخطورة، بعبارة أخرى بدت البطولة المطلقة الأولى لمديحة كامل كما لو أنها جاءت لها من باب المصادفة، ولكن بعد نجاحها الكبير فى هذا الفيلم، ومع توالى أدوارها ذات الطبيعة الخاصة التى تحمل شيئاً ما من شخصية "عبلة" يدرك المرء أن إسناد دور عبلة لها ليس مجرد مصادفة ذلك أنه ذهب لها كما ذهبت هى له، مضيفاً أنه قبل الصعود إلى الهاوية ظهرت مديحة كامل فى عشرات الأدوار الهامشية والثانوية، ارتدت المايوهات الساخنة وقمصان النوم الشفافة، ولكن لم تستطع أن تنافس نجمات الإغراء ناهد شريف، سهير زكى، شمس البارودى، وحاولت أن تكون رقيقة، عذبة، ولكن لم يكن لها أن تضاهى نجلاء فتحى، وميرفت أمين، وبذلت جهداً جاداً كى تثبت نفسها كممثلة متمكنة، لكن كان من الصعب أن تحقق طموحها فى حضور سعاد حسنى و نادية لطفى، لذلك كان لابد لكى تستمر وترتقى، أن تحصل على دور يختلف عن الأدوار السائدة فى أفلام السبعينيات، والتى تذهب تلقائياً لنجمات راسخات، ووجدت مديحة كامل بغيتها فى الصعود الى الهاوية الذى فتح لها باب النجومية على مصراعيه.
مرحلة النجومية
لم تتوقف مديحة كامل عند النجاح الذى حققته فى الصعود إلى الهاوية، إذ انطلقت بعده لتقدم أفلاما عديدة ناجحة مع أهم المخرجين، لتثبت أنها تستحق أن تكون نجمة أولى، فقدمت الرغبة مع محمد خان، عذاب الحب مع على عبد الخالق، الجحيم مع محمد راضى، عيون لا تنام مع رأفت الميهى، ملف فى الآداب ل عاطف الطيب، وأفلام أخرى كثيرة نالت نجاحاً نقدياً وجماهيرياً كبيراً.
وعلى الرغم من كونها نجمة سينمائية فى الأساس، إلا أنها قدمت العديد من الأعمال المسرحية والتليفزيونية التى حققت نجاحاً كبيراً، ففى المسرح قدمت هاللو شلبى، الجيل الضائع، حلو الكلام، يوم عاصف جدا والتى تعد من أهم مسرحياتها ، وفى التليفزيون قدمت العديد من المسلسلات مثل العنكبوت، الأفعى، الورطة، ينابيع النهر، وكان أخر أعمالها التليفزيونية مسلسل البشاير.
قوة الشخصية
إذا كانت مديحة كامل عٌرفت فى الوسط الفنى بشخصيتها القوية ودفاعها عن حقوقها، فإن الفضل فى ذلك يعود للفنانة نادية لطفى كما صرحت مديحة كامل فى إحدى حواراتها الصحفية، فقالت " أنا إنسانة طيبة وحسنة النية، لكننى كثيراً ما أندم على هذه الطيبة، فقد صادفتنى متاعب لا حصر لها نتيجة طيبتى وحسن نيتى، وتعلمت ألا أكون بسبب هذه المتاعب بهذه الطيبة، وقد ساهمت نادية لطفى فى أن أتعلم هذا الدرس جيداً، ذات يوم كنا فى استديو الأهرام، ووجدتنى اتصرف بطيبة زائدة على الحد فى موقف لا يحتاج لأى حسن نية، فأخذتنى جانباً وصرخت فى وجهى قائلة، لابد أن تكونى إنسانة قوية، إنسانة تعرف كيف تدافع عن نفسها وحقوقها، إما هذا وإما تتركين الحياة العامة، وتذهبين لبيتك، ومن يومها أصبحت أحرص على أن أدافع عن حقوقى.
حظ سيىء فى الزواج
عانت مديحة كامل من الحظ السيىء فى زيجاتها الثلاث، وإذا كانت الزيجة الأولى من والد ابنتها ميريهان قد فشلت بسبب الغيرة، فإن أسباب الانفصال من الزوج الثانى المخرج شريف حمودة لم تختلف كثيراً، فالغيرة الشديدة والتدخل فى عملها الفنى كان السبب الرئيسى فى الطلاق، أما الزيجة الثالثة فكانت الأسوأ فى حياتها، حيث تزوجت تاجر السيارات إسماعيل منصور، وكان أملها أن تستقر وتعيش حياة هادئة ومستقرة، ولكنها وجدت من طبعه ما دمر الاستقرار، حيث كان يغار عليها بجنون، وفى إحدى المرات كانا فى إحدى المطاعم، واعتدى عليها بالضرب لأنها هزت رأسها ردا لتحية معجب لا تعرفه، فلم تتحمل هذه الغيرة الجنونية، وطلبت الطلاق منه.
قرار الاعتزال
الاعتزال فكرة راودت مديحة كامل كثيراً طوال مشوارها الفنى، فكانت تعلن عن تفكيرها فى الاعتزال، ثم تتراجع فى اللحظات الأخيرة، فأثناء تصوير فيلم ملف فى الآداب عام1985 أظهرت الرغبة فى اعتزال السينما، وقالت أنها تفكر جدياً فى الاعتزال والتفرغ لإنشاء مكتب ديكورات حتى لا تشارك فى الأعمال الهابطة، وفى العام التالى 1986 قالت أنها تستعد للاحتجاب عن الوسط الفنى فى المستقبل القريب، وربما تعمل فى الديكور أو صاحبة محل للورود، وفى عام 1988 قررت أن تظهر فى صورة جديدة من حيث الملابس ونوعية الأدوار، ووضعت مجموعة من المحاذير فى الأعمال السينمائية، وقالت أن ارتداء الحجاب ربما يكون الخطوة التالية عندما تغير المهنة، أما عام 1992 فقررت تنفيذ قراراها بالاعتزال، فأثناء تصوير دورها فى فيلم بوابة إبليس أعلنت اعتزالها التمثيل نهائياً وارتداء الحجاب، بل ورفضت تصوير باقى مشاهدها بالفيلم، مما اضطر المخرج عادل الأعصر للاستعانة بدوبليرة لاستكمال مشاهدها.وقد رفضت مديحة كامل حينها التحدث فى أسباب هذا القرار، ورفضت إجراء أى حوارات صحفية أو تليفزيونية، إلا أنه عقب وفاتها بسنوات نشرت مجلة " صباح الخير" محتوى شريط فيديو لجلسة دينية نسائية تحدثت فيه مديحة كامل عن أسباب اعتزالها، وكيفية اتخذت هذا القرار، فقالت " زهدت العمل والدنيا، كنت أتحاور مع نفسى وأنا فى غرفة الماكياج استعداداً لمشهد أقوم بتمثيله فى البلاتوه، وأقول لنفسى أنا بعمل إيه .. إلى متى، وبعدين كنت أشعر أننى غريبة عن الوسط الفنى، كنت اذهب يومياً للاستديو، وبالرغم من حب الناس لى، إلا أننى كنت أشعر بغربة شديدة، أحسست إنى أريد أن أترك المجال، هذا ليس إساءة للوسط الفنى، بالعكس أنا احترم هذا الوسط جدا، لكن كل هذه أحاسيس خاصة بى، كنت اكسب بالآلاف ومش عارفة فلوسى بتضيع فى إيه، مش حاسة بطعم الأكل ولا عارفة راحتى فين، كنت تعبانة، وتضيف، حاولت أن أعمل عملاً آخر، أن أقوم بعمل مشغل تريكو صغير ابدأ به حياتى الآخرى، طلعوا شائعات ولم يتركونى فى حالى، وقالوا مفيش شغل بيتعرض عليا، ومفيش مخرجين بيحبوا يسندوا لها بطولات رغم أننى كنت أمثل ثلاثة وأربعة أفلام فى السنة، وأثناء هذا الوقت مرضت أمى قبل اعتزالى بعام، وبدأت رحلة التأمل وإعادة الحسابات مع نفسى، أدركت أن المرض ليس له ميعاد، من هنا شعرت أن الحياة ليس لها أمان.
الفن ليس حراما
وفى هذه الجلسة تحدثت مديحة كامل عن الشائعات التى أثيرت بشأن تبرأها من أعمالها، فقالت بدهشة " أتبرأ من الفن.. أحرم الفن، لا يوجد فنان يملك أن يحرم الفن، فالفن ليس وصمة عار، بالعكس ده رسالة سامية وعظيمة، الفنان قدوة للمجتمع لأنه يقدم نماذج شخصيات تفيد الجمهور، فأنا مثلا قدمت دور عبلة فى الصعود إلى الهاوية، وهو دور أعتز به، وأحب أن أشاهده دائما فى التليفزيون، وهو دور يوضح العقاب الذى يلقاه أى إنسان يخون وطنه، ثم أننى أرى أن من يحرم الفن هو الذى فعل الحرام فحرمه، فمن يقول أن الفن حرام يتكلم عن نفسه فقط، ولا يعمم الحرمانية على الفن كله".
الأمنية الأخيرة
عاشت مديحة كامل بعد اعتزالها حياة أكثر هدوءاً وطمأنينة مع ابنتها وزوج ابنتها، وتقبلت أصابتها بمرض سرطان الثدى بصبر وإيمان، وظلت تعانى من آلامه في السنوات الأخيرة، ورغم آلام المرض كانت حريصة على أنشطتها الدينية والخيرية والاجتماعية، وكل هذا بعيداً عن الأضواء وبريق الإعلام والشهرة والنجومية، وكانت تدعو الله دائما فى صلاتها أن يكون رحيلها فى شهر رمضان، وأن تموت فى فراشها، وبالفعل استجاب الله لدعائها، وفي منزلها يوم 13 يناير 1997 االذى صادف الرابع من شهر رمضان توفيت مديحة كامل بعد أن صلت صلاة الفجر جماعة مع ابنتها وزوج ابنتها، ليكون رحيلها فى نفس يوم ميلادها.